من هو أحيقار وما قصته

 

 

             

                          

                     روميل حنا يوسف

                قد يكون اسطورة وقد يكون اسم شخص عاش فعلا في زمن الملكين الاشوريين سنحاريب ( 704- 681 ق. م ) واسرحدون ( 680-669 ق . م ) وقد يكون لقبا أو صفة او اسم مهنة او حرفة فالعظيم والعظمة يصبحان أسطورة حتما شاء المؤرخون ام أبوا لان التاريخ ليس تسجيلا وتصويرا ونقلا بل يبدا التاريخ حين يبدا الناس في التفكير بانقضاء الزمن ليس بمعايير السياقات الطبيعية - دور الفصول أمد الحياة البشرية وانما بوصفه سلسلة من الاحداث المحددة التي ينخرط الناس فيها بصورة واعية .

اكتشف اقدم نص لقصة أحيقار على اوراق البردي ترجع الى القرن الخامس ق .م وهذا لا يعني طبعا انه لم يكن ثمة نص اقدم لم يسلم من الضياع .

تقول القصة ان أحيقار كان وزيرا ومستشارا لملك اشور ونينوى سنحاريب وكان حكيما عظيما ذا مال وفير ومعرفة ورأي وتدبير لم ينجب فتزوج عدة نساء لكنه بقي دون وريث فكان كثير الهم استشار المنجمين والعرافيين فأشاروا عليه ان يذبح للالهه ويقوم بافعال خير ولكنه لم ينل مبتغاه. وتظيف النصوص السريانية انه هجر الوثنية الى عبادة الاله الواحد ولم يرزق له ولد ..

الا انه سمع صوت الرب يوما يقول له خذ نادان ابن اختك واجعله وريثك علمه علمك ولقنه حكمتك فأخذ نادان وكان بعده رضيعا واعتنى بأمره ولما شب علمه القراءة والكتابة والادب والفلسفة والعلوم وبعد سنوات كبر أحيقار وشاخ فأشار عليه الملك ان يعين من يخلفه في منصبه فأجابه انه قد اتخذ ابن اخته ولدا فأمره الملك بأحضاره وعجب لادبه وحكمته فوافق على تعيينه خلفا لاحيقار فأخذ خاله يبذل النصح له ويطلعه على اسرار النجاح في مهمته ساردا له تجاربه في الحياة فالتجربة خير معلم وتنازل احيقار عن وظيفته وثروته العظيمة من اموال وممتلكات وعبيد ولم يحتفظ لنفسه الا بشىء يسير دلالة على شدة محبته لنادان - لكن خابت امال خاله بتصرفاته الطائشة بحيث يضع خاله واهله عرضة لنقولات شتى حتى يضطر أحيقار ان يعاقب نادان ويسترد الميراث مانحا اياه الى الاخ الاصغر. فيحقد نادان على خاله ويظمر له العداء ويدير خطة للايقاع به. اذ قام بدس خطابين موقعين باسمه الاول موجه الى ملك الفرس والثاني الى فرعون مصر يظهر فيها أحيقار في كليهما خائنا لوطنه وملكه اذ يطلب من الملكين المجى الى اشور لكي يتسلما المملكة بدون حرب ويقع الخطابان في يدي الملك وفق الخطة المرسومة ويزور نادان خطابا ثالثا موجها من قبل الملك الى أحيقار يطلب اليه ان يجمع العساكر ويحضر في موقع معين . فيطيع أحيقار وتثبت التهمة عليه ويتأكد الملك هكذا من خيانته فيصدر امرا بالقبض عليه وقطع رأسه. وتشاء الصدف ان يكون أحيقار قد أنقذ سابقا الرجل المؤكل اليه امر اعدامه فيدبر هو وامراة أحيقار امر نجاته وينفذ الحكم باحد المحكوم عليه بالاعدام بينما يخبى أحيقار في مخبا لا يعلم به احد.

تمر السنون ونادان مكان خاله مستشارا للملك. لكنه غير متزن وضعيف الرأي فيستغل ملك مصر - وكان فرعونها اذ ذاك ترهاتا من الاسرة الخامسة والعشرين التي كان ملوكها من الحبشة - الفرصة لاحراج ملك اشور ، فيبعث اليه مخبرا يخيره بين امرين اما ان يرسل من يبنى له قصرا في الهواء ويرد على اسئلته فتدفع له مصر الجزية ثلاث سنوات او يعجز عن ذلك فيدفع الجزية لمصر . واذ يجمع ملك اشور العلماء والحكماء والعرافين ويعرض الامر عليهم... يقر الجميع بعجزهم ونادان أشد عجزا منهم فيغتم الملك غما شديدا ويأسف على قتل أحيقار الحكيم. ويطول حزنه حتى يمثل السياف بين يديه ويصرخ بأنه قد أبقى على حياة أحيقار اعترافا له بالجميل فيستدعيه الملك ويعرض عليه رسالة ملك مصر - فيعد أحيقار نسرين كبيرين وغلامين وشريطين طويلين من القطن طول كل منهما الف ذراع ويربط النسرين بالشريطيين ويدرب الغلامين فيعترف لاحيقار بالنصر وينفذ احيقار ذلك بنجاح وتستمر الالغاز بين فرعون وأحيقار والاخير ظافر . فيعود أحيقار الى بلاده معززا مكرما مثقلا بالهدايا ويجرى له استقبال حافل وكأنه منقذ البلاد ؟؟

وينتقم أحيقار من نادان فيربطه بسلسلة حديد ويلقيه في مكان مظلم ويؤنبه بكلام بحكمة قاسية وتقول القصة ان نادان انتفخ حتى أنفجر ميتا .

وهذه الاقوال الى نادان ابن اخته:

- يا بني لقد كنت لي كمن رشق حجر الى السماء ولكن الحجر لم يصل الى السماء انما بعمله هذا يكون قد اخطأ الى الله .

- يا بني كنت لي مثل رأى رفيقه يرتجف من البرد فأخذ قربه ماء بارد وصبها عليه .

- يا بني اردتك ان تخلفني فترث بيتي وثروتي ولكن لم يرق ذلك الله ولم يسمع صوتك .

- كنت لي يا بني كالاسد الذي صادف حمارا في الصباح الباكر فقال له اهلا بسيدي فقال له الحمار ليت سلامك هذا يعطي لمن ربطني مساء فلم يحكم ربطي فلم اكن ارى وجهك .

- يا بني لقد كنت لي كأسد ربط الى جانب الثور فألتفت الاسد ومزقه .

- يا بني لقد كنت لي كعصفور لم يستطع ان ينجي بنفسه من الموت وصوته غرر بأصحابه .

- يا بني لقد كنت لي كالكلب الذي دخل الى فرن الخزاف ليتدفأ وبعد ان دفىء نهض لينبح على الخزافيين .

- يا بني ان اصبعي على فمك وأصبعك على عيني فهل ربيتك ايها الثعلب لتكون عيناك ناظرتين الى التفاح .

- يا بني لقد كنت لي كالشجرة التي قالت لقاطعيها لو لم يكن بأيديكم مني ( مقبض الفأس ) لما هاجمتموني .

- يا بني لقد كنت لي كالحية التي ركبت عوسجا وطرحت في النهر فرأها ذئب وقال لهما شر ركب شرا وشر من كليهما يقودها قالت له الحية لو جئت الى هنا لحسبت حساب المعزي وبنيها.

- انا يا بني لقد اطعمتك اشهى الطعام وانت اطعمتني خبزا معفرا بالتراب ولم اشبع .

- انا يا بني دهنتك بالطيوب المعطرة واما انت فعفرت بالتراب جسمي .

- يا بني انا رفعت كالبرج وكنت اقول اذا هاجمني عدوي أصعد وأتحض فيك وانت اذ رايت عدوي انحنيت له .

- يا بني قيل للذئب لم تسير وراء الغنم ؟؟ قال ان غبارها مفيد ودواء لعيني . وأدخلوه ( الذئب ) المدرسة فقال المعلم الف باء قال الذئب الجدي والحمل.

- يا بني قد وضعوا رأس حمار في طبق على المائدة فتدحرج وسقط على التراب فقالو انه غضب على نفسه لانه لا يستحق الكرامة .

- انك يا بني أكدت صدق المثل القائل ابنك هو الذي ولدته انت وأبنك ليس الذي اشتريته سمه عبدك .

- يا بني لقد صدق المثل القائل تأبط ابن اختك وأضرب به الحائط ولكن الذي ابقاني حيا سيقضي بيننا .

- فمن يضع خيرا يلق خيرا ومن يضع شرا يلق شرا ومن يحفر حفرة لاخيه فانه سيملؤها بقامته . ولله المجد والحمد علينا رحمته امين

المصادر :

حكيم من نينوى واثره في الاداب العالمية القديمة - تأليف سهيل قاشا.