ذكرى الاعلان العالمي لحقوق الانسان

 

                     

 

                              

                                               

                                

                                                                                                               

                                                  الياس صادق

 

      حقوق الانسان تعني الاعتراف بكرامة الاسرة البشرية والحقوق المتساوية على أساس الحرية والعدل والسلام في العالم وعدم تناسي هذه الحقوق اوالاستهانة بها بإتيان اعمال همجية آذت وتؤذي الضمير الانساني. 

 

    ان الذكرى الرابعة والستون للاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي صادقت عليه الامم المتحدة في العاشر من كانون الاول عام 1948 هي ثمرة طويلة خاضته البشرية وقواها الخيرة من اجل الحقوق الطبيعية للبشر والمشاركة في العمل والتعليم والتعبير، والمشاركة في الحياة العامة والعيش الكريم دون قهر لحقوقه،وان يؤكد حقوق الشعوب في تقرير مصيرها واختيار نظامها السياسي وعدم التدخل في الشأن الداخلي للدول واحترام سيادتها واستقلالها واحترام كرامة الفرد وتعزيز الحقوق المتساوية للرجال والنساء لتحقيق الرقي الاجتماعي ورفع مستوى الحياة في جو من الحرية  وملاحقة مرتكبي الجرائم الدولية والاقتصاص منهم وإنصاف الضحايا.

 

      ان الاعلان العالمي لحقوق الانسان واحد من اهم الانجازات الامم المتحدة وتتباهى في مواده الثلاثين،ورغم ان البرجوازية الصاعدة خاضت معركتها ضد الاقطاع في اوربا تحت شعارات العدالة الاخوة والمساواة التي تلتقي مع بعض الحقوق المثبتة في هذا الاعلان،الا ان انتصارها لم يمنعها من طي هذه الشعارات في بلداتها او نسيانها كليا في الحروب التي شنتها ضد الشعوب الفقيرة في اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية،ان الاعلان العالمي لحقوق الانسان لم يتحول الى صيغة قابلة للتطبيق الا بعد اندحار الفاشية وحصول نوع من التوازن بين الرأسمالية من جهة والاشتراكية من جهة اخرى توجت بأنشاء الامم المتحدة 1945 وبأقرار الاعلان العالمي لحقوق الانسان 1948 وقد صمد التوازن بضع عقود بفضل نضالات وتضحيات الشعوب المحبة للسلام والمنظمات الناشطة في مجال حقوق الانسان فاقروا العديد من العهود الدولية والمعاهدات التي اتاحت للافراد والشعوب فرص ثمينة لعرض مضالمها على المجتمع الدولي وتجنب البشرية بالكوارث، وان الذكرى الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي يصادف في العاشر من كانون الاول عام 1948 ستكون مليئة بالاحتفالات والافراح في اغلب دول العالم التي تبنوا الديمقراطية وحقوق الانسان مبدأ اساسيا في مجتمعهم ويسعون جاهدا من اجل تقديم الرفاهية والعيش الكريم والاخوة والمساواة والعدالة وعدم التمييز بين مواطنيهم..

 

       اما في الدول الشرق الاوسط الذي نرى كل يوم القتل وسفك الدماء والاوضاع اللامستقرة كالوضع في(سوريا-مصر- لبنان-فلسطين-افغانستان) وبسبب كثرة الاعمال الارهابية وسياسات القمع والاعتقالات العشوائي والصراعات السياسية وانتهاكات في مجال حقوق الانسان وحرياتهم الاساسية فقد اصبحت ابسط حقوقهم منتهكة وغائبة لذا من الواضح ستكون هذه الذكرى بعيدة كل البعد عن هذه الدول..اما في العراق فقد كانت دوامة العنف مستمرة حيث ادى الى سقوط العديد من الجرحى والشهداء الابرياء المساكين بدون اي ذنب تذكر،وشهدت كذلك غياب المرجعية القانونية في اغلب مؤسساتها وتهميش الطرف الاخر،كذلك الاعتقالات التعسفية واحتجاز المواطنين بدون اعلان عن ذلك،مما ادى الى تغيب لمبدأ(المتهم برئ حتى تثبت ادانته)وعدم تمثيلهم امام المحاكم بصورة عادلة وهذا انتهاك واضح وصريح لابسط مفاهيم الديمقراطية وحقوق الانسان...

 

    ان الصراع السياسي الموجود بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم بسبب ارسال بغداد قوات عسكرية الى المناطق المتنازع عليها قد اثير من حفيظة الاكراد والقلق الواضح على الشارع العراقي من هذا الوضع وخوفهم من ان ينفجر فتيل العنف والقتل بين العراقيين،الا ان الوضع الامنى تحسن قليلا وان ظاهرة التعصب الديني والقومي باقية ونتعرض كل يوم نحن الاقليات القومية الصغيرة والطوائف والاديان للاذى والقتل والتهجير والتهديد في اماكن ومحلات عملهم وان العراق يعد من اكثر البلدان في العالم التي يستهدف فيها الاقليات الدينية.

 

    نعم فكان من الواجب على الحكومة توفير الحماية اللازمة للاقليات التي تعاني من الاضطهاد واحترام خصوصيتهم وحماية ممتلكاتهم وايجاد خطة شاملة لمعالجة معاناة شعبنا المسيحي من الانتهاكات والتمييز الذي الحق بهم،الا انن نرى عكس ذلك فالحكومة عاجزة عن توفير الحماية اللازمة لنا،حيث التجاوزات على اراضينا وقرانا تزايدت وهجرة ابناء شعبنا المسيحي ازدادت والسبب في ذلك تعود الى فقدان الثقة بالمستقبل والتهديدات والمجازر والقتل المستمر التي تطال ابناء شعبنا المسيحي وعدم الكشف عن المجرمين وتقديمهم الى العدالة وتصاعد واضح من المتشددين الدينيين وعدم قبول الاخر..

 

      نرى اليوم اننا كأمة حية صاحبة أرض ما بين النهرين أحفاد أشور وبابل بأيدينا ودمائنا بنينا هذا الوطن منذ الالاف السنين عشنا على ارضه بحب وسلام ولكن نؤسف اليوم اننا نرى أنفسنا غرباء في هذا الوطن وليس لدينا مكان للعيش فيه،بسبب الغبن الذي يلحق بامتنا الاشورية بعدم منح حقوقنا القومية والسياسية للتمثيل في المؤسسات الحكومية كما حدث لنا قبل شهور باستبعادنا من المقعد التاسع في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات..

 

  والسؤال الذي يطرح نفسه والموجه الى السياسيبن واصحاب السلطة السياسية في العراق؟

 

      أين السلطة الحاكمة...من المجازر والقتل المستمر والتهجير التي تطال ابناء شعبنا المسيحي وعدم الكشف عن المجرمين وتقديمهم للعدالة القضائية؟ والى متى يستمر المعاناة والظلم والقهر الذي يلحق بأبناء شعبنا؟ الى متى سنكون مهمشين ومستبعدين على مستوى السياسة في العراق من عدم تمثيل شعبنا المسيحي في اللجان الحكومية وفي وزارة الدولة؟ الا يحق ان يكون لنا ممثلين في العملية السياسية للمساهمة في بناء بلدنا ورسم مستقبل امتنا؟ اين هي الحكومة من التغييرات الديمغرافية وسلب أراضينا وقرانا واعتداء على خصوصيتنا المسيحية في مناطق تواجدنا؟ واين موقف الحكومة من ان يكون اصحاب الدار غرباء وضيوف في الدار واحتسابنا القومية الرابعة او الخامسة في العراق(حسب علمنا من القانونيين والخبراء في القانون الدستوري ان الحقوق لا تقاس بالعدد).. يا ترى هل اصبح المسيحيين عبئا ثقيلا على المجتمع العراقي؟

 

    انا استغرب فعلا...لماذا يسكت العالم كله عن هذه المجازر والقتل المتعمد لابناء شعبنا..(كنائسنا دمرت..مطارننا قتلت..بيوتنا تركت..محلاتنا حرقت..أبنائنا هجرت..حقوقنا سلبت..عوائلنا شردت..والاعتداء على خصوصيتنا ومصادرة اراضينا وقرانا)..فأين هي المنظمات المعنية بالحقوق الانسان والاتحاد الاوربي وامريكا من هذه المجازر؟ الم يستدعي هذه المجازر الوقوف لانتقاد الحكومة من عدم توفير الحماية الدينية اللازمة للاقليات،وان الاقليات ما تزال تعاني من الاضطهاد وعدم التعاطي مع حقوقهم  ..ألم يكفي هذه المجازر وابراز موقف واضح وصريح من الحكومة وان تتحمل كل مسؤلياتها التأريخية تجاه معاناة شعبنا الاشوري وايجاد خطة شاملة ومدروسة وفورية لمعالجة كافة اشكال الظلم والتهجير..

 

     نعم عاش شعبنا في هذا الوطن منذ سبعة الالاف سنة  وناضل طويلا على مر العصور من اجل اثبات حقوقه القومية والدينية ولا ننسى دور احزابنا القومية وخاصة(الحركة الديمقراطية الاشورية) التي هي طليعة واوائل احزابنا التي قدمت الشهداء والتضحيات من اجل حقوق شعبنا وايصال قضيتنا الى المحافل الاقليمية والدولية وبدورها وجهودها وصلت التعليم السرياني الى هذه المرحلة بالنجاح وهي في نضال مستمر من اجل اكتساب حقوقنا وان يتوقف العنف ضد شعبنا الاشوري...وفي الختام نرجو من الله ان تكون ذكرى الاعلان العالمي لحقوق الانسان المضى قدما باتجاه تخلص العالم من بؤر الارهاب والتوترات والنزاعات وان يتمتع شعبنا العراقي بالامن والاستقرار والحرية والعيش الكريم أسوة بالشعوب العالم..