ألسلالة البابلية الاخيرة ( الكلدانيــة )

 

                                                                                                                

 

 

 

 

                                             

    يعكوب ابونا                        

 

 

 

              كان الملك الاشوري اسرحدون ابن سنحاريب –681-669 ق . م  متحمسا للسياسة التقليدية الاشورية في توحيد وادي الرافدين في دولة واحدة ، الا انه اوصى بعرش اشور لولده الاوسط اشور بانيبال واعطى لبابل اسم يضاهي اسم نينوى عندما اوصى لابنه الاكبر شمش شموكين بعرش بابل ، هذا يظهرمدى اهمية بابل ومكانتها عند الاشوريين ، التي كانت تعتبرالعاصمة الجنوبية للامبراطورية الاشورية ، هذه المكانه وهذه الاهمية أغرت المتولي على عرشها ان ينافس بها الجالس على عرش نينوى هذا الشعور ادى الى الصراع مع اخيه الجالس على عرش نينوى ، اذ تقول حياة ابراهيم في كتابها نبوخذنصر الثاني في ص 40 ، دخل الاخوان في نزاع تجسم اخيرا في ربط شمش شموكين نفسه بحركة الاستقلال البابلية ومن ثم اعلان الثورة على اخيه ، الا انه لم يحقق مطامعه فقد انتهى به الامر ان لقى حتفه حرقا في العاصمة بابل عام 648 ق . م  ، لذلك عين اشوربانيبال حاكما اشوريا على بابل يدعى ( كندلانو ) ويذكر سميث في كتابه اشوربانيبال ص 323 بان هناك من يعتقد بان كندلانو هو نفسه اشور بانيبال حيث كان يحكم بهذا الاسم بابل... يزيد هذا الاعتقاد بان هذا الحاكم لم يقدم اي شئ او يعمل اي شئ في بابل ، واذا لاحظنا تاريخ وفاته هو نفس تاريخ وفاة اشوربانيبال في خريف 627 قبل الميلاد ، اما جورج رو - تاريخ العراق القديم ص52  يقول بان كندلاتو هو الاخر اعلن عصيانه ،  بمعنى ان هذه الشخصية لديه كانت موجوده وليست شخصية صورية لااشوربانيبال في بابل .....اما هنري ساغس في كتابه جبروت اشور الذي كان يقول ص 168، استمرت الاضطرابات القبلية في جنوب بابل وكان الحكم الاشوري فيها يتم من خلال مليك غامض الهوية يدعى ( كاندالانو ) ولايمثل اكثر من مجرد واجهة خارجية لسلطة اشوربانيبال كحاكم صوري ..

تذكر حياة ابراهيم ص 41 من كتابها نبوخذنصر الثاني ، كان اشوربانيبال قد عين ( بيل ابني ) الكلدي حاكما ارض البحر جنوب بلاد الرافدين ، واستمر حتى في عهد الملك الاشوري ( اشور- أطل - ايلاني ) ولكن بعد وفاة بيل ابني عين ( نبو ابلا صر) حاكما على ارض البحر من قبل سن- شار-اوشكن الابن الاصغر لاشور بانيبال ،  ويذكر جورج رو المصدر السابق بان ( نبو - أبال – اسر ) نبوبلاسر هوارامي من قبيلة الكالدو ، ويسميه  دكتور عيد مرعي في كتابه تاريخ بلاد الرافدين ص 125 بانه كان زعيم القبائل الكلدانية  ، اقوى الجماعات الارامية في بلاد الرافدين ، ولكن ما تنقله الدكتورة حياة ابراهيم في الصفحة اعلاه تقول يذكر بيدينوس وكذلك يوزبيوس نقلا عن بيروسس ، عندما سمع سن – شار – اوشكن  ان هناك حشد كبير من البرابرة قد اتوا من البحر(المقصود بهولاء البرارة القادمين من البحر المعنيين هنا كانوا مجموعة من الكلديين والاراميين ) ارسل نبوبلاصر حاكم ارض البحر ضد هولاء البرابرة (اي لمحاربتهم وقمع حركتهم ) ،، هذا يؤكد بان نبوبلاصر لم يكن ينتمي الى هذه القبائل التي كلف بمحاربتها والوقوف ضدها ، ولكن بموت كندلانو خلى عرش بابل ولم يتم تعين حاكم جديد لها ...

كانت الوفاة المعلن لااشور بانيبال في خريف 627 ق .م ولكن موته كانت قبل ذلك يقول البعض مستندين الى ان الحوليات الاشورية لاشوربانيبال تنقطع عنه منذ 639 قبل الميلاد بعد اخر معركة مع العيلاميين التي كانت فاصله فاجتاح ارض عيلام وسلب عاصمتهم سوسه ورد مع الغنائم املاك وبضائع وذهب وفضة تعود الى مدن سومر واكد وبابل كان ملوك عيلام قد سلبوها في الغزوات السبعة التي كانوا قد شنوها على تلك المدن .. بعد الحل النهائي لمشكلةعيلام كما يقول هنري ساغس ص 170 المصدرالسابق تصبح مخطوطات اشوربانيبال شحيحه قد تكون ناتجه عن صدف في الاكتشافات الاثرية ...... او قد لايستبعد ان يكون ذلك بسبب مرضه او اصبح مقعدا لدرجة عجزه عن القيام باي دور او مهام ، اوان ابنه ( اشور تل ايلاني ) قد استاثربالسلطه والحكم قبل وفاة والده المعلنه ، يدل هذا قيام ابنه بعملية سحق عصيان مضاد له قبل ان يظفر بالعرش ، بدون ان يشارة الى اي دور لوالده  الملك اشوربانيبال في هذا العملية ....

استغل بنوبلاصرمنصبه كحاكم لارض البحر ويذكرهنري ساغس عنه ص 174 المصدر السابق بانه ( هو وريث مردوخ بلادان من - حيث الطموحات - ، ولربما من حيث النسب العائلي ، مع انه لايوجد تاكيدات على ذلك ) ، بعد ان وجد نبوبلاصرالفرصة سانحه له بسبب تدهور اوضاع الاقسام الجنوبية في العراق وضعف الحكومة المركزية في الشمال يقول جورج رو المصدر اعلاه بان نبوبلاصر وخلال سنه من قيادة  حرب العصابات ضد الاشوريين ، ويذكر د- عيد المصدر السابق بانه نهب اوروك بمساعدت عيلامية وللتاييد الذي حصله في الجنوب استطاع ان يعلن نفسه ملكا على المناطق التي كان الاشوريين قد عينوه عليها حاكما ب ( ملك بلاد البحر ) ، ولقد خاضه اكثر من معركة مع الجيش الاشوري وقد استطاع محاصرت مدينة نفر ذات الاهمية الكبير لدى الاشوريين الا انها لم تسقط بيده ، مما اضطر معه الى التحرك الى المناطق الاخرى فاستطاع السيطرة على اكثرمدن بلاد اكد وسومر ، وفي نص من سبار مؤرخ في 22 ايلول 626 ق . م يذكر بان المدينة اعترفت به ملكا عليها وكان ذلك قبل شهر واحد من تنصيبه ملكا على بابل فاعتلى عرش بابل التي كانت اصلا بدون حاكم يديرشؤونها لانه بعد وفاة حاكمها كندلانو لم يتم تعين حاكم بديل له عليها ، استطاع نبوبلاصر دخولها في 23 تشرين الثاني من عام 626 قبل الميلاد واعتلى عرشها فيعتبر بذلك مؤسس لسلالة بابل الحادى عشرالاخيرة ، والتي يطلق عليها المملكة البابلية الحديثة وكذلك  تسمى المملكة الكلدانية ..

استطاع نبو بلاصر ان يحقق النجاح ويتحول من حاكم تابع للحكم الاشوري على بلاد البحر الى ملك يعتلي عرش بابل . ومع ذلك نجد بان الفترة المتدة من 623- 616 قبل الميلاد خاليه من اي نشاط عسكري قام به نبوبلاصرسوى محاوله قام بها عام 616 ق.م الهجوم على اشور العاصمة القديمة للامبراطورية الاشورية التي كانت مركزا دينيا مبجلا ، غيرانه اجبر على الفرار منها والتراجع الى بابل ، ولكنه في عام 614 قبل الميلاد يظهرعند الاطلال المحروقه لمدينة اشور ( شرقاط ) بعد الخراب التي منيت به على يد الميديين ليعقد نبوبلاصر مع الملك الميدي ( كي اخسار ) الذي يسميه البعض ( كياكسيريس ) تحالفا واتفاقا للصداقة والسلام ، عززهذا التحالف كما يقول ( برحوشا ) المؤرخ البابلي بزواج نبوخذنصر ابن نبوبلاصر من ابنة كي اخسار ( اميتس ) ...

لو نظرنا الى هذا الاتفاق وما نتج عنه لاحقا لايمكن اعتباره وفق اي من المعاييرالوطنية اوالشرعية اوالقانونية او الاخلاقية الا انه كان اول اتفاق خيانـــــــــة  يتم في بلاد الرافدين بين حاكم وطني وهو نبوبلاصر وحاكم اجنبي وهو كي اخسارحاكم الميديين والهدف والغرض لها الاتفاق الدنيئ كان للنيل من الحكم الوطني الاشوري ، فيظهربان الخيانه والاستقواء بالاجنبي طريق عرفه اسلاف بعض من يدعون انهم خلفائهم ، فلا يستبعد من هولاء ان يسيرون بنفس الدرب ....

 كانت نتيجة هذا التحالف ان توجهت قوات التحالف الميدي والبابلي عام 612 قبل الميلاد الى العاصمة نينوى وبعد ثلاث اشهر من الحصار سقطت نينوى وتعرضت الى النهب والسلب والدمار ، انسحب قسم من الاشوريين والعسكريين بقيادة اشور اوباليط الثاني الى مدينة حاران التي كانت معقلا اشوريا  ونصبوا اشور او باليط الثاني ملكا عليهم وهو من العائلة المالكه ، ولكن مدينه حاران سقطت هي الاخرى عام 609 قبل الميلاد بيد البابليين والميديين رغم مناصرت ومساعدت الجيش المصري الذي ارسله فرعون مصر ( نيخو الثاني) الى حران ، ولم يعرف مصير اشورباليط الثاني بعد ذلك ..

بهذا السقوط  انتهت الامبراطورية الاشورية العظيمه التي كانت كما يقول جورج رو في ص505 المصدر السابق هوى وبشكل ماساوى المارد العملاق الذي جعل العالم يرتعب هلعا منه طيلة ثلاثة قرون  ....

 اما المنتصرين بابل وميديا الت اليهم كنوز وثروات وخزائن وارث الامبراطورية الاشورية ، ويذكر د-عيد مرعى ص 126 المصدرالسابق ، قسمتا ارث الامبراطورية الاشورية بينهما ، فسيطرالميدين على بلاد اشورالاصلية وشكل المجريان الاعلى والاوسط لنهر دجله حدودها الغربية ، اما بابل فقد شملت بنفوذها جنوب بلاد الرافدين ووسطها وعيلام ووادي الفرات كله واعالي بلاد الرافدين غرب دجله ....

 هذا التقسيم الجغرافي لارث الامبراطورية الاشورية وما ال اليه يؤكد بان شمال العراق الحالي كان من حصة الميديين ويعزز هذا خلوشمال العراق لاي وجود لحكم السلالة البابلية الكلدانية لابل خلو المنطقة عموما لاي وجود  كلداني اصلا لا على المستوى الرسمي كحكام او امراء او سلطة والا ليقولوا لنا من هو ذلك الحاكم وما هو اسمه الذي حكم المدينة الفلانية في شمال العراق لتكن قرينه على تواجدهم ووجودهم في مدننا وقرانا ، كما لاوجود لهم على المستوى الاجتماعي اوالشعبي لهذه القبائل الكلدانية او افراد منها انتقلت الى الشمال بعد انتصار الجنوب على الشمال اواستوطنت فيه ، لذلك يعجز اي من المدعيين بكلدانيته القول بانتمائه لاي من القبائل الكلدانية المذكوره في تاريخ بلاد الرافدين ، ان كان قبل الانتصار وسقوط الدوله الاشورية ، او حتى انتماء المدعيين لتلك القبائل اوالمجموعات التي اسرت على يد الملوك الاشوريين في فترات مختلفة من تاريخهم ، ليقولوا لنا الى اي من هذه القبائل ينتمون ،، لانه لا يعقل بان الانسان يجهل انتماءه لاصله لو كان له اصل وانتماء فعلا كما يدعي ، القبائل الكلدانية التي كانت في جنوب العراق معروفه باسمها ، وسناتي الى ذكرها لاحقا ...

 عجز المتكلدنيين الحالين من تقديم اي اثبات او دليل عن علاقتهم وارتباطتهم بكلدان الجنوب سوى الاشتراك بالاسم وهذا لا يدل علىالارتباط او قيام علاقة اووجدوها بين الطرفين ، ومن ناحية اخرى الذين يتبجحون بانتمائهم لاور وبابل واعتبار بابل موطن للكلدان فقط فهذا محض افتراء لايقوم دليلا على حاضرت بابل وعراقتها التي كان وجودها من زمن السومريين ان لم يكن قبل ذلك ، فهي مدينة قطنها وسكنها مجموعة كبيرة من قوميات واثنيات وشعوب سومرواكد  واموريين وحوريون واشوريين  وكيشيين وحثيين وميتانيين وغيرهم كثيرون فهي لم تكن حصرا بالكلدانيين كما يدعون بعض المغاليين في عنصريتهم  ، كما ان بغداد لم تكن يوما حصرا على ابناء تكريت وعوجه لانها حكمها احد ابنائها وهو صدام حسين من تكريت  ، الاعتقاد خلاف ذلك يعتبر جهلا وتزمتا ورياءا وافتراءا على التاريخ ودسيسه تخدم الطامعين بسهل نينوى ارض الاباء والاجداد ..

يؤكد هذا ما يذكره هنري ساغس ص 140- من كتابه جبروت اشور الذي كان ، يقول  ( ان ظهور الكلدان جنوب بابل حوالي 1000 قبل الميلاد في عام 734 ق . م قام المدعو ( توكين زير او نابو موكن زيزي ) زعيم قبيلة ( بيت امو كاني ) الكلدانية باحتلال بابل والاستلاء على عرشها ، انقسمت بلاد بابل في مسالة ولائها تجاه الاشوريين فالنسبة لسكان الدولة البابلية والقبائل غيرالكلدانية  رحبوا بقوات تغلات بلاصر الاشوري التي كانت تمثل النظام المستقر بوجه الكلدانيين المشاغبيين .. سقطت بابل وفر توكن زير جنوبا  الى الاهوار الجنوبية ، وبالتالي فان تغلات  بلاصر ( امسك بيد الاله مردوك ) في عيد راس السنة ( احتفال اكيتو ) بمدينة بابل ، فتقلد منصب ملك بابل ، ومنحت له المرتبه الكهنوتية لتغلات بلاصر بصفته ممثل الالهة وملك بابل كل الصلاحية من خلال منحه جزءا من الطعام المقدس للالهة ...) ..

اختلف المفسرون والكتاب بتفسير المعنى لكلمة ( كلداني ) او كلدان .. القواميس والمعاجم اللغوية كقاموس حسن بر بهلول وبن علي من القرن العاشر ألميلادي وقاموس مار توما أودو وأوجين منا وغيرهما من القواميس  السريانية عرفوها بانها من هم (ألعارفون بالفلك والأبراج والسحر والتنجيم ), ويذكر اودن بفن في كتابه ارض النهرين ترجمة الاب انستاس ماري الكرملي ص 50 بان كلمة الكلدان تعني ( المنجمين ) ، عزز هذا التفسيرما جاء بالعهد القديم ( التوراة  ) في سفر دانيال ألأصحاح الثاني ـ ألآية 2 – وفي السنة الثانية من ملك نبوخذنصر حلم احلاما فانزعجت روحه وطارعنه نومه ، فامرالملك بان يستدعى المجوس والسحرة والعرافون والكلدانيــــون ليخبروا الملك باحلامه  فاتوا ووقفوا امام الملك ..... فكلم الكلدانيــــون  الملك بالارامية ...( وهذا يعنى بان لغة الكلدان كانت ارامية .. وليس غيرها .. )

 من هذا يستند الغالبية على القول بان الكلدان تعنى المنجمون والعارفين بالفلك ، ولكن نتسائل هل حقا تعنى الكلمة هذا المعنى في القول فقط ؟؟ خاصة وان علمنا بان حوليات الملوك الاشوريين تتحدث عنهم بغيرذلك ، لذلك سوف نتحدث عنه في الحلقة القادمة...