مَرّيتا دمَستا

 

   

 

                                              

                                                   بدران امرايا

من موروثنا الشعبي   

   تعد مشتقات الحليب العديدة هي المصدر الرئيسي المحلي للغذاء عند أهالي القرى منذ قديم الزمان ولحد الآن, فهو يصنع إلى مواد عديدة من الجبن كَبتا , القشطة قرشتا , اللورة لوركي , الشوش دوّي , الخريوط  خَلوا , قَشكي إلى جانب المنتوج النباتي كَلالي في مطلع الربيع .

وهنا سأتطرق إلى إحدى أهم منتجات الحليب الرئيسية وهي:

    مَرَيتا دمَستا وهو مصطلح سرياني مركب معناه رَئب اللبن ومَستا فهي اسم سرياني مشتق من مَشتا بمعنى الشرب ,وربما إن الاسم اشتق من إن اللبن كان يشرب في السابق ,وهي الطريقة التقليدية لصناعة اللبن عند شعبنا الكلدواشوري السرياني ,والحليب هو المادة الخامة لهذه الصناعة المحلية ,بعد حلب الحيوانات كان الحليب يصفى من أية الشوائب , بواسطة المنخل الناعم أو الصغير ( مُخلتا زورتا ), بعدها يسخن الحليب على الموقد (كانونا) إلى درجة الغليان ( رتَختا ) أي قبل حد الطوفان (كَيَبتا ), بعدها توضع جدرية الحليب على حدا, ويترك إلى أن يبدأ بالبرود تدريجيا , ويصبح  ملائما ( قائيدا )أي بمعنى ملائم لليد  بين الحار والبارد .

    بعدها تأتي سيدة البيت وتفحص الحليب بوضع إحدى أصابعها على الأغلب السبابة فيه لتعرف هل انه ملائم لوضع ( رَيتا ) أم لا ؟ إن كان ملائم تجلب كمية من اللبن وتطرقها أو تحركها بواسطة الملعقة جيدا  ليكون اللبن خفيفا لا متقشعا .فترسم علامة الصليب عليه ثم توضع تلك البن بواسطة معلقة في ثقب يعمل وسط القشرة التي غطت أو تكونت على الحليب . ثم تحرك الحليب لكن دون أن تمزق القشرة السطحية .

    ثم يغطى الحليب بواسطة أقمشة ثخينة لكي يكون دافئا أي تهيئة البيئة المناسبة للبكتريا كي تتفاعل و تخمر الحليب وتحوله إلى مادة رائبة متقشعة تسمى اللبن ( مَستا )بعدها يترك لأربعة ساعات تقريبا . ثم يفحص إن كان مغطى بقشرة سميكة ( قرشتا ) أي القشطة,فان كل شيء على ما يرام ( مَستا ريتا ) اللبن رائب وانتهى الأمر . ثم تؤخذ قدر الحليب إلى مكان بارد وتترك هناك مع وضع المنخل عليها لأبعاد الحشرات عنها .

    بعدها تكون اللبن جاهزة للأكل فتؤخذ القشطة على حدي أو تخبط القشرة مع اللبن عندئذ تسمى (توَرتا دمَستا ) أي كسر اللبن.وما أشهى وألذ عندما يكون اللبن باردا واكله بخبز التنور الساخن عند الصباح.

     إلى جانب إن لذة اللبن تكمن في مصدر الحليب, ولون الحيوان فان كان الحيوان اسودا فان ذلك اللون يمتص الحرارة ,ويتبخر نسبة من الماء في الحليب فيكون غنيا و تكون اللبن لذيذة وثقيلة او ثخينة , وان ألذ لبن تكون من حليب الغنم , وبعدها يأتي لبن الأبقار من حيث الجودة , ثم لبن الماعز ( عزي ) والذي يتميز بالحموضة اللذيذة وسائلة بعض الشيء . والشوش المصنوع منه يكون طيبا مع أكلة الدولمة ( براخي ).

     وتصنع من اللبن مواد واكلات كثيرة كَرذو او بشالا , قَشكي , لوركي, كَبتا أو الجبن ,الدهن الحر كَرعا- كَرا , برزيتا أي تقطيع الخبر الصاج إلى قطع صغيرة ووضعها في اللبن وخبطها للأطفال الصغار .وهناك نسوة ذوات أيادي ماهرة في هذه الصنعة المحلية, ولو جَعلهنّ قدر اللبن نحو الأسفل , فلن تنزل منه ولو قطرة لكثرة تماسكها وتقشعها قشيتا وهو اللبن المفضل عند الكل.

وعلى هذه الذكرى فشعبنا يقول:

( مَستا دازي مليتا مزي , ومَستا دواني مليتا قناني )أي لبن الماعز مليء  بالشَعر , ولبن الغنم مليء بلب الجوز . وهذه شهادة للبن ,لتميز لبن الغنم عن لبن الماعز .

( مَستا مسلَمتا لقاطو ) أي اللبن المُسلم للقط . أي يضرب هذا المثل عند تسليم الشيء إلى غيرأهله , أيدي غير أمينة.

(هَل داها امرت لمستا مَجو ), أي لحد ألان تقول للبن مَجو كما يقولها الصغار, وتتكابر عليّ , يقال هذا المثل لمَن يتكابر على غيره.

وأخير سيبقى شعبنا منارا هاديا من صناعاته المحلية وابتكاراته العديدة .

 وألف تحية لكل من حاول ويحاول أن يذكرنا في مسعانا البسيط هذا ,لتوثيق وتجسيد تراثنا وموروثنا القومي الثر .