التسمية الوحدوية "الكلدانية السريانية الآشورية" وكيفية فهم الوقائع القومية السياسية

 

                                               

 

                                                 

                                                       ابرم شبيرا         

 

      بداية أود التأكيد بإن إستخدام التسمية الآشورية في هذا الموضوع والموضوع القادم الذي سأنشره لاحقاً عن يوم الشهيد الآشوري ونحن على عتبة الذكرى ألـ (80)، لا يعني إطلاقاً التقليل أو تجاهل التسميات التاريخية والحضارية لأمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية" أو كنائسنا المبجلة وإنما ضرورات البحث التاريخي والواقعي فرضت نفسها إستخدام هذه التسمية حتى لا نحيد عن الوقائع التاريخية لهذه المجموعة التي عرفت تاريخياً وقوميا وحتى سياسياً بالتسمية الآشورية. وإنها لمناسبة هنا ونحن بصدد هذا الموضوع أن نوجه رسالة إلى المتزمتين بهذه التسمية أو تلك سواء أكانت التسمية كلدانية أو سريانية أو آشورية ونقول لهم وهم أخوتي سواء أكانوا من هذه التسمية او تلك، بأن من يريد أن يهتم بشؤون ومسائل أمتنا أو يكتب عنها أو ينخرط في نشاط أحدى أحزابنا، وهي مسائل سياسية لا جدال فيها، عليه أن يترك التزمت والتذرع إلى الأصنام الحجرية من آسد بابل والثور المجنح ويفتح عينه وسيعاً ليرى ويتمعن وبموضوعية الواقع الحقيقي لأمتنا، لأن السياسة، كما سبق وأن أكدنا مراراً وتكراراً، هي الواقع بعينه وأطرناها بمقولة "الديموغرافيا على الجغرافيا" أي الشعب على الأرض وما تعنيه كلمة (على) من ممارسات على الأرض والواقع. وقلنا أيضاً بأن السياسة هي فن الممكن وهو تعبير أيضاً متصل بالواقع الحقيقي لأن الممكن ينطلق من هذا الواقع وليس من الخيال والنحيب على الماضي، فمن يستميت من أجل الماضي وينسى الواقع هو واهم وسابح في فنجان قهوة ويحاول أن يحشر القدمين في حذاء واحد، حسب المثل الصيني. إنني كأشوري أعتز بأشوريتي إيما أعتزاز لا بل وأكثر من هؤلاء المتزمتين ولكن أختلف عنهم كما يختلف عنهم أكثرية أبناء أمتي، بأنني أنظر إلى الواقع وأجده مختلف بعض الشيء عن الماضي التليد وعن إعتزازي به ولكن ... ولكن لا يتناقض إطلاقا معه بل يكمل ويعزز أعتزازي وإيماني وبالتالي أجده السبيل الأمثل والأوحد لوحدة جميع فصائل وتقسيمات أبناء أمتي. لقد علمتنا الحركة القومية الآشورية التقليدية كثير الكثير من القيم والتجارب السياسية وأوصلت إلى جيلنا رسالتها القومية ونحن بدورنا نمجدها ونثمن تضحياتها، ولكن ما يؤسف له أنها  وبأحزابها التقليدية لم يستطيعوا أن يجمعوا تحت "مظلتهم" غيرهم من أخوتنا الكلدان والسريان، وهم الأكثرية من أبناء شعبنا، ولم تخطوا خطوة واحدة نحوالوحدة المنشودة في أهدافها لأنهم تزمتوا بالتسمية الآشورية وأهملوا بقية أبناء شعبنا أو حاولوا دمجهم عنوة في بوتقتهم. وبالنسبة للكدان أو السريان المتزمتين بتسميتهم المنفردة كان وضعهم أسوء بكثير فلم يستطيعوا أن ينزلوا عتبة واحدة نحو الساحة السياسية لأنهم وقعوا في نفس الحفرة. فالتزمت بالتسمية الآشورية المفردة خلقت ردة فعل تمثلت في التزمت بالتسمية الكلدانية أو السريانية المفردة وواقعنا الحالي يشهد بما ذهبنا إليه. والأسوء من كل هذا وذاك هو عندما يرتبط التزمت بالتحزب المقيت وبالطائفية الهدامة فنتيجتها إستمرار التشرذم وترسيخ تفتت كيان الأمة الواحدة. فبالأمس فشلت أحزاب وتنظيمات المتزمتين بالتسمية المفردة في الإنتخابات العراقية لأنها كانت بعيدة عن الواقع وبالمقابل نجحت الأحزاب والتنظيمات التي تبنت التسمية الجامعة والتوحيدية "الكلدانية السريانية الآشورية" لأنها أنطلقت من الواقع ولم تتجاهله، وهذه الإنتخابات، مهما رفضناها ولم نشارك فيها فهي المعيار الوحيد والمتاح حالياً في قياس شعبية الأحزاب. إن من لا يتعض من التجارب يظل يتعثر بالحجر مرات عديدة، والمثل يقول "الجاهل هو من يتعثر بالحجر مرتين". إن الجهل المطبق قد وصل للبعض من "مثقفينا" في رفضهم لهذه التسمية الوحدوية إلى درجة أعتبارها كتسمية لقومية جديدة لا وجود لها لا في الكون ولا في السماء وأنه تشويه لأمجاد وعظمة الآشوريين أو الكلدانيين أو السريان وهو الأمر الذي يقودنا إلى درجة أن نتصور مدى جهل هؤلاء للأمور السياسية والقومية وتعمية عيونهم عن الواقع. لا أنا ولا أحد من الملتزمين بالتسمية الوحدوية يقول أن هذه التسمية هي لقومية جديدة بل هي تسمية لنفس القومية التي ننتمي إليها جميعاً لأن كلنا نملك نفس المقومات القومية من لغة وعادات وتقاليد وتاريخ.  فإذا كنت آشورياً فأبقى آشورياً وإذا كنت كلدانياً فأبقى كلدانيا وإذا كنت سريانياً فأبقى كذلك طالما لغتنا وعاداتنا وتاريخنا وأرضنا واحدة وكلنا قومية واحدة والتسمية الوحدوية "كلدان سريان آشوريين" هي التي تأطرنا وهي سبيلاً لنيل حقوقنا في الوطن. من هذا المنطلق نؤكد، وهو نفس تأكيد معظم الأحزاب والتنظيمات القومية المتبنية للتسمية الوحدوية، بان هذه التسمية هو طرح سياسي وقانوني وواقعي ليعطي مضمون واضح عن وحدة أمتنا ووحدة أهدافنا القومية وليست تسمية قومية جديدة. وقد يكون هذا الطرح غير مرضي للبعض أو سيئاً ولكن واقع الحال يقول بأنه الأسلوب الأحسن ولا وجود لأسلوب آخر يضمن وحدتنا القومية وحقوق أمتنا في الوطن. لقد كان ونستون تشرشل محقاً عندما خسر الإنتخابات البريطانية العامة بعد الحرب العالمية الثانية وقال "الديموقراطية شيء سيء ولكن لا يوجد أحسن منها"، ونحن نقول هل يوجود أسلوب آخر أحسن من طرح التسمية الوحدوية (الكلدانية السريانية الآشورية) وقادر على أو يسعى بشكل واقعي وجدي إلى تحقيق وحدتنا ويضمن حقوقنا؟ إذا كان الجواب بنعم إذن فلينزل إلى الساحة ويثبت ذلك لا أن يستمر في التغريد ليل نهار في برجه العاجي ويتغنى بأيام زمان. لقد قيل بأن من يتمسك بالأمجاد وينسى الواقع هو التخلف بعنينه.

 

      هذا الموضوع كان بالأساس مشروع كتابة بحث مطول تحت عنوان "كيف نفهم التسمية الوحدوية "الكلدنية السريانية الآشورية" ولكن أستوجب هنا أن نستل منه بعض السطور ونحن نكتب عن الواقع القومي السياسي لأمتنا وكيفية فهمه.  وتأكيداً لإعتزازي بإنتمائي الآشوري أكتب هذه السطور في أدناه، وهو مدخل لموضوع آخر عن يوم الشهيد الآشوري الذي سأنشره لاحقاٌ، ولكن في نفس الوقت أضيف إلى إعتزازي هذا أعتزاز أخي الكلداني بكلدانيته وأخي السرياني بسريانيته وبذلك إغني ثقافتي وفكري بمصادر آخرى لأمتي، ففي تعدد المصادر إغناء فكري وحضاري وفي التفرد إفقار وفشل، والواقع أثبت ذلك وبشكل قاطع.

 

==============================

      يحيـر الباحث في تاريخ الآشوريين حيرة شديدة مكتنفـة بالعديد من التساؤلات حول هذا الكم الهائل والنوع المذهل للمذابح والفواجع والمآسي والتشرد والتي لم تستطيع أن تقضي عليهم قضاءاً نهائيا وتفنيهم فناءاً أبديا طيلة تاريخهم المأساوي الممتد لقرون طويلة بحيث حتى العلم، بما فيه علوم التاريخ والاجتماع والسياسة والنفس والإنثروبولوجيا وبكل مناهجها التقليدية والحديثة، تقصر أو تتعثر في الوصول إلى استنتاجات مقنعة تؤكد حقيقة تواصل الآشوريين واجتيازهم لهذا الكم الهائل والنوع المذهل للمذابح والمآسي، وهو التعثر الذي خلق حالة من الريبة عند بعض المهتزين في استقامة الحياة وخلودها كما أفرز نوعاً من الشك عند بعض العاجزين عن فهم مضامين التاريخ الآشوري ذلك لان هذه المضامين لا تكمن حقيقتها الحقـة في سطور الوثائق والمدونات التي يتعامل العلم معها فحسب وإنما هي حقائق معنوية روحية  لا تجد لها مستودعاً إلا في مزاج أو نفسية الأمة وهو ما يعرف بـ " روح الأمــة   – Spirit of Nation " وهي العلة التي تجعل الأمور صعبة في معرفة هذه الحقيقة للذين لا ينعمون بنسائم هذه الروح. وروح الأمة هو مخزون من عقليات وأمزجة وتصورات وذكريات ومعتقدات وتجارب تكونت عبر فترات تاريخية طويلة تنعكس من خلالها شخصية الأمة وتفرز أثناء التعامل معها أو ممارستها عزم الأمة وإصرارها على المحافظة عليها واستمرارها والاستماتة من اجلها. فمن دون فهم هذه الروح أو إدراك مغزى هذه الشخصية لا يمكن دراسة تاريخها دراسة وافية مستجيبة للتساؤلات المطروحة والمحيرة للباحث التاريخي والسياسي.

 

       من هذا المنطلق، نكرر ما سبق قولنا تكراراً ومراراً ، بأن الكثير من الدراسات العلمية والأكاديمية عن تاريخ الآشوريين، رغم علميتها وموضوعيتها، فإنها افتقرت إلى الجانب الروحي والمعنوي المستجيب لمكامن نفسية الأمة الآشورية وبالتالي عجزت عن فهم الحوادث والوقائع التي جبلت بهذا الجانب الروحي فهماً صحيحاً أو تتجنب التطرق إليه وذلك بسبب طبيعته الروحية التي يعجز غير الآشوري من فهم مغزاه ومضامينه لذلك يبدو بالنسبة للبعض كهراء وعبث، لا بل وحتى كتعنت وعناد وإصرار من قبل الآشوريين، وهي نتيجة حتمية في فهم  الأمة التي لا يكتب تاريخها من قبل أبناؤها منطلقين من قاعدة كون معظم تاريخ الآشوريين مدون ومكتوب من قبل غير الآشوريين، بما تعني هذه الكلمة (غير) من نطاق واسع يشمل حتى المارقين والمناهضين والمعاديين لهم. وإذا استعرنا القاعدة المنطقية في التاريخ، والتي تقول بان التاريخ لا يكتبه إلا الأقوياء والمنتصرون أو هو تاريخ الملوك والحكام والدول والأمبراطوريات لأدركنا على الفور سبب غزارة تاريخ الآشوريين بتفاصيل دقيقة وواضحة عن عظمتهم وقوة إمبراطوريتهم قبل سقوطها لأن هم الذين كانوا يكتبون تاريخهم ويدونوه على صخور صلدة ويحفظونه للأجيال القادمة. وعلى نفس القاعدة، ولكن بشكل معكوس، نفهم سبب ضعف أو قصر أو تشويه أو قلة التفاصيل عن تاريخ الآشوريين بعد سقوط إمبراطوريتهم وزوال عوامل القوة منهم وخضوعهم لأمم وإمبراطوريات أخرى مختلفةعنهم ومن جوانب عديدة حضارية ودينية ولغوية وحتى نفسية. فالتشوهات والتحريفات في تاريخهم ما هي إلا نتيجة مباشرة من نتائج هذه القاعدة. وهكذا دواليك، حيث عاد الآشوريون مرة أخرى في الحقبة المسيحية وهم منتصرون وأقوياء  يملكون عناصر القوة التي تمثلت في قوة وعمق إيمانهم المسيحي ومن ثم بكنيستهم المشرقية بكل ما تحمله من جوانب قومية وحضارية ارتبطت بها وتوسعت مع توسعها. لهذا السبب نفهم أيضا سبب تطبع تاريخ الآشوريين في تلك المرحلة بالطابع الديني والكنسي طبقاً لمقوماتهم في امتلاك عناصر القوة الدينية والكنسية ولم تنجو من هذا الطابع الديني حتى تسميتهم القومية  (Assyrian) وأصبحت "سورايا" لها مدلول ديني - مسيحي عند الكثير. وبعد إنحسار نفوذ كنيسة المشرق وتقلص مساحتها وتناقص مؤمنيها وتحديداً في القرن الرابع عشر الميلادي بعد تحطيم تيمور خان المغولي (أطلق الآِشوريون عليه أسم تيمور لينك أو لينكا، أي تيمورالأعرج حيث كان مصاباً بالعرج بسبب سقوطه من فوق ظهر حصان في أحدى غزواته السابقة) معظم البنية التحتية الكنسية والثقافية والإجتماعية لكنيسة المشرق وإنحسار نفوذ الكنيسة ومؤمنيها في المناطق النائية والمعزولة في شمال بلاد مابين النهرين وبالتالي إفتقار الآشوريين إلى معظم إن لم يكن كل مقومات القوة كشعب له حضارة تليدة وعظيمة قادهم ذلك إلى عصور لا يمكن أن تصف إلا بالعصور المظلمة والتي خلقت أوضاع أثرت بشكل كبير على جميع مناحي الحياة فكان من نتائجها بروز معضلات وتعقيدات ومغالطات في فهم تاريخهم وكتابته بالشكل الصحيح والموضوعي والبعيد عن التخريفات والخزعبلات التي سادة العقلية الآشورية في هذه العصور المظلمة والتي أستمرت نتائجها السلبية المدمرة ووصل بعضها إلى العصور الحديثة كأفكار أو عقيدة وأعتبرالخروج عنها كفر وإلحاد.  وهكذا أستمرت هذه القاعدة وأنطبقت على كل مرحلة من مراحل تطور تاريخ الآشوريين بحيث تناسب تفاصيل كتابة هذا التاريخ تناسباً طردياً مع زيادة امتلاكهم لعناصر القوة من عدمه، وهي القاعدة التي لا تبتعد عنّا في هذه الأيام بل تنطبق علينا انطباقاً تاماً في دراسة وفهم تاريخنا القومي بكل جوانبه السياسية والدينية والاجتماعية والفكرية. واليوم واقع الحال يشهد بأن ضعفنا وإفتقارنا إلى مقومات القوة يقودنا إلى الإنحطاط الفكري وتراجع الوعي القومي نحو الإنانية والفردية والتغاضي عن الواقع والعجز عن فهمه وإستيعابه.

 

      ولكن السؤال الملح الذي يفرض نفسه وبسرعة هو : هل تكفي روح الأمة كنعصر من العناصر الروحية في قوة الآشوريين فحسب أم هناك عناصر مادية موضوعية أخرى  يمكن أن يمتلكها الآشوريون في هذا الزمان وهم أقلية صغيرة مبعثرين في زوايا الدنيا لا حول لهم ولا قوة ولا سلطان يحكمون بواسطته دولتهم أو كيانهم الخاص ؟. فعلى الفور أجيب وأقول بملء الفم بأن روح الأمة كعنصر معنوي روحي لا يستمر إلى مدى الدهر ما لم يسنده عناصر قوة مادية وموضوعية. ويمكن حصر هذه العناصر في عنصرين : الأول، العلم  بما فيه المعرفة وما تطرحه من مناهج فكرية في توسيع مدارك ووعي الفرد. وثانياً، المال بما فيه جوانبه الاستثمارية التي تخلق عوامل اقتصادية مؤثرة في مجمل الحياة وخاصة في تثبيت ركائز الأرض والوطن. فبالنسبة لهذا العامل الثاني فالآشوريون مفرغون منه تماماً لان رجال المال في المجتمع الآشوري رغم قلتهم أو اختفاؤهم فهم بعيدون عن الاهتمامات القومية  بمختلف جوانبها المتعددة السياسية وغير السياسية أكثر من بعد السماء عن الأرض والحقائق الواقعية تؤكد هذا الجزم. أما عنصر القوة الآخر المتمثل في العلم فهو العنصر القابل للامتلاك والذي استطاع الآشوريون خلال العقود الأخيرة من امتلاكه ولا يزالون مستمرون في اقتناءه، وهي ظاهرة جيدة لها مدلولات مستقبلية يمكن استثمارها وتكريسها لصالح القضية القومية ومن خلال استخدام المناهج العلمية والأكاديمية في دراسة تاريخهم وواقعهم المعاصر. ولكن مرة أخرى تعود هذه الكلمة ( لكن ) لتطرح العديد من الاستثناءات التي تتحكم في مصير الآشوريين ومنها ابتعادهم، وبشكل عام، وتحديداً المثقفين والأكاديميين والباحثين، عن تناول دراسة تاريخهم وواقعهم دراسة علمية أكاديمية قادرة على إستخلاص نتائج ومقارنات تساهم في فهم وقائع التاريخ الآشوري فهماً علمياً صحيحا ومقنعاً. وهذا لا ينفي وجود قلة من المثقفيين الآشوريين الذين يتناولون تاريخ أمتهم وكنيستهم بدراسات علمية موضوعية تكشف الحقائق الإيجابية والسلبية للمجتمع والكنيسة. ولكن حتى هؤلاء الموضوعيين والواقعيين وفي ظل ظروف يشوبها التخلف وإنحسار الفكر العلمي النقدي لمجتمعنا لا ينجون من النقد اللاذع والتهجم الشخصي والتجريح والتكفير ليصل إلى حد التخوين والتحريم.

 

      من هنا تنشأ المعضلة الآشورية في فهم التاريخ: غير الآشوريين يكتبون تاريخ الأمة الآشورية ويفسرونه وفقاً لمناهجهم الفكرية بعيدين عن روح الأمة ونفسيتها. وعلى العكس من هذا، فالآشوريون يمتلكون نفسية هذه الأمة ولكن لا يمتلكون المناهج العلمية في دراسة تاريخهم، وإن امتلكوها فهم بعيدين عنه وعن المسائل القومية. والمخرج الوحيد للخروج من هذه المعضلة يكمن في إمكانية تزاوج روح الأمة ونفسيتها مع المناهج العلمية والأكاديمية، أي في مدى إسهام الأكاديميين والباحثين الآشوريين في المسائل القومية، وهي مسألة ليست بالأمر السهل ويمكن حلها بالتبشير والوعض بين مثقفينا واكاديمينا وباحثينا بل هي مرتبطة  بجملة عوامل متعددة ومتنوعة تتمحور حول عامل تطور الوعي القومي الواقعي وليس الخيالي في المجتمع الآشوري بما يحمله هذا الوعي من نكران الذات والتضحية، ليس بالأرواح فحسب وإنما بالمقتنيات الأخرى للفرد أيضا مثل المال والوقت والمجهود العلمي والفكري وتكريسها في سبيل القضية الآشورية والإبتعاد عن الظواهر المقيتة كالتحزب والطائلفية والشللية والأنانية، وهي مسألة يطول شرحها ويستوجبها فرصة أخرى لتناولها. وما يهمنا في هذه السطور هو مدى إمكانية استخدام البحث العلمي الصحيح في تناول واقعة من وقائع تاريخ الآشوريين أو مفهوماً من المفاهيم السائدة فيه والتي أصبحت من الرموز المرتبطة بمسار تطور المجتمع الآشوري وبحركته القومية. والسابع من آب يوم الشهيد الآشوري، والذي اصبح ممارسة سنوية قومية هو من المواضيع التي يستوجب تناولها من خلال تزاوج البحث العلمي مع روح الأمة كمنهج متكامل في كيفية فهم هذا الموضوع وإدراك معنى الاستشهاد ومكانته في نفسية أو روح الأمة والعوامل التي كانت تدفع بالآشوريين إلى الاستشهاد. وهو الموضوع الذي سنتناوله في الذكرى الثمانين لمذبحة الآشوريين في سميل في السابع من آب عام 1933.

 

===================================

      وأخيراً لم يبقى إلا أن أقول للقارئ الكريم بأنه إذا كان من المؤمنين بالتسمية المفردة، سواء أكانت آشورية أو كلدانية أو سريانية، ويصل هذا الإيمان إلى درجة التزمت ورفض التسميات الأخرى أو دمجها عنوة في غيرها فأنه لا محال منه سوف يرى بأن هذا الموضوع متناقض مع ما ذكرناه أعلاه في كيفية فهم التسمية الوحدوية "الكلدانية السريانية الآشورية". أما إذا كان القارئ الكريم من المؤمنين بالتسمية الوحدوية فأنه  سوف يرى بأن هذا الموضوع في التأكيد على عوامل القوة عند الآشوريين والتركيز على التسمية الآشورية هو مكملاً تماماً ومتماشياً مع ما ذكرناه في أعلاه لأن كل تاريخ الآشوريين هو تاريخ الكلدان والسريان والعكس صحيح أيضا لأننا أمة واحدة مهما كان طرحنا ومنهجنا في التعبير عن وحدتنا القومية... فالمستقبل المنظور إليه بنظرة موضوعية علمية وواقعية كفيل بأن يوصلنا إلى اليوم الذي يتوافق تماماً مضمون وحدة قوميتنا مع شكلها ومنهجها المطروح على الساحة السياسية، وللموضوع صلة في المستقبل القريب.