الحلقة السابعة

 

ألقوش التي صعبت على أنياب الفاشست لن تخدشها مخالب شراذمها

 

                                                                                                                

 

 

                                                            

 

                                                                                               شوكت توسا                                     

 

                                                                                                                           

              نتيجة هرب الالاف من ابناء شعبنا من الموصل, أفرغت بيوتا كانت أزقة محلة المياسه عامره بساكنيها ,مما أفضى على أجواء حياتنا اليوميه غمة من الوحشة والوحدانيه  المفزعه, فقد بدأ يخالج الوالد شعورا بعدم صواب تعويله على طمأنات  أصدقائه في عدم مغادرتنا الموصل  , علما أن نشأته  وسنين عمله الطويله فيها بنت له سمعة وصداقات جديرة بمنحه الأمان , كان الوالد يشعر بحجم المعاناة التي كنا نقاسيها يوميا , الا ان مسالة باب رزقه ومعيشتنا و ثقته بنفسه وإحترام الناس  له علاوة على حبه للمدينه التي ربا وكبر فيها  فرضت عليه الصبر على الصعاب  هنيهة علـّها تفرج  .  ولكن ما كل ما يتمناه المرء مدركه , فجريان الرياح الأهوج  قلب العيش في المدينة الى جحيم  مع استحالة  بوادر اي انفراج , لذا  راح الوالد يستشير الأقرباء والأصدقاء  حول مصيرنا في المدينه , في النهايه إستقر رأيه  على التوجه الى القوش خاصة عندما بـُثت إشاعه  حول ورود اسم  شقيقه العم يلدا ضمن قائمة المستهدفين من قبل عصابات القتل بجريرة ابنه الشيوعي سعيد  الذي هرب من الموصل مبكرا .

 لم يهن على الوالد ترك الموصل بهذه السهوله , لكن من أجل عين تكرم ألف عين,حيث  رغبته في تنشئتنا وتعليمنا وضمان مستقبلنا كانت من أولويات أهدافه في الحياة , تبعه المرحوم عمي  يلدا  تاركا عمله في شركة النفط  وانتقلنا جميعا للسكن في بلدتنا الآمنه القوش بينما بطش البعثيين والقوميين  بابناء شعبنا  في الموصل يشتد مع  شدّ الزعيم الخناق على الشيوعيين في ملاحقاتهم وإعتقالهم *. أما كيف تم نقل أثاث بيتنا مسافه تبعد كيلوميتر عن راس الشارع لتحميلها في سيارة لوري علنا, فتلك  كانت مشكله نظرا لإشاعة التهديدات بعدم سماح إخراج أثاث اي عائله مسيحيه من بيتها. على اية حال جاء حل المشكله عبر مبادرة  ضابط الشرطه (شاكر محمود) رجل كردي مهني ليس له علاقه باي حزب وهو احد زبائن و أصدقاء الوالد,حيث أوعز لإثنين من معتمديه لمراقبة عملية نقل الاثاث عن بعد  , وقبل اتمام تحميل الآثاث من قبل بعض الاصدقاء , رافقنا ( الصبيان والوالده )احد معارفنا الى سيارة تاكسي اجره جاءت من القوش لنقلنا . في القوش , بين ظهراني أهلنا و مدارسها و جمال بيادرها وطبيعتها , شهدنا تحولا لم نعهده  في  وضع مدينة الموصل الذي تدهور بعد مغادرتنا, حيث اصبح يقصد القوش حتى غير الألقوشين  بسبب  تزايد حملات الملاحقات والقتل . في 8 شباط 1963, يوم الشؤم الذي فيه وقع الفاس بالراس بسبب تراخي الزعيم مع الانقلابيين  وتهاونه اللاعقلاني في تلبية مطلب الجماهيربتسليحهم لمقاومة الانقلابيين  مدعيا بان الانقلاب مجرد زوبعه  فنجان  يمكن معالجتها  دون إشعال حرب اهليه وسفك دماء,إلا ان الكارثه وقعت و توشح  فيهاالمحبون لوطنهم بالسواد حزنا على  ضياع فرصتهم ومقتل الزعيم وضباطه وخوفا من المجهول القادم  . القوش التي  عــُدّت إحدى قلاع المؤازرين لثورة 14 تموز بشيوعييها ووطنييها , سادها هاجس الخوف مما سيحل بها على أيدي  المتعجرفين, تأكدت المخاوف بعد تيقن الناس بان  مؤامرة الظلاميين أفلحت في خطف زمام السلطة  بفعالية أدخلت العراق في نفق مظلم  ومستقبل مجهول . بدعم من مصر وسوريا  بسط الظلاميون نفوذ سلطتهم , ثم باشروا فورا في تنظيم حملات الإنتقام الشعواء بدأوها في القوش على ايدي ميلشياتهم  المسماة بالحرس القومي الذي ضم في صفوفه كل حاقد وناقم على الشيوعيين والوطنيين المحبين للحرية والديمقراطيه , فقد  إمتلأت السجون  بطلبة ومعلمي ومثقفي ألقوش وفلاحيها وعمالها نتيجة الحملات التي لم  يمر أسبوع إلا و فرق  الحرس القومي  مدعومة بالجحوش والمرتزقته (الجتا) تداهم البلده  في ساعات مبكره وتفرض طوق حولها  ليتسنى  لها مباغتة المدارس والدوائر وإعتقال حتى الذين هم دون الثامنة عشر. كانت الإعتداءات واعتقالات الشباب  تتكرر اكثر من مره  خلال الأسبوع , لكن يوم الثلاثاء فاق في شؤمه بقية ايام الاسبوع , ففي كل ثلاثاء  كانت عيون الناس تراقب بتوجس شارع القوش المؤدي الى الموصل متوقعين  شن  حملة  إستكمال  أفراغ البلدة من شبابها وطلبة الصفوف المتقدمة في ثانوية القوش  واعتقال غالبية معلمي ومدرسي  مدارس البلدة. لقد عرف عن المرحوم الأستاذ  أدور حراق مدرس مادة الإجتماعيات في ثانوية القوش انه غالبا ما  كان يقضي وقت فراغه يتمشى فوق سطح المدرسه وعينه على الشارع المؤدي للموصل , وعندما  يرى رتلا اكثر من ثلاث سيارات قادما من الموصل  يرسل الفراش  بحذر لإبلاغ الطلبه  البالغين بوجوب الهروب من صفوفهم,و سبب حذر الاستاذ ادور كان من  كاتب المدرسه المدعو عدنان, شخص قومي عروبي حمل الضغينة والحقد لأهالي القوش , لم يسلم أحدا بجلده من قبضة اؤلئك السفاحين الا الذي كان يلجأ  الى الجبل لينضم الى صفوف الذين سبقوه . في 30 حزيران  عام 1963 ,يوم النحس الذي زاد من آلام البلدة  وجروحها , في هذا اليوم  داهمت بلدتنا  الحزينه  قوة كبيرة يقودها العقيد السفاح خليل جاسم  مع  مجاميع من الحرس القومي مدعومه  بقوة جحوش معاويه اليزيدي (چتا),  مارست هذه القوه  أبشع  الجرائم وحشية, من مداهمات البيوت والإعتداء بالضرب والتحرش بالنساء , فقد تم إقتياد عشرات الرجال من منازلهم من ضمنهم المرحوم والدي الى ساحة مركز الشرطه(قشله) لينهالوا عليهم بالكيبلات والعصي الغليظه , ولولا رشقة الرصاص التي أطلقتها مجموعة المناضل الشهيد توما توماس  من قمة الجبل المطله على ساحة القشله لما كفّ الجلاوزة عن جريمتهم  , حيث أربكتهم الرشقه وبثت فيهم الرعب ليولوا هاربين تاركين  البلده تئن  وهي تعالج أصابات الاباء المسنين  في حين كانت سجون التعذيب تعج  بأبنائهم , هكذا كان  يتعامل البعثيون والظلاميون  مع ابناء شعبنا !! فليقرأ شراذم الفاشست !!!!  وليعلم العروبي الذي يتخذ من الكلدانيه عباءة له ليدافع عن أسياده القتله   بأن وصف ضحايا الكلدان  بأشباه الرجال  هو ديدن ناكري أصلهم وشعبهم ليس الا  !!!!  لقد تركت هزيمة 30 حزيران خيبة مهينه  في نفسية العقيد السفاح خليل الذي ظل يتحين الفرص للإنتقام من المنطقة برمتها, لذا عاود في السابع من تموز 1963 شن هجومه الوحشي على  القوش وجبلها الأشم  مدعوما من قبل لصوص الجحوش  (الجتا)  , إستشهد في هذا الهجوم  الشهيدين بطرس هرمز جركو و كوريال أوراها بسبب خطأ  احد رفاقهم  الذي ادى الى محاصرتهما واستشهادهما بعد نفاذ الذخيره , والجدير ذكره هنا هو ان وحشية الجلاوزه  وحقد جحوشهم الاعمى  تجلـّت بوضوح عندما  ربطوا جثتي الشهيدين بقطع من  بقايا ملابسهما وسحلوها من قمة راس الجبل الى  داخل البلدة وتركوها على قارعة الشارع الذي يتوسط بلدة القوش , كما كانت مجموعه  اخرىمن مرتزقة الجحوش في نفس اليوم  قد إرتكبت جريمة شنيعه اخرىفي قتل الشهيد كريم يلدا أرمنايا في ضواحي البلدة  الغربيه عندما تعذر عليه الهروب والالتحاق برفاقه فوقع اسيرا بيدهم .

ملاحظه:  رغم اني أحاول  جهد الإمكان شحذ عصارة ذاكرتي في إستذكار الأحداث المهمه , ستسرني كثيرا اي رساله  تذكيريه بما قد يفوتني من  تفاصيل مهمه حدثت في القوش  لان تحديث الذاكره بعد نصف قرن مضى أمر يقبل السهو احيانا ,  المهم هو إثراء حلقاتنا و تنشيط الذاكره  والتحذير من هزازي ذيولهم.

 الهامش:

  *بعد أحداث الشواف  واضطراب الاوضاع , عمدت سلطات الحكومه  الى إعتقال  كل من :

بطرس شنكو , ميخائيل ججو, حنا قديشا , متي اسطيفان , شمعون ملك يكو على خلفية انهم شيوعيون , ظلوا في السجن الى انقلاب شباط حيث اسرع الانقلابيون الى إعدامهم دون اية محاكمات .

يتبع في الحلقة الثامنه