لقاء مع كاتب قصص الاطفال الدكتور شفيق مهدي:

 

                                                   

 

                                                             

                     

                                                              

                                                                 فالنتينا يوآرش

               

 

 

     امنيتي ان ارى مؤلفي "معاجم معاني اسماء وكنى والقاب الحيوان وما يتعلق به" مطبوعا، لانه اضافة جديدة للمعاجم العربية، كما قال العلامة الاستاذ الدكتور داوود سلوم، امنيتي ايضا ان يطبع كتابي "الف حكاية وحكاية للاطفال"، لانه سيدخل العراق في "موسوعة جينس للارقام القياسية".

 

ولد في الكوت وأثرت فيه طبيعتها الساحرة بدأ وهو صغيرا بقراءة قصص الاطفال العالمية كبساط الريح وعلي بابا والاربعين حرامي وتركت هذه القصص والروايات بداخله حلم سعى الى تحقيقه وهو كتابه قصص للاطفال ونقل الاجواء الساحرة التي عاشها لتك القصص... انه المبدع الدكتور شفيق مهدي، بهرا التقته وكانت لها جوله عبر اجواء من الابداع والخيال والسحر في هذا اللقاء الممتع .

 

- بداية حدثنا عن طفولتك ونشاتك.. ومالذي اثر فيك لتكون كاتبا للاطفال؟

 

* ولدت في مدينة الكوت في 29/5/1946 وسميت "شفيقا" نسبة الى المولدة التي ولدتني في مستشفى الكوت، واسمها "شفيقة".

 

ولدت وانا ابن ثمانية اشهر غير كامل النمو، صغير الحجم جدا وكان المعتقد ان ابن الثمانية اشهر لا يعيش، ويبدو ان "كسرت" هذا المعتقد الشعبي، فعشت، وتجاوزت طولي مئة وثمانين سنتمترا، ولا شك ان لطبيعة الكوت الساحرة الجميلة، اثرت في حبي للطبيعة وكتابتي عنها، بنحو واضح.

 

فالكوت شبه جزيرة يحيطها دجلة الخالد، من ثلاثة نواحي، فضلا عن البساتين التي تشتهر بها الكوت، ومنها بستان "الحاج حسن" الذي كنا نسمع عنه اساطير كثيرة، فهو موطن الخنازير البرية المتوحشة، والطناطل والسحالي، فكنا لا نجرؤ على الاقتراب منها، فقد كانت "بستان الحاج حسن" من المحرمات والممنوعات.

 

لكننا اكتشفنا انها على الضد من ذلك، عندما كنا نذهب للدراسة فيها، وبنحو خاص في امتحان نصف السنة، فنشم شذى القداح، الذي يذهب عقولنا، ويجعلنا "ندوخ" ونترنح.

 

كنا ندرس في هذه البستان، ايام امتحانات رأس السنة، الجو فيها ابرد من الجو العام، فالنخيل واشجار الفاكهة، والريح الهابة من دجلة، تلطف الحرارة على نحو كبير.

 

بساتين النخيل، ودجلة ونوارسها، وزرازيرها، ورائحة او زفرة سمك دجلة، ولوبياء الشواطيء، و"الجزيرة الوسطية لدجلة، وخرير ماء سدة الكوت الشهيدة، وحديقة "المتصرف" وحكايات امي الشعبية، التي هي كنز لا ينتهي من الحكايات، وغير ذلك قد اثر علي تأثيرا كبيرا.

 

في الليل، صيفا، كنت انام في السطح مع العائلة، كنت اراقب النجوم المتلآلئة، ومن شدة حبي لها، وتعلقي بها، انني كنت اظن انني المسها، واتحدث معها، ومع صديقي القمر والغيوم، لذلك اعد العشرات من القصص ابطالها القمر والنجوم والغيوم.

 

وفي المقدمة، بدأت اتعلق بما نقرأ او نسمع عن السندباد البحري، ونظارات الدب ابي فهد، وليلى والذئب، وقطر الندى والاقزام السبعة، وسندريلا، وواحدة بواحدة ياسيدي الثعلب، والعنزة العنيدة، وبساط الريح، والمصباح السحري، وعلي بابا والاربعين حرامي، سباق السلحفاة والارنب، والبطات والسلحفاة وغيرها.

 

هذه الحكايات الشهيرة العالمية والمحلية فضلا عن حكايات الف ليلة وليلة.

 

قد اثرت تأثيرا كبيرا حتى انني مثلا كتبت عن "ليلى والذئب" اكثر من خمسين قصة، ولكن لا واحدة منها تشبه القصة الحقيقية.

 

ولا يمكن ان انسى القصص التقليدية العالمية: روبنسن كروز، طرزان، جزيرة الكنز، جليفر، الكونت دي مونتت كريستو، حكايات الاخوين جريم، مجلة سندباد وسمير وميكي، وكنت اقرأ هذه الروائع وغيرها بالعربية، ومن ثم بدأت اقرأ مجلات الاطفال الانجليزية التي كنت اشتريها اثناء قدومي الى بغداد، من مكتبة النصر في شارع الرشيد.

 

لاشك ان لمثل هذه القراءات تأثير كبير على اتجاهي، ومع ذلك، لم أتاثر او اقلد اية واحدة منها جمعت هذه الحكايات، وضعتها في ذهني، فكنت احلق في اجوائها، فاخرج بقصصه جديدة.

 

- متى تكتب؟ هل لك ساعة معينة للكتابة؟ وهل تنتظر "الوحي" اي وحي الكتابة، كما يقال؟ هل تنتظر جنيتك حتى تكتب؟

* الوحي وجنية الشعر وساعة الكتابة، ولحظة التهيؤ والاستعداد، وغير ذلك من المسميات، لا وجود لها عندي، ابدا ولا اؤمن بها ابدا، اني اراها اعذارا واهية، وخدعا معللة!

 

انا جنية نفسي ووحيها وساعة كتابتها، ولحظة استعدادها وتهيؤها!

 

حتى اريد ان اكتب، اكتب، في اية لحظة وفي اي جو وفي اية حال نفسية، ومشاعر وغير ذلك.

 

ولو طلبت مني الان ان اكتب، فناوليني ورقة وقلما وسأكتب! بلا عائق ولا تلكؤ.

 

- هذا اعتزاز كبير بالنفس؟

 

* سمه ماشئت! لكن هذا حقيقي! يمكنك ان تسألي من شئت من مبدعي ادب الاطفال عن ذلك، وستفاجئين انهم سيجيبونك نعم، واكثر!.

 

اسألي عبد الرزاق المطلبي وعبد الرحيم ياسر وصلاح محمد علي، مثلا، صلاح محمد علي كتب مرة عني يقول: شفيق مهدي: كاتب في مئة كاتب!

 

* عملت في نقابة الاطفال منذ اكثر من اربعين سنة.. كيف كانت، وكيف صارت؟

 

- "مجلتي" الحبيبة التي رعيتني ورعيتها ومن ثم شقيقتها المزمار.

 

لم يمض على صدور مجلة مجلتي سوى اشهر حتى بدأت انشر فيها اول مانشر في قصة مصورة هي "البطتان والسلحفاة" لصديقي الفنان ضياء الحجار، وفي المزمار نشرت في اول قصة مصورة، وهي "صياد"، وقد رسمها صديقي الفنان عبد الرحيم ياسر.

 

بذل رعيل "رئاسة تحرير مجلتي والمزمار" الاول جهودا كبيرة جدا حتى استطاعوا ان يجعلوا منهما مدرسة رائدة كبرى، هذا كان في زمن رئيس التحرير الاستاذ "ابراهيم السعيد" وعندما صار الاستاذ الدكتور مالك المطلبي رئيسا للتحرير سعى الى ان ينعش مكتبة الطفل فأصدر مجموعة كبيرة من الكتب وقد سعى الى تطوير مطبوعات رئاسة تحرير مجلتي والمزمار على نحو رائع.

 

الا ان العصر الماسي الذي عاشته "دار ثقافة الاطفال" كان في عصر الاستاذة الكبيرة "امل الشرقي" فقد بلغت مطبوعات الدار ذروتها في التألق والابداع.

 

- ويبدو ان ذلك العصر الماسي والتألق والابداع لم يستمر؟

 

* نعم.. لم يستمر ذلك فبعد ان كان يصدر عن الدار مطبوعات يوميا وبملايين النسخ صارت المطبوعات وبنحو خاص مجلتي والمزمار ترجع برزمها، بعد اطلاق "ظاهرة صدام حسين" كما سماها الحاكم المقبور فقد صارت المطبوعات من الغلاف الى الغلاف يمجدانه وبنحو خاص بعد الحرب العراقية الايرانية.

 

- والان بعد الخلاص من الطاغية، ونحن نعيش عصر الديمقراطية والحرية؟

 

* صحيح اننا صرنا نكتب الان ملئ حريتنا، ولكن الفرق ان النظام السابق، كان يعنى بادب الطفل عناية كبيرة، وبنحو خاص ماديا، اما الان فان العناية بثقافة الاطفال تكاد ان تكون معدومة تماما، لقد كتبت في ذلك مرارا وتكرارا ولكن لم يسمعني احد! ستقرض "دار ثقافة الاطفال"، ان ظل هذا الاهمال لها.

 

كانت دار ثقافة الاطفال هي الابرز عربيا بل ان بعض الدول الاوربية قد اتصلت بنا لشراء حقوق طبع بعض الكتب، من ذلك "دار لافابين" الفرنسية، التي طلبت شراء حقوق كتاب "الطاقة الشمسية" اما الان، فقد آلت حال ودار ثقافة الاطفال الى ما لا تحسد عليه، ابتعاد الكتاب والفنانين وغيرهم عنها وعدم ظهور جيل جديد، لقلة التخصيصات المالية.

- هل يعني هذا انت في حال يائسة من مستقبل ثقافة الاطفال في العراق؟

 

* في مثل هذه الظروف نعم.. ولكن يمكن انعاشها لو رعتها الدولة ماديا ومعنويا.

 

- هل يختلف ادب الاطفال عن غيره من الاداب؟ واين تكمن صعوبته؟

 

* يختلف ادب الاطفال عن غيره من الاداب، بسبب اختلاف مستوى وعمر وتوجه المتلقي، في ادب الاطفال المتلقي هو الطفل، ومفردات الطفل مقيدة ومحدودة، لذا ينبغي ان يخاطب وفق مفرداته ولا مانع ان اضفنا له مفردات قليلة جديدة، يفهمها من سياق القصة او الموضوع، ولا افضل الشرح في هذه الحالة فهو اذن ادب غير سهل يوجب عليك ان تعيش المخاطب، بأرائه ولغته ومقدار فهمه وتلقيه ما ستكتبه اليه، هنا تكمن الصعوبة.

 

- كيف يمكن توجيه الطفل في مختلف مراحله للقراءة ونحن نعيش عصر الفضائيات التي خصصت قنوات كثيرة للاطفال؟

* غزتنا الفضائيات، وانتشرت في كل بيت، وازعجنا، مشاهدوها من اطفالنا بمشاهدتها من "فتيات القوة" الى "بن تن" وغيرها من مسلسلات العنف التي ينشد اليها اطفالنا! انها مسلسلات البطولة الفردية والقتل والدمار وغير ذلك.

في الوقت ذاته تعرض بعض الفضائيات "السنافر" و "ميكي ماوس" و "السندباد"، يمكن اذن تسخير هذه الفضائيات لعرض الرسوم المتحركة الهادفة.

 

ومع كل هذا الغزو الفضائي، فأن الطفل يمكن ان يقرأ، هناك فضائيات تصدر مجلات لبرامجها وابطال مسلسلاتها مثل "سبيستون" نحن يمكن ان ننتج كتبا مصورة ذات كلمات قليلة، او حتى خالية من اية كلمة برسوم جميلة ملونة ونقدمها لفلذات اكبادنا، ويمكن ان نرسم لهم الصور التي يحبونها، المهم ان نجعلهم اولا يقبلون "صداقة الكتاب" فان صار صديقهم، فلا اظن انهم سيفارقونه.

 

- لعب الاطفال النارية والاسلحة منتشرة في الاسواق وباسعار رمزية، اليس هذا جزءا من ثقافة العنف؟

 

* نعم، بل وجزء من الارهاب علينا ان نمنع تداولها، وقد سمعت كثيرا عبر الاذاعة المرئية والصحف والمجلات انه قد تقرر منعها ولكن لم نر ذلك واقعيا فهي ماتزال تباع.

- كلمة اخيرة لقراء جريدة "بهرا"..

 

* اقول يا انستي العزيزة "فالنتينا" انني سعدت لهذا اللقاء، الذي بحت به ببعض ما يجول في خاطري، لبيت طلبك، واجرينا هذا اللقاء، اذ انني لا اميل الى اللقاءات التلفازية والصفية.. انا الذي اشكرك، فقد جعلتني ان انفس عن شيء من دواخلي.

 

- سؤال اخير لو سمحت... ماهي امنيتك؟

 

- امنيتي ان ارى مخطوطاتي التي لم تطبع بعد، ان تطبع، وبنحو خاص "معاجم معاني اسماء وصفات وكنى والقاب الحيوان وما يتعلق به" فهو اضافة جديدة للمعاجم العربية، كما قال عنه الاستاذ العلامة الدكتور داود سلوم، ويقع في نحو خمس مائة والف صفحة و "الف حكاية وحكاية للاطفال" وهو كتاب سيدخل العراق الغالي "في موسوعة جينس للارقام القياسية، اذ انه الكتاب الوحيد في العالم، في هذا النوع، وقد وعد الاستاذ الفاضل "فوزي الاتروشي" بذلك، بعد اللقاء المثمر الذي جرى بيني وبينه، بعد ان تشرفت بلقائه. واكرمني غاية الاكرام.