اكيتو... يوما قوميا لامتنا ووطنيا لبلاد الرافدين

 

 

 

                                               

                                                نبيل ياقو خنانو

            

 

             يطل علينا نيسان ببهائه ويبدا اول ايامه بمناسبة قومية ووطنية عراقية بامتياز نستذكر فيها مسيرات الفرح في بابل ، ومسيرة الاحتفالات في شارع الموكب تحت بوابة عشتار... انه عيد (أكيتو) رأس السنة البابلية – الآشورية ليحط هذه المرة عند العام 6762 أ...أهم المناسبات القومية لشعبنا (الكلداني السرياني الآشوري) وعلى مدى اثني عشر يوماً في طقوس ومراسم مهيبة احتفاء بتجدد الطبيعة ايذانا بحياة جديدة وعام جديد .. عيد أكيتو الذي يُعد أقدم الأعياد القومية والدينية والوطنية في العراق القديم او مايسمى بلادا مبين النهرين او بلاد الرافدين. وهو يعبر عن حزن الطبيعة بموت كل الاشياء النامية وفي عين الوقت يعبر عن فرحة الطبيعة وعودة الحياة الى هذه الاشياء واضيف الى هذا العيد تمجيد الإله مردوخ فيحتفل بهذا المقام الجديد من الألوهة ودرجته.. ليتحول الى رمز الخصوبة والتجدد والنماء وانبعاث الحياة.

انه يوم يجتمع أبناء العراق فيه على مائدة تاريخ وحضارة الرافدين العريقة التي بناها أجدادهم العظام بعد الطوفان العظيم لما يحمله من مدلولات تاريخية وحضارية وتراثية تؤكد على أصالة شعبنا على أرض النهرين الخالدة، كذلك هو استحضار لاجدادنا القدامى في بابل وآشور، تلك الامبراطوريتين العظيمتين الخالدتين على صفحات التاريخ العراقي..

فعلى الرغم من كل الظروف الصعبة، تنشد الأغاني والأهازيج ويتلون ابناء شعبنا نساءا ورجالا شيبا وشبابا واطفالا بالملابس الفلكلورية لإحياء اكيتو وللتواصل بين الماضي والحاضر، وترتسم على وجوههم ابتسامات السرور بهذا اليوم الذي يمثل قيما حضارية وامتدادات حيوية لرابطة الدم والثقافة بين ابناء الشعب الواحد من مختلف طوائف شعبنا ..

 اعياد اكيتو رسالة موجهة لمؤسسات شعبنا وتنظيماته السياسية باهمية الوحدة وبهذا الاحساس الراسخ في اذهان ابناء القومية الواحدة، وتحذير لكل من يريد استغلال المناسبة لاملاءات فارغة لا تخدم توجهاته ورغباته وتطلعاته المشروعة في الحياة والبقاء في الوطن، وعيش الوحدة حتى في ارجاء المعمورة المحتضنة ابنائنا اينما كانو في بلاد الاغتراب. فأكيتو هو الشريان الحيوي الذي يربط الجذور الاولى في أرض الرافدين بالمحتفلين اينما كانو.. فاختلاف المكان لايمنع الاواصر القوية والتلاحم لابناء الدم الواحد كونه جسر يختصر العصور ويربط المكان بالزمان والانسان الرافديني  .

يعتبر عيد اكيتو ارث حضاري ويحتوي على عمق انساني يرمز الى النمو والخلود والازدهار والخصب والتكاثر ،. حيث كان فكر الديني لحضارات بين النهرين تظهر الحياة بصورة ثلاثية الابعاد متحمورة حول يتمحور حولها - الطبيعة و الآلهة و الإنسان- .. مع الايمان بوجود قوى  ( الخير والشر.) والشعائر و الطقوس الاحتفالية بهذه المناسبة ترتبط ارتباطا كبيرا بالطبيعة و الآلهة و الإنسان معاً ، وترافقها حقائق - الموت والحياة الإنبعاث – كونها حقائق انسانية واقعية و خاصة في علاقات الحب و الزواج عند الآلهة و من خلال تأليه الملوك و هبوط الآلهة الى العالم السفلي حيث يعيش الإنسان حتى تاتي ساعة الخلاص لانبعاث الارواح وخلود الانسان الرافديني.

وهذا اليوم ( اكيتو )مرتبط بقصة اسطورية بحسب الميثلوجيا الرافدينية العراقية ( السومرية - الاشورية -البابلية ). تتلخص في قصة عشتار وتموز، تبدأ بحوار بين الالهة عشتار واخيها الاله اوتو حيث تفصح عشتار عن حبها لفلاح ورغبتها بالزواج منه إلا ان اخاها ينصحها بالزواج من راع اسمه ( تموزي )  وبعد ان تلتقي به تميل اليه وتود الزواج منه ومن ثم يتقدم لخطبتها من امها (منكال) وهكذا يتم الزواج بين إله الحب عشتار والراعي تموز ليصبح إلاها للخصب وكنتيجة لهذا الزواج يعم سطح الارض الخصب وينمو ويتكاثر كل مخلوق حي على وجه الارض.

كانت الالهة عشتار دائمة الهبوط الى العالم السفلي عالم الاموات الذي تحكمه اختها - آلاش تيكال - إلا انها حينما تعلم بمقدم اختها تغضب كثيرا وتجعل حراس الابواب السبعة ينزعون قطعة من ملابسها لدى عبورها كل باب حتى تمثل اما اختها عارية وتنظر اليها نظرة الموت فتسقط على الارض جثة هامدة .. وعندما يسمع رسولها (كش كال) بذلك ينتظر ثلاثة ايام ومن ثم يقصد الإله (إيا) ويطلب منه انقاذ عشتار فيخلق الاله (إيا) مخلوقا جميلا او شابا اسمه (آشو شنمار) ويرسله الى العالم السفلي ليغري (آلاش تيكال) وتقع بحبه ويشترط عليها اطلاق سراحها، فتوافق وتخرج عشتار وبطريقها تمر وتلقاه في حالة حزن وفشل بسبب سجنها بالعالم السفلي وحين تصل الى قصر زوجها تموز تغضب علىه  لانها تراه بحالة مجون وطرب وتنظر اليه نظرة موت فيسقط على الارض وتأمر الارواح الشريرة بالقائه في العالم السفلي..تقوم (كشتن انا)  بالتوسل لعشتار ان تنقذه من الموت – هي ايضا قد ندمت وحزنت على زوجها - فتطلب من الآلهة ليبعث تموز من الموت...

فتستمر القصة بمفاجاة.. مجلس الآلهة قرر ان يمنح تموز الخلود لمدة ستة اشهر ومن ثم ينزل الى عالم الاموات في الستة اشهر التالية اما الستة اشهر الاولى التي يخرج فيها الى الارض تبدأ بـ الاول من نيسان... وبأنبعاث تموز في هذا اليوم يبدأ الشهر الاول من السنة وهو شهر الربيع وتكتسي سطح الارض بحلة خضراء وتفتح الزهور وتكون بداية حياة جديدة على الارض... وبعد نهاية الاشهر الستة يعود تموز الى العالم السفلي مرة اخرى.

حقا انها قصة اسطورية رائعة تفسر فيها سبب النماء واكنساء الورد والخضار ارض الرافدين، وعودة النمو بعد شتاء يسوده اليبس والاصفرار لكل شيء على اليابسة.. وهذا دليل على ثراء الذاكرة الدينية الرافدينية وتقديسها للحياة والالم والالهة ومدى تداخل الحياة الالهية بالحياة الانسانية.. وهذا مايقسر ارتباط الطقوس بالارض كون الاماكن هي جزء من القصص الاسطورية ومدى تعلق ذلك بالمكان والزمان بالنسبة لحياة الانسان والالهة الرافدينية وقدسيتها وقدرتها على تغيير الامور والاوضاع..

لقد ارتبطت الاعياد عند شعوب الشرق والغرب واستندت على اساطيرأو حوادث تاريخية مهمة كتولي أحد الملوك للعرش او عمل قام به أو بداية لتقويم قديم او بناء مدينة او حدوث معجزة وغيرها من الامور الاخرى، والامثلة متعددة وماثلة امامنا لطقوس الشعوب واحتفالاتها براس السنة الخاصة بها، وتميزاكيتو عن كل الاعياد التي احتفي بها في بلاد ما بين النهرين والتي سكنت العديد من الاقوام والاديان بصفته رمزاً عظيماً و تعبيراً عن الفكر الإجتماعي و السياسي و الديني الرافديني للعراق القديم.

بهذا العيد لنا تمنيات وهي:

-   ان يكون فرصة للوحدة الوطنية كونه مناسبة عراقية بامتياز من خلال مشاركة كل القوميات والاطياف العراقية بهذه المناسبة.. وبالاخص المطالبة بجعله يوما وطنيا وعطلة رسمية من خلال اقراره دستوريا عبر البرلمان العراقي وعن طريق احزابنا وممثلينا في البرلمان وايضا برلمان اقليم كوردستان العراق, لاقامة الاحتفالات الرسمية والمعارض الفنية والمسرحيات وغيرها من الانشطة وبمختلف محافظات العراق وتحديدا في بابل والموصل وبغداد وكوردستان العراق.

-   ان يكون فرصة لرفع شعار المطالبة باستحداث محافظة خاصة بشعبنا الى جانب المكونات الاخرى في سهل نينوى.

-   ان يكون فرصة للمطالبة بحقوقنا المشروعة وعدم تهميشنا في الوطن واعطاء اهمية لهويتنا القومية الى جانب هويتنا المسيحية كوننا السكان الاصليين لبلاد الرافدين.

-    فرصة للمشاركة الواسعة من قبل ابناء شعبنا بهذه المشاركة لما له من اثر بالغ في نفوس الاخرين ، وان لا تقتصر الشماركة فقط على ابناء شعبنا في داخل الوطن انما على من هم خارج العراق ان يشاركو بفعلية كبيرة لاعطاء صورة مشرقة لشعبنا عن طريق الحضور الجماهيري الكبير والمشاركة الحقيقية في المسيرة السنوية التي تقام سنويا في دهوك.

-  التمسك بالاحتفال بهذا اليوم كل عام تقديرا لحضارة امتنا الخالدة عبر العصور،وفرصة لبث الوعي القومي و تقوية الاواصر المصيرية بين ابناء الأمة الواحدة والتي يحاول البعض شطرها وتسميتها بحسب اهوائه وتطلعاته الشخصية المقيتة.

نتمنى ختاما ان يعم الخير والسلام ربوع العراق.. وان تنعم امتنا بالخير والوئام والطمئنينة.. ولتكون سنة 6762 الاشورية البابلية سنة وحدة وفرح وسلام...

 وكل عام وشعبنا وامتنا بالف خير