سارتر وفلسفة الوجود الانساني

 

                                            

 

 

                                                                     

                                                           بشار سامي يشوع

               تدين الفلسفة الوجودية على مختلف انواعها واشكالها لعبقرية الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر الذي جعل فلسفته وافكارة تجري كالماء الدافق.فمفهوم الوجودية هو وجود الانسان والاشياء من حولة . وهنا تنبثق فكرة الاختلاف بين وجود الانسان عن سائر الاشياء من حولة. فما حولة يبقى موجودات لا تزيد عن ذلك .اما الانسان فانة يتناول وجودة بعقلة ويدة فيصوغ نفسة وكيانة ويستخرج جوهرة وماهية . فيولد الانسان ويحيا لسنين طوال يكون فيهل ثابتا ومتغيرآ في ان واحد . ثابتا لانة معروف منذ اليوم الاول  من عمرة كانسان موجود لا اكثر , ولكن وبعد عدة سنين نجد  انة قد تجوهر فظهرت ماهية واصبحت لة دلالة وجودية كانسان غني ,فقير,فيلسوف, جاهل,معلم , طبيب , محام , الخ ... وهذا هو الجوهر او الماهيه بعد الوجود , فيري الفيلسوف جان بول سارتر ان الوجود الانساني بالنسبة للكون مثل ثقب في جدار.

فالعجلة مثلا عندما صنعت كان لها ماهية وجوهر محدد  سابق لوجودها  .اي ان هناك اشتراطات ومواصفات محددة يجب ان تكون علية العجلة قبل صنعها وهذه المواصفات وجوهر الاستخدام هي الماهيه السابقة لوجودها .اما الانسان فغير ذلك تماما حسب فلسفة سارتر .فليس هناك ماهيه محدده لة سابقة لوجودة ,وانما هو الذي يحدد ماهية وجوهرة ,فالوجود سابق للماهيه. فهذة الفكرة قدمها في الاصل (كانت) قبل الوجوديين غير انه يرى ان كل ماهيه وخاصه الانسانية هي ماهيه محددة سلفآ.

اما الفلسفة الوجودية فتعترض على هذا التحديد تحت مفهوم الحرية.فالفرد هو الذي يحدد ماهيته بمحض حريتة . وهذا هو الفرق  الجوهري بين (كانت) والوجودية.

وبحسب فلسفة سارتر ان الوجود مشروع من اجل الماهيه والجوهر,فالانسان يحاول دائما ان يحقق ذاته عن طريق تحقيق امكانياتة .فالوجود حريه بمعنى ان الانسان يعيش دوما في موقف وجودي وهو الذي يحدد موقفه بالاختيار الحر.ويعتقد سارتر انه بين الانسان وبين تحقيق ذاته مسافة لايصل اليها ابدآ حتى يصل الى الموت . فالعدم داخل في نسيج الوجود ,والوجود الانساني مهدد بالسقوط في العدم في كل لحظه وهنا يقول الفيلسوف (ميرلو بونتي) "اننا مثل برتقالات خضراء الزمن انضجها للقطاف وكذلك الزمن انضجنا للموت".

فاللوجودية اذن فلسفات وليس فلسفة واحدة تجعل من الوجود سابق على الماهيه .فهناك الفلسفات السابقة منذ (افلاطون) حتى( هيجل )والتي لا تختلف في الجوهر عن فلسفة (ديكارت)  الذي اثبت الوجود نتيجة لاثبات الماهيه فمقولتة الشهيره"انا افكر اذا انا موجود" تقدم الفكر اي الماهيه والجوهر على الوجود ,فحين يصل الانسان الى مستوى التفكير والتخطيط والابداع فانه بذلك اثبت وجوده .

 

 

اعطت الوجوديه السارتريه الانسان بصوره خاصة حرية الاختيار  في عاداتة وتقاليده وتخطيط حياته واختيار نهجه ومشروعه  والوسط الثقافي والاجتماعي الذي يفضل ان يكون فيه .  ومن اجل تحديد ماهيته وجوهره  يقول سارتر" يجب ان نجعل الاختيار للاخلاق مثل صياغة تحفة فنية ...يصف الوجوديون الرجل الجبان بانة مسؤل عن جبنه , وهو ليس جبان لان له نظاما فسيولوجيا معينآ  ,وانما هو جبان لانه بنى نفسه على هذه الصوره باعماله ...الجبان  قد صاغ نفسه بالجبن والبطل قد صاغ نفسة بالبطوله". فالجبن والبطوله هما ماهية وجوهر وجود انساني سابق وثابت تحددت تباعآ على اساس مفهوم الحرية والاختيار الذي يسلكه الفرد في حياته.  

وهنا تتعارض فلسفة سارتر مع ما يقولة دستوفسكي "اذا لم يكن الله موجودآ كل شي يجوز , اي ان الانسان عندئذ يصبح مجرما ,يرتكب  ما يشاء من الجرائم كما تمليها عليه شهواته" 

ويرد  سارتر بقوله "  لا ,انما الانسان حر لانه مسؤل , وهذه الشهوات لا تقود الانسان , انما الانسان هو الذي يقودها ,وهو مسؤل عن التصرف بها"

   توكد الفلسفة السارتريه للوجود على تجدد الوجود الانساني, اذ ليس للانسان بنظره ماهيه ثابته  بل هو الذي يصوغ ماهيته فهي ليست محددة سلفآ . وهنا يظهر التوافق بين فلسفة سارتر وما يقدمه (نيتشه)  عن الوجوديه .حيث يقول الاخير ان الانسان في محاولة دائمة لا تعرف الاستقرار ,فهو لا يرضى بشئ ولا يقف عند حد . والانسان بمفهومه هو الحيوان الذي لم يثبت بعد والذي لم يصنف او يحدد نوعة ,لان فيه شيء اساسي ناقص وهذا النقص هو ما يعلي من قدر الانسان  على الدوام .فهذا النقص او عدم تحديد الماهية مسبقآ هو مصدر  حرية الانسان وهو الذي يمكنه  من تجديد ذاته وخلقها على الدوام.