(الافتراء)

 

                                                                                         

 

 

 

                                                                                                    

مارتن بني                      

         

الكثير من الأقاويل بدأت تنتشر في زمننا هذا؛ والكثير من التهم باتت تُوجه وتُلفّق لعديد من الناس الأبرياء من دون ما سبب. والافتراء احدى هذه الظواهر التي باتت منتشرة جداً في عصرنا، والتي لا بد من توخي الحذر منها، وتجنبها قدر ما نستطيع. لذلك سنتحدّث هنا عن كلمة (الافتراء)، فنبحث عن معناها اللغوي واشتقاقاتها، ومدلولاتها في حياتنا اليومية، وعن استخدامها في مجتمعاتنا، وكيفية معالجة هذه الظاهرة المتفشية بشكل كبير.

الافتراء: كما نراها في مشتقاتها اللغوية قد أتت من (الفري) بمعنى القطع، وفَرِيّ: شخص مختَلِقٌ كاذب، وافترى على: أي سعى بغيره وتعرَّض لكرامته وشرفه كَذِباً وبُهتاناً.أمّا اذا تحدّثنا عن الافتراء في مدلولاتنا اليومية، فلا مجال لعد وحصر المعاني التي تدل على الافتراء في مجتمعاتنا. لنَعُد أدراجنا ونسبر أغوارنا ونحاول أن نُبيّن كيف نستخدم كلمة "الافتراء" من دون أن نشعر بها أو نعرف معناها. فنبدأ اولاً بتعريف الافتراء: الإفتراءنستطيع التعريف به بأنه إسناد قول أو فعل سيء لشخص لم يقم به بقصد التشويه به حسداًوغيرةلما وصل إليه في محاولة للنيل منه. ونتيجة لهذه الغيرة والحسد اللذان يتملكان المفتري يقوم بالحديث عن الآخرين بالسوء والطعن بهم جهراً وخفية.

 ظاهرة متفشيّة سيطرت على قلوبنا وعقولنا، فبتنا لا نعرف بماذا نتحدّث ونتكلّم إلا بالافتراء على الآخرين، واتهامهم بأشياء لا شأن لهم بها ولا علم. وكم من صديق يفتري على صديقه من أجل ان يُظهر نفسه أمام الناس انه الأفضل من صديقه، أو من أجل مصلحة ما، أو من أجل مكسب أو منصب معيّن؟ وهذا يقود الى الكذب على الدّوام واختلاق الأقاويل التي لا تمت بصلة لا الحقيقة ولا إلى الواقع. وصار الانترنت والموبايل في وقتنا الحاضر من أسهل الوسائل وأبسطها للقيام بأمور كهذه؛ فبضغطة زر واحدت تُرسل آلاف الرسائل التي تلفّق تهماً على الناس وتشوّه سمعتهم. فكم من مجلس هنا وهناك يخلو من الحديث عن الآخرين بالسوء والكذب؟ وكم من صحيفة أو ورقة لا يوجد عليها من يُتّهم زوراً؟ وكم من أبٍ وأمّ لا يربّون اطفالهم على الافتراء والكذب؟!!!

فلماذا أيّها الانسان تكذب وتتهم من كان لك رفيقاً وصديقاً ومخلصاً ؟!فلنفكّر نحن بنو البشر بحياتنا ومعنى وجودنا؛ فهل المنصب الاجتماعي او المكسب المادي يستحق أن تفتري على من رافقك طوال عمرك؟ وليس الرفيق والصديق فقط، بل أي انسان كان فهو أخيك في الانسانية التي تجمعكم في كل زمان ومكان وتحت خيمة واحدة. إن الافتراء لهو أقوى من رصاصة تخترق القلوب، ومن صخرة تهشّم الأجساد.

فلنتأمل ملياً يا اخوتي بأنه ليس لنا مصلحة في الافتراء، لأن ضميرنا وأخلاقنا وما نؤمن به لا يسمحون لنا بأن نبغض اخوتنا، ولنحاول من هنا أن نُصلح مجتمعنا الذي أخذ يبتهج حينما يُلحق الشرّ بمن حوله. ولكن يبقى الخير وتبقى المحبة التي أوصانا بها السيد المسيح "له المجد" بقوله: أحبّوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم أنا"(يو 13: 34) هي فوق كل اعتبار، متجاوزة البغض والمقت وجالسة على عروش القلوب التي تعرف قيمة الانسان وتحترمها.