الموقع الرسمي للحركة الديمقراطية الاشورية (زوعا).. the official website of Assyrian Democratic Movement- Zowaa

 

 

رسالة قداسة البطريرك مار اغناطيوس زكا الاول عيواص بمناسبة عيد الميلاد

 

 

 

 

زوعا. اورغ- متابعات : اهدي البركة الرسولية والأدعية الخيرية إلى إخوتنا الأجلاء: صاحب الغبطة مار باسيليوس توماس الأول مفريان الهند، وأصحاب النيافة المطارنة الجزيل وقارهم، وحضرات أبنائنا الروحيين نواب الأبرشيات والخوارنة والرهبان والقسوس والراهبات والشمامسة الموقّرين والشماسات الفاضلات، ولفيف أفراد شعبنا السرياني الأرثوذكسي المكرّمين، شملتهم العناية الربّانية بشفاعة السيدة العذراء مريم والدة الإله ومار بطرس هامة الرسل وسائر الشهداء والقديسين، آمين.

بعد تفقد خواطركم العزيزة نقول:

جاء في تأملات صاحب المزامير: «انتظر الربَّ، ليتشدَّد وليتشجَّع قلبك وانتظر الرب»(مز27: 4)

أحبائي، لا نجدُ في هذه الظروف الحالكة التي نمرّ بها، أفضل من كلمات الكتاب المقدس، لتعطينا التعزية والقوة، وتزيدنا إيماناً وثقةً بمخلصنا يسوع المسيح الإله المتجسد، الذي ننتظره دائماً، وخاصةً في هذه الأيام التي فيها بالروح والحق نحتفل بعيد ميلاده بالجسد، وكلنا نتطلع بحرارة إلى طفل بيت لحم، الذي ترك عرشه في السماء ونزل إلى عالمنا هذا، كي يخلصنا ويرفعنا إلى السماء، المكان الحقيقي لأبناء الله.

إنها ليست المرة الأولى التي يتطلّع فيها الإنسان إلى السماء منتظراً مجيء الرب، فمنذ بدءِ الخليقة وحتى يومنا هذا، ما برحَ الإنسانُ متطلِّعاً إلى خالقه، منتظراً خلاصه وعدله ورحمته. وحيث أننا لا نعلمُ في أي وقتٍ سيكون مجيءُ الرب، فليس لنا إلا أن نبقى متطلّعين إلى السماء، وما هو في السماء، منتظرين قدوم يسوع مخلصنا.

فهل نحن جميعاً مشتاقون ومستعدون لولادة السيدِ المسيح؟ ومن أي صنف من هذه الأصناف الثلاثة نحن؟ أمن المهملين غير المؤمنين بمجيئه، أم من الهازئين بهذه الحقيقة، أم نحن من المشتاقين المؤمنين بها والمترجّينَ لحضور الرب يسوع بيننا، بل المتلهِّفينَ لملاقاته. فنسرعُ كما ركض الرعاة نحو المغارة، بحسب ما بشَّرهم الملاك، فهناك نجد يسوع وهو بانتظارنا، فلسنا نحن من ينتظر قدوم المسيح، بل هو له المجد، ينتظرنا الآن وفي كل وقت لا ليولد فقط في قلوبنا وعقولنا، بل ليخلّصَنا ويرفعنا معه إلى السماء.

وإلى كل من يسألنا أهناك نجد الرب؟ نقول: نعم، فلا عجب أن نرى العذراء مريم وخطيبَها يوسف إذ لم يجدا لهما موضعاً في المنزل، يلتجئان إلى زريبة المواشي، ليولدَ المسيحُ هناك، وتقمّطَه أمُّه وتضجعه في مذود.

أجل، كان المذود المكان اللائق ليوضع فيه الطفل يسوع المخلص، الذي إنما نزل من السماء ليعلمنا التواضع، وليكون تواضعه الدواء الناجع لشفاء الإنسان من داء الكبرياء، وأطاع حتى الموت موت الصليب، ليزيل عار تمرد الإنسان على أوامر ربه في الفردوس.

 

فما بين المذود والصليب تتجلّى رسالةُ السيدِ المسيح الروحيّة، ومن المذود والصليب نتعلّمُ الوداعةَ والتواضعَ لنزيحَ عن كواهلنا أثقالَ العجرفةِ والغرور والكبرياء، فنحصلُ على السلام مع الله ومع أنفسِنا ومع الناس أجمعين.

أيها الأحباء: إن رسالةَ عيد الميلاد هي رسالةُ المحبة المعطاء، ويسوع الطفل الذي ولد في مذود، نراه اليوم في ملايين الأطفال الذين لا مأوى لهم، وهم مع أمهاتهم يتضوّرون جوعاً، ونحن نتنعّمُ بخيراتٍ كثيرة. فكل محتاجٍ وكل فقيرٍ وكل يتيمٍ وكل أرملةٍ مسكينةٍ هم إخوةُ يسوع الصغار بل هم يمثلون الطفلَ يسوع الفقير الذي لم يكن له موضع في المنزل.

هل يا ترى أعددنا له موضعاً ليولدَ في قلوبنا؟ أم أن قلوبَنا مشغولةً بمحبة غيره... كما كانت قلوب الكتبة والفريسيين وكهنة اليهود، الذين تجاهلوا النبوات واهتمّوا بالأمور الدنيوية؟

هل يا ترى ونحن نحتفلُ بطقوسنا الدينية في هذه المناسبة السعيدة، نشعر بأنَّ المسيحَ معنا وبيننا يشاركُنا فرحةَ العيد؟ أم أننا غرباءٌ عنه وهو بعيدٌ عنا؟

فلنهيّئ موضعاً للمسيح في منازلنا، وفي قلوبنا ونفوسنا، لنحيا، لا نحن، بل هو يحيا فينا (غل 2: 20).

أيها الأحباء: نستقبل عيدَ ميلاد الرب يسوع وفي قلبنا وعقلنا عدة هواجس:

ـ أولاً: سورية الحبيبة:

سورية الموطن الأزلي للسريان، هذا البلد الغالي على قلبنا جميعاً، إن ما جرى على أرضه ويجري كل يوم من قتل وتدمير وتشريد يؤلمنا جداً، وقد كنَّا منذ بدء الأزمة في سورية من الداعين إلى الحوار والحل السلمي البعيد عن لغة السلاح والقتل، ولكن سرعان ما تحوَّل العنف إلى إرهاب، وأيُّ إرهاب، وكل ذلك تحت اسم الدين، وشريعة الله، وكلنا نعلم بأن الله بريءٌ من هذه الأعمال الوحشية، التي لا تهدف إلا إلى ترويع المواطنين المتجذرين في أرضهم، مسلمين أو مسيحيين على حد سواء، ولا يمكن توصيفُ ما يجري في بعض المناطق السورية بأنه فتنةٌ طائفية، بل هي أعمال إجرامية ضدَّ الإنسانية مباشرة.

ومن هذا المنطلق فإننا نرفض رفضاً قاطعاً ما يروِّجه البعضُ بأنَّ ما يتعرَّض له أبناؤنا وإخوتُنا في سورية، يهدف إلى إلحاق الأذى بالمسيحيين على وجه الخصوص، ودفعهم للهجرة من سورية، وُنعلنها جهراً بأننا باقون، وكما كان لنا تاريخٌ مشترك مع إخوتنا المسلمين في سورية، وكما امتزجَ الدم المسيحي والمسلم معاً في العهود السابقة ذوداً عن حياض هذا التراب الغالي، هكذا سنشترك معاً أيضاً في وحدة المصير ووحدة المستقبل.

إننا بعين الأمل والرجاء نتطلّع إلى مؤتمر جنيف الثاني، ولا نقول الذي سيقرِّر مصيرَ سورية، فسورية العظيمة لا يُقرَرُ مصيرُها في دولة أوروبية، إنما في دمشقَ أقدم المدن في التاريخ، ولكن محبةً بالسلام فإننا نناشد جميعَ الدول المشاركة في جنيف الثاني، أن يتركوا سورية للسوريين، فهم أعلمُ بمستقبلهم، وإذا كنتم تحبّون سورية لهذه الدرجة، فاقطعوا إمداداتكم ودعمكم للإرهابيين والمسلحين، لأنكم لن تسلموا مستقبلاً من بطش هؤلاء الإرهابيين والتكفيريين في عقر داركم.

وإلى أبنائنا السريان في سورية نقول: لقد سرتم على منوال آبائكم وأجدادكم، وأثبتّم للعالم أجمع بأنكم مواطنون صالحون، ومخلصون لسوريتكم ولسريانيتكم، وعلَّمتم الناسَ كيف تدافعون بالدم عن أرضكم وعن كنائسكم، وأنا فخورٌ بكم جداً، فاصمدوا إلى جانب إخوتكم السوريين الشرفاء، فالمستقبل لكم ولأبنائكم في سورية فقط، وليس في أية دولة أخرى، وإننا نرفع أكفَّ الدعاء إلى الله تعالى ليرحمَ الشهداءَ السريان وشهداء الوطن جميعاً، ويبلسم قلوب أهلهم ببركاته السماوية.

ـ والهاجس الثاني يتعلّق بأخوينا المطرانين المخطوفين:

فها هو العيدُ الثاني يمرّ علينا في ظلّ غياب أخوينا المطرانين الجليلين مار غريغوريوس يوحنا إبراهيم وبولس يازجي، اللذين وقعا ضحيّة الإرهاب، وقد انضمّت إليهما أخواتنا راهبات دير القديسة تقلا في معلولا، ولم ندّخر أيَّ جهدٍ في سبيل إطلاق سراحهم، وإذ نثمّن الجهودَ الكبيرة التي يبذلها أصحابُ النوايا الطيّبة في سبيل حرية المطرانين وجميع المخطوفين، فإننا نكرر مطالبتنا الجهةَ الخاطفة بإطلاق سراح المطرانين والكهنة والراهبات، فهم خدامٌ لله والإنسانية أسوةً بجميع علماء الدين، ولطالما كانت الكلمةُ شعارَهم والمحبةُ ديدنَهم. ولن نوفرَ أية وسيلة ممكنة لإطلاق سراحهم وعودتهم سالمين إلى كنائسهم التي اشتاقت إليهم.

إننا بانتظاركم أيها الحبران الجليلان والآباء الكهنة والراهبات الفاضلات، وصلاتنا إلى الرب الإله أن تكونوا سالمين وبصحة جيدة، ونعزيكم بعنوان رسالتنا هذه: «انتظروا الربَّ، ليتشدَّد وليتشجَّع قلبكم وانتظروا الرب».

ـ والهاجس الثالث هو تهجير المسيحيين من الشرق الأوسط:

نعم، نقولها تهجير وليست هجرة، لأنَّ كل المعطيات التي بين أيدينا تشير إلى عمليّة ممنهجة ومدروسة لتهجير مسيحيي الشرق، وكلنا يعلم بأنه: لا مسيحيةَ بدون الشرق، ولا شرقَ بدون المسيحية، ولن يكون الكرسي الأنطاكي في يوم من الأيام في ستوكهولم أو في فرانكفورت أو لوس أنجلوس. وعلاوة على ذلك فإن الحضورَ المسيحي في الشرق هو حاجة إسلامية أكثر مما هو حاجة مسيحية، وإخوتنا العلماء يعرفون هذا جيداً، وبمحبة كبيرة يقدمون لنا كلَّ الدعم والتسهيلات والضمانات لنبقى معهم في هذه الشراكة المشرقية، لأنهم يدركون بأن المسيحيين هم أصلُ هذا الشرق. ولا يمكن لوطنيّ حقاً، ولا لمسلم حقاً، ولا لعربيّ حقاً، أن يعمل على تهجير المسيحيين من الشرق الأوسط. إن وجود المسيحيين في شرقهم ضرورة قومية ووطنية وإيمانية وحضارية، وهو وجود شرعي بكل المقاييس. بل هو رسالة أراد الله تعالى أن نكون نحن شهوداً لها.

إن أوضاع الشرق الأوسط بشكل عام تزداد تعقيداً مع مرور الزمن، ومن الطبيعي أن ترافقه حالة من عدم الاستقرار، الأمر الذي يقضّ مضاجعَ الجميع وفي مقدمتهم المسيحيون، فيقعون فريسةً للإغراءات الوهميّة للهجرة، بدءاً من فلسطين المحتلة مروراً بسورية ولبنان ومصر وحتى العراق الجريح، وعليه فإننا نطالب جميع القادة السياسيين في الشرق والعالم لوضع حدٍّ لهذه الفوضى، ولتكثيف الجهود المبذولة، سعياً لإيجاد حلٍّ يرضي جميع الأطراف، من شأنه أن يضع حداً للعنف وحظر دخول الأسلحة بطرق غير مشروعة، ويُرجع السكينة والسلام إلى قلوب الناس، ويُعيد المهجّرين واللاجئين إلى بلدانهم، فيكفيهم ما أصابهم من تشرِّد ومعاناة.

في خضم هذه الهواجس أيها الأحباء، علينا ألاّ نكون مسيحيين بالاسم فقط، بل أن تظهر قوة مسيحنا فينا بكل تصرفاتنا: بأفكارنا وأقوالنا وأعمالنا، ولا نحصل على هذه القوة ما لم نقتدِ بالرب يسوع الذي هو مثالنا في الحياة، فتشجعوا وانتظروا الربّ، ولتطمئن نفوسكم لأن المسيح معنا ولن يهملنا، بل سيحفظنا حتى نهاية الدهر.

ليتقبّل الرب صومكم وصلواتكم، وليعيد أعياده المباركة عليكم جميعاً بالخير واليمن والبركات.