الموقع الرسمي للحركة الديمقراطية الاشورية (زوعا).. the official website of Assyrian Democratic Movement- Zowaa

                                       

 

بيــــــــــــان: حول مشروع الدستور الجديد

 

 

 

 

زوعا اورغ - سوريا:25 شباط 2012 /

 

    بعد أحد عشر شهرا من انتفاضة الشعب السوري بكل أطيافه القومية والدينية من أجل الحرية والكرامة والديمقراطية، وبعد سقوط عشرات آلاف الشهداء (مدنيين وعسكريين) والجرحى وأضعافهم من المعتقلين والمهجّرين، جرّاء مواجهة النظام للمطالب الشعبية العادلة بالعنف والقمع العاري، ما أدّى إلى تعميق الأزمة الوطنية وتدهور الأوضاع في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والإنسانية.

بعد كل هذا أقدم النظام منفردا على طرح مشروع دستور جديد للاستفتاء العام في السادس والعشرين من شهر شباط الحالي. دون أن يطرح للنقاش العام، وذلك بهدف التغطية على خياره الأمني الهادف إلى إخماد الانتفاضة السلمية، وكسر إرادة الشعب، وإيهام المجتمع الدولي بأنه ماض في خطط الإصلاح. لكن هذه الخطوة جاءت متسرعة ومشوهة، ليس لأنها لم تراع ظروف الأزمة العميقة التي تمرّ بها البلاد وحسب، وإنّما لناحية عدم استجابتها لتطلعات المواطنين السوريين في الحرية والديمقراطية، وتكريس قيم العدالة والمساواة والشراكة الوطنية الكاملة.

إنّ توقيت صياغة مشروع دستور جديد والاستعجال في طرحه على الاستفتاء العام في خضّم أزمة سياسية متفاقمة، وانقسام اجتماعي حادّ، وظروف أمنية استثنائية تعيشها الكثير من المدن والبلدات السورية يعكس إصرار السلطة على الهروب من معالجة الأزمة، وإعادة إنتاج نفسها بذات الوسائل القديمة، من خلال فرض حلولها وإرادتها دون الاكتراث لإرادة غالبية الشعب، أو الأخذ في الاعتبار المناخات الملائمة لصوغ عقد اجتماعي جديد يحظى بتوافق وقبول كل المواطنين، من خلال جمعية تأسيسية منتخبة تضم ممثلين عن كافة ألوان الطيف السياسي والقومي والديني. وتوفير هذه المناخات يقتضي وقف أعمال القتل والاعتقال وسحب الجيش والقوى الأمنية من المدن والبلدات، والسماح بالتظاهر السلمي، والشروع بمرحلة انتقالية تمهد الطريق لنقل البلاد سلميا من حالة الاستبداد إلى دولة ديمقراطية علمانية.

إنّنا في المنظمة الآثورية الديمقراطية، نرى أنّ الدستور الجديد يفتقر إلى المضمون الإصلاحي، ولا يخدم هدف إقامة دولة ديمقراطية عصرية يتطلّع إليها كل السوريين، وذلك لجملة أسباب منها:

 ـ أكّد على السير في ذات النهج السابق في إنكار وتجاهل حالة التنوّع القومي في سوريا حيث لم يتضمن اعترافا بالوجود الأصيل والهوية القومية للشعب الآشوري السرياني، ولا بالإخوة الأكراد والأرمن والتركمان وغيرهم. والمعروف أنّ حلّ قضية التنوّع القومي في الإطار الوطني باتت من المرتكزات الأساسية للديمقراطية بمفهومها المعاصر إلى جانب قضايا المرأة وحقوق الإنسان، وهو بهذا يخالف حقائق الواقع والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الأقليات والشعوب. واختزل البعد القومي للشعب السوري بالعروبة فقط في استنساخ متعمد لفكر حزب البعث، وتجلّى هذا في المقدمة وفي المادة الأولى الخاصة بتعريف الجمهورية، والمادة الرابعة الخاصة باللغة الرسمية، والمادة السابعة المتعلقة بالقسم الدستوري، إضافة إلى العديد من المواد التي تفاضل وتميّز بين العرب السوريين وغيرهم من المواطنين على أساس قومي. ولم تغير المادة التاسعة الخاصة بحماية التنوّع الثقافي للمجتمع السوري شيئا من هذا الواقع، لأنها جاءت كنوع من جبر الخواطر ليس إلاّ.

 ـ إنّ تحديد دين رئيس الدولة يتنافى ومبادئ الديمقراطية، ويطيح بشروط المساواة في المواطنة التي أكّدت عليها مواد أخرى في نفس الدستور، ويحيل المواطنين المسيحيين السوريين إلى نوع من ذميّة سياسية غير مقبولة. وهذا يخالف كلّ المزاعم حول علمانية النظام، لأنّ الدولة الديمقراطية المعاصرة يجب أن تكون فوق عقائد المواطنين، وأن تقف على مسافة واحدة من جميع الأديان.

 ـ رغم إلغاء المادة الثامنة من الدستور الحالي والتي تعطي الحق لحزب البعث بقيادة الدولة والمجتمع، فإن فكر ونهج حزب البعث حاضران بقوّة في العديد من مواد الدستور الجديد بدءا من المقدمة والقسم الدستوري وليس انتهاء بتحديد حصة 50% للعمال والفلاحين. وإقرار مبدأ التعددية السياسية  جاء خاليا من المعنى لأنه حصر دور الأحزاب في الإسهام بالحياة السياسية وفق نموذج الجبهة الوطنية التقدمية، وأغفلت المادة تماما أي دور للأحزاب والكتل السياسية الفائزة في الانتخابات التشريعية في تشكيل الحكومات وإدارة البلاد وفق التفويض الممنوح لها شعبيا، بل على العكس فإنّ الدستور أناط الأمر كلّيا برئيس الجمهورية.

 لا يحقق الدستور الجديد مبدأ فصل السلطات بشكل واضح، ورجّح كفة السلطة التنفيذية ممّثلة برئيس الجمهورية على السلطتين التشريعية و القضائية  وجعلها تابعة لها، ويلاشك فإن تركيز معظم السلطات بيد رئيس الجمهورية لا يفيد في تفكيك النظام الشمولي وبناء نظام ديمقراطي عوضا عنه.

هناك العديد من المواد تفرض قيودا وشروطا غير منطقية على المواطنين الراغبين بالتقدم لتبوّء المناصب العامة، تعكس وجود نوايا مسبقة على استبعادهم وإقصائهم لصالح آخرين وهذا يتناقض مع مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص.

خلاصة القول أن مشروع الدستور الجديد بروحه ومضمونه ومراميه، لا يلبّي طموحات السوريين (ونحن منهم) الذين يتطلّعون إلى التغيير الكامل والانتقال من نظام الاستبداد إلى دولة ديمقراطية عصرية، دولة الحق والقانون والمؤسسات، دولة تقوم على أسس العدل والمساواة والمواطنة الكاملة. لكل هذا ندعو أبناء شعبنا الآشوري السرياني وكافة السوريين إلى مقاطعة الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد لأنه بعيد كل البعد عن طموحاتهم وتطلعاتهم التي قدموا الكثير من التضحيات من أجل تحقيقها.