كلمة غبطة المطران مار كوركيس صليوا في مؤتمر جينيف

زوعا - خاص
بداية يسعدني ان انقل الى حضارتكم تحيات قداسة البطريرك مار دنخا
الرابع: بطريرك كنيسة المشرق الاشورية في العالم مع تمنيات قداسته بنجاح
هذه الاجتماعات.
نشكر الجميع على هذا التجمع الروحاني المعبر عن شعوركم المسيحي والانساني
وعن احزانكم على ما حدث ويحدث في العرق وعلى ما يعانيه شعبه من الالام
والمعاناة التي تركت وتترك اثارا اعمق الما واشد خسارة وسلبية على
المواطنين المسيحيين المخلصين والنزيهين لبلدهم العراق والذين لم تصدر عنهم
وفي جميع مراحل الدولة العراقية اية اساءة او خيانة لبلدهم مهد حضارتهم
ومسيحيتهم ووجودهم القومي الاشوري البابلي لاكثريتهم وبمختلف انتماءاتهم
المنسية، فاضطر الالاف منهم الى الهروب والهجرة الى بلدان اخرى. ولايزال
العدد الباقي منهم غير مطمئن من المستقبل السياسي للبلد وعلى مستقبل
ابنائهم واجيالهم القادمة.
لا اود هنا ان اكرر ما ذكرته وما ذكره غيري من اجتماعات سبقت هذا الاجتماع
وبناء على طلبات منظميها عن الظروف الصعبة والمخيفة التي يعاني منها الشعب
العراقي عامة والمسيحيين خاصة منذ الاحتلال الامريكي للعراق في نيسان 2003
والتي اصبحت واضحة للعالم اجمع بكل تفاصيلها ونتائجها من المآسي والمخاوف
والكواراث والمظالم والاعتداءات على الحرمات والتي لم نكن نتوقعها ان تحدث
امام جيوش الاحتلال الذين دخلوا بحجة امتلاك النظام اسلحة للدمار الشامل
وبحجة تحرير الشعب العراقي.
كل هذه المعاناة حدثت ولا تزال تحدث امام العالم بجميع حكوماته ومنظماته
السياسية والانسانية والدينية، والتي اكتفت الكثير منها بأظهار علامات
الاسف وعدم الرضى لما يحدث وجسدت حزنها بتقديم معونات ومساعدات انسانية.
كما لكتفت ايضا باظهار استغرابها ولم تزل من استمرار هذه الجرائم والتي
كانت ابشعها الحادثة المروعة التي وقعت في كنيسة سيدة النجاة في بغداد في
نهاية تشرين الاول من العام الماضي.
لقد استشهد الطفل "ادم" الذي بكى له المسلم والمسيحي، استشهد هذا الطفل في
هذه الكنيسة مع ابية ومع عشرات المصلين الابرياء، استشهدوا جميعا والذين من
قبلهم من اجل المسيحية في العراق ومن اجل سلامة ورفاهية العراق، ومن اجل
التأكيد على حقوقنا الدينية والوطنية في دستور العراق لكي نزاول ونمارس هذه
الحقوق الانسانية على الوقع الجغرافي لوجودنا التأريخي على ارض العراق
الواحد الموحد.
وهنا اود ايضا ان استعين بنداءات الطفل "ادم" عندما قال لابيه: "بابا قل
لهؤلاء ... كافي... كافي... كافي... يرمون" لاقول: كفى مظاهرات.. كفى
اجتماعات... كفى استنكارات بدون اعمال وخطوات سريعة وملموسة النتائج،
لانقاذ العراق والعراقيين وخاصة المسيحيين من معاناتهم ومآسيهم.
وارجو من حضراتكم سماحة لاضيف الى نداء هذا الطفل واقول: انها رسالة طاهرة
الى الضمير العالمي.. والى المؤسسات الدولية.. والى رؤوساء الحكومات
وبالاخص في العالم الغربي.. والى جميع المنظمات الانسانية والدينية.. والى
رؤساء الكنائس في العالم.. لكي يعلموا كل ما في وسعهم وبأسرع وقت ممكن،
ليجسدوا قرارات وتوصيات اجتماعاتهم والتي كان اخرها سينودس من اجل الشرق
الذي عقد في حضرة الفاتيكان في تشرين الاول من العام الماضي، الى اعمال
وخطوات ملموسة وسريعة لاطفاء لهيب النار المدمر للعراق والمسيحيين والذي
اشعلته ايادي الطامعين والمجرمين الانتقاميين في نيسان 2003. هذا اللهيب
الذي احرق وفجر العديد من دور العبادة وبضمنها الكنائس.
ولا اريد وكما قلت سلفا الدخول في تفاصيل الامنا ومعاناتنا، لان تكرارها
اصبح في نظر الكثيرين صورة مملة وخاصة عندما تكون مجردة من خطوات فعالة
وملموسة على الارض لايجاد السبل الكفيلة لايقاف هذه المعاناة والقضاء
عليها.
ان عدم الاهتمام بهذا الموضوع الخطر بدراسة الاسباب التي ادت الى وقوع هذه
الحوادث والكوارث وفضح واتهام الجهات المخططة والمسببة لها، اذا لم تتخذ
مثل هكذا اجراءات، ان رؤيتي ستكون واقولها معتذرا: الويل للعراقيين
الابرياء والويل لنا نحن ابناء الشعب المسيحي من مستقبل غامض ومخيف
لاجيالنا القادمة، الويل لنا جميعا من تحقيق نوايا الذين خططوا لخلق هذه
الحوادث لتحقيق احلامهم. وانا ادون هذه الملاحظات بادر الى ذهني السؤال
الذي وجهته الى احد رجالات السلطة في الحكومة العراقية في عهد رئيس الوزراء
السابق اياد علاوي عندما اجتمع بعدد من الاخوة المطارنة لأبداء اسف الحكومة
العراقية لما حدث في حينه من تجاوزات وتفجير الكنائس وتهديدات للعوائل
المسيحية في حي الميكانيك وفي حي الطعمة وتحديداً في حي الاثوريين في منطقة
الدورة من مدينة بغداد.
قلت لهذا المسؤول: اذا كانت الحكومة العراقية متألمة لوقوع مثل هذه
الحوادث، وهذا ماتدعيه ايضاً القوات المحتلة، ويستنكر السادة رؤساء المراجع
الدينية الاسلامية وكذلك السادة رؤساء العشائر العراقية "الذين نكن لهم
جميعاً كل المودة والاحترام" اذا كان كل هؤلاء ضد هذه الاعمال والتجاوزات
فكيف تستمر هذه الجرائم بهذا الشكل وبهذه البساطة؟
وهل قوة المنفذين لهذه الجرائم بحق العراقيين اكبر من قوة الحكومة العراقية
ومن الجيش العراقي ومن قوة الجيش الامريكي؟
اني انتهز هذه الفرصة في هذا الاجتماع لأوجه السؤال نفسه الى اعضاء هذا
المجلس الموقر الذي يمثل ملايين المسيحيين في العالم وكذلك ومن خلاله الى
جميع الحكومات في العالم وجميع المنظمات والجمعيات التي تعمل من اجل حقوق
الانسان والى منظمات الامم المتحدة واقول: هل الجهات المخططة والمنفذة لهذه
الانتهاكات لحقوق الانسان في العراق اقوى منكم جميعا بحيث تستمر بهذه
السهولة والاستكمان وعبر هذه السنين الطويلة لكي تجعل الجميع يكتفون بأبداء
الاسف والحزن لمعاناة العراقيين عامة والمسيحيين منهم خاصة والمستهدفين
بازالة هويتهم التاريخية وابعادهم عن مهد وجودهم القومي وحضارتهم الانسانية
التي اشرق عليها نور المسيحية على ايدي رسل المسيح انفسهم وامنوا بمخلصهم
دون ان يروه ليجسدوا ايمانهم بالله في مدينتهم نينوى طاعة بما امره لهم على
لسان النبي يونان.
ان الوسيلة والامل الوحيد لازالة الخوف على وضع المسيحيين العراقيين
وابعادهم عن فكرة الهجرة وتشجيع وطمأنة الذين هاجروا لكي يعودوا الى قراهم
ومدنهم، وتجسيد التوصيات الصادرة من مختلف الاجتماعات والمؤتمرات بخصوصهم،
ورفع الحيف عن معاناتهم وتخفيف اتعاب الجهات التي تبذل كل الجهود الحثيثة
لتقديم المساعدات الانسانية والخيرية لهم. ومن اجل ان تمارس جميع الحقوق
القومية والدينية والاجتماعية والاقتصادية بكل حرية وامان لابناء شعبنا
بكافة انتماءاتهم الكنسية في المحافظة التي اجتمعت جميع احزابهم ومؤسساتهم
السياسية ورأت ضرورة استحداثها للساكنين منهم في منطقة سهل نينوى مع بقية
المكونات التي لهم فيها وجود تاريخي والتي بخصوصها وعلى اساس جغرافي
ديمغرافي وبغطاء دستوري تم رفع مذكرة موقعة من قبل رؤساء وقيادات هذه
الاحزاب الموحدة "وهي مشكورة على ذلك" الى الرئاسات الثلاث في بغداد والى
حكومة اقليم كردستان.
ان نجاح جميع هذه الامور تتوقف على تحقيق وتوفير مايلي
اولاً: العمل بكل الوسائل وعبر القنوات الدولية للقضاء على الاعمال
الاجرامية في داخل العراق وخلق جو الامان والاستقرار الأمني للمواطنين كافة
والاهتمام بهذا الموضوع الخطر بدراسة الاسباب التي أدت الى وقوع هذه
الحوادث والكوارث ومواجهة الجهات التي خططت لخلق هذه الحوادث تحقيق
احلامها.
ثانياً: العمل على تقوية سلطة الحكومة لتتمكن من القيام بواجباتها تجاه
شعبنا العراقي وفقاً يضمن الحقوق الانسانية والوطنية لكافة المواطنين بغض
النظر عن انتماؤتهم الدينية والمذهبية والقومية.
ثالثاً: متى ما استتب الأمن في البلد وازيلت كل مظاهر الخراب والدمار ومتى
ما توفرت الحياة الطبيعية والمستقرة عندئذ سيكون ملائماً ومساعداً لتقديم
وتنفيذ مشاريع مهنية وانمائية واستثمارية وفي مختلف المجالات التي يحتاجها
البلد والتي ستتيح فرص عمل كثيرة ومختلفة لخريجي المعاهد والكليات ولجميع
المواطنين وتقضي على الفقر والبطالة والهجرة.
انننا بالرغم من هذه المآسي، لا زلنا نعيش في الامل النابع من ايماننا
المسيحي ومن حبنا واخلاصنا لوطننا بأننا سنصل الى شاطىء الامان والسلام،
ونعيش بالمحبة والتعاون مع كافة أطياف شعبنا العراقي من أجل سلامة ورفعة
العراق مستلهمين بما ورد في الانجيل المقدس: قَصَبةَ مَرضُوضَةً لا يَقْصف،
وفَتيلَةً مُدَخِّنَةًّ لا يُطْفِىءُ، حتى يُخرِجَ الحَقَّ الى النُصرِة".
"متى:20.12"
|