هذا كل ما نريده من الاشقاء العرب

 

                                                                                                         حميد الموسوي

                       لا نقول:

 فـإمّا انْ تكـون اخـي بصـدقٍ                                      فأعرف منك غثي من سميني

والاّ فاطّــرحني واتخّـذنـي                                          عدواً أتقيــك وتتقيــــني

                        بل نقول:

فـأما ان تكـون اخـي بصـدقٍ                                      فاطمع في نداك وترتجيـني

والاّ فادّخــرني واتخـذْنــي                                          ضمــاناً للعجـاف من السنـينِ

                 قلنا في مقال سابق -وبمناسبة الزيارة التي قام بها جلالة الملك عبدالله بن الحسين ملك المملكة الاردنية الهاشمية- ان زيارة الملك عبدالله كسرت طوق الصمت والتردد العربي. وبالفعل -وهذا ما نرجوه ونلح بمناسبة وبغير مناسبة على تحققه- فبعد مرور اسبوع على تلك الزيارة قام السيد فؤاد السنيورة رئيس وزراء لبنان الشقيق بزيارة مماثلة لبغداد بصحبة وفد رفيع حيث التقى المسؤولين في الحكومة وفي مقدمتهم دولة رئيس الوزراء ونوابه، ونواب رئيس الجمهورية وزعيم الائتلاف وعدد من الوزراء، وبغض النظر عن التأويلات والتحليلات الداخلية والخارجية التي تناولت الزيارة والتي عبرت عن وجهات نظرها وباحت بمكنون دواخلها، وسواءاً كانت تلك التحليلات هادفة بناءة او حاسدة متحاملة فقد رأينا في هذه الزيارة تناغما لجرح لبنان -الذي نزف سبعة عشر عاما في حرب اهلية مفروضة كان الخاسر فيها اللبنانيون كلهم- مع الجرح العراقي الذي نزف في حروب مختلقة وحصار متفق عليه. وراينا فيها الساحة اللبنانية التي اجتاحتها موجة الاغتيالات الحاقدة وعمليات التفجير والتخريب حتى لكأنها امتداد وعمق للساحة العراقية التي استباحتها نفس تلك الايادي وعين تلك الافكار المتخلفة الحاقدة. ولئن كان لبنان متفردا بنظامه الديمقراطي وتآلف اطيافه المتحابة ومتحضرا ومنفتحا على العالم المتمدن بمؤسساته المدنية منذ تاسيسه وبخلاف جميع الانظمة العربية وهذا ما جعله قبلة وملاذا ومتنفسا لطلاب الحرية من الشعوب المكبوتة وبالمقابل جعله شوكة في عيون النظم التسلطية الدكتاتورية المتعسفة والتي افزعها تحرره وانفتاحه فانبرت تثير القلائل وتوقظ الفتن بين اطيافه المتحابة بين حين واخر مستهدفة امنه واستقراره ووحدة شعبه لئن كان لبنان كذلك -وهو كذلك- فقد راى كثيرون في العراق لبنانا جديدا حين رأوه يسقط اصنام الدكتاتورية ويتوجه الى النظام الدستوري الديمقراطي بمؤسساته المدنية وحركاته واحزابه الحرة وصحافته واعلامه المستقل وبرلمانه المنتخب.

وهذه الحقائق الميدانية كافية لان تكون اسبابا -في نظر البعض ممن يخشون رياح التغيير ويرتعبون من اسم الديمقراطية- وجيهة في مقاطعة النظام الجديد ومنع رياح التغيير فيه من الانتشار، بل وصلت في بعض الاحيان الى مرحلة تغذية مناطق التوتر وبؤر الفتن وفتح الحدود امام كل من يريد الدخول الى العراق ويعيث خرابا بمقدراته وقتلا بشعبه، مع ان العراق كان وما زال ظهيرا مخلصا لجميع اشقائه العرب وعمقا ستراتيجيا لجغرافية الوطن العربي من اقصاه الى اقصاه. وطيلة الاعوام الخمس المنصرمة من عمر العملية التغييرية في العراق ظل العراقيون -ومازالوا وعلى كافة المستويات الحكومية والبرلمانية ومؤسسات المجتمع المدني- يناشدون اخوتهم العرب التواصل واعادة العلاقات الدبلوماسية وفتح صفحة جديدة بدل صفحات سود شوهتها سلوكيات السياسات الهوجاء للسلطة السابقة لكن الاستجابة كانت بطيئة وخجولة من بعض الاشقاء وجافية من البعض الاخر.وما يحز في النفس ان جميع دول العالم جددت علاقاتها الدبلوماسية واعادت سفاراتها الى بغداد كما قام عدد كبير من رؤساء الدول بزيارة العراق وعقد اتفاقات سياسية واقتصادية وثقافية طويلة الامد بينما ظلت الانظمة العربية مترددة او مجافية مع علمها ان الغمة انجلت وان العراق تجاوز المحنة وقضى على بؤر اثارة الفتن وقواعد الخراب والتدمير وبدأ عملية البناء والاعمار.

لاشك ان زيارة الاخ السيد فؤاد السنيورة تحمل الكثير من الدلالات والمعطيات ولئن كانت محملة بالوجع اللبناني فهو امتداد للجرح العراقي الفاغر، فاذا حققت منافع ومصالح مشتركة فهذا مراد الشعبين الشقيقين العراقي واللبناني، واذا سجلت دعما واسنادا للقيادة العراقية الجديدة فهذا موقف سبّاق للحكومة اللبنانية له حساباته في ضمير الشعب العراقي شأنه شأن كل المواقف المؤازرة للعراق في ساعة محنته، ولا يخفى ان المواقف ساعة الشدة تختلف عن مواقف الرفاه وفق كل المقاييس وبحساب كل النتائج.

ان ترحيبنا بزيارة الشقيق اللبناني بمستوى ترحيبنا بالشقيق الاردني وسيكون ترحيبنا بالشقيق الخليجي لا يقل عن ترحيبنا بالشقيق المصري او السوري او الجزائري او المغربي او اليماني، وان جاءت متاخرة. كما ان الحاحنا على التواجد العربي على الساحة العراقية نابع من عمق ارتباطنا بمنظومتنا العربية وتاريخها المجيد، وحرصنا على الحضور العربي مردّه تقليل الفجوة بين الاشقاء العرب والحفاظ على نسيج الاخوة الذي مزقته السياسات العابثة، وعدا ذلك فان العراقيين تنبهوا لما يراد بهم ووعوا حجم المؤامرة التي استهدفت وحدتهم وخرجوا من اتون المحنة اصلب عودا واصح بدنا.

 

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links