المــُـــــهم والأهــَـــــم

 

 

                                                                نبيل شانو

                   في سابقة استثنائية وخطيرة وفي خطوة تعبر عن القفز على ثقافة الديمقراطية الناشئة ومبدأ التوافق ، أصدر مجلس النواب العراقي قانون انتخابات مجالس المحافظات الجديد ، حيث خلت بنود القانون من " الكوتا " الضامنة لتمثيل الأقليات في مجالس الحكومات المحلية لبعض المحافظات المشمولة بتلك الانتخابات ، ذلك ما كانت قد ضمنته المادة (50) من القانون السابق والذي تم نقضه عند إقراره في 22 تموز الماضي من قبل عضوين من أعضاء مجلس رئاسة الجمهورية المكون من ثلاثة أعضاء (سني ــ شيعي ــ كردي) . ولأول مرة توحدت أو كادت الأصوات المستنكرة لهذا التهميش والإقصاء من قبل قيادات شعبنا الكلدوآشوري السرياني ، سياسيين ورجال دين على حد سواء ، في سابقة فريدة وكتعبير عن الخصوصية (حتى وإن شككنا بنوايا البعض) التي حرضت على إظهار مثل هذه المواقف ، وهذا ما كنا نتمناه على الأخوة وعبر أكثر من موقع سابقاً ، ورأيُنا هذا ليس انطلاقا من عنصرية نؤمن بها ، بل كرد فعل للسياسة الجديدة التي يعمل " الأخوة الكبار " لترسيخها في عراق ما بعد التغيير ، حيث أننا في بلد يتعرض حالياً إلى هجمات محاور وأجندات خارجية وداخلية ، فهل من المنطقي أن نُصبح ضمن معادلات غير وطنية ؟ .

        هنا لا نريد أن نخوض في الحديث عن إلغاء الكوتا ونتائج ذلك وما تمثله من إجحاف على الرغم من أن الدستور قد ضمن حق المشاركة للجميع ، إنما علينا أن نراجع الأحداث والعلاقات الداخلية السابقة ونبحث عن الأسباب والموجبات التي أوصلتنا لهذه النتيجة المخيبة لآمال شعبنا ؛ فيقيناً أن المتابع الواعي والمهتم بواقع شعبنا ومستقبله وخلال ما يزيد عن الأعوام الخمسة الماضية قد توقع نتائج ما وصلنا إليه من وهن وضعف وتخبط ، سمح للآخرين اختراق صفوفنا في غفلة منا مرة وبمساعدة بعضنا مرات أخرى ، لتصبح مسألة تهميشنا تحصيل حاصل محمود العواقب ، فبكل تأكيد كانت لبعضنا أخطاء قاتلة دفعتهم إليها مصالح شخصية آنيّة سمحت بهذا التدخل ، وبالتالي تجيير مواقفهم لخدمة أهداف لا تمت بصلة لمصالح شعبنا وأهدافه العليا لزرع الفتنة واليأس من أي عملية تنسيق تصب في خدمة هذا الشعب الأصيل . عليه فمن غير الواقعي والمنطقي أن يُكتفى بالشجب والاستنكار أمام عدسات التلفزة وعبر الفضائيات ، لكن يجب دراسة وضع بيتنا الداخلي ومحاولة الخروج بحلول تضمن حقوق الكلدوآشوريين أمام طمع الآخرين وتهميشهم المقصود له ؛ فهل من الممكن أن يتطور هذا الشجب والاستنكار إلى الالتقاء بقلوب مفتوحة تطرح خلالها كافة الأمور على طاولة البحث ، لتأسيس جبهة أو قائمة موحدة تشمل الجميع ؟ ، وذلك من أجل الخروج بقرارات موحدة تقينا المصير المجهول المعد سلفاً ، هنا لا نقصد أو لا نتوقع بأنه لن تكون هناك اختلافات ونقد في الآراء والرؤى ، فالاختلاف هو جوهر الحياة الفاعلة وسر حيويتها ورونقها ، والنقد بمعنى دراسة وتحليل الواقع للخروج بحلول مشتركة ؛ إنما قصدنا أن لا يكون هناك خلاف وانتقاد حول الثوابت المصيرية ، بهذا المعنى نذكر المتمسكين بالجدل العقيم وثقافة التخاذل والتبعية بأننا نعيش ضمن مجتمع يؤمن حتى هذه اللحظة بنصرة الأخ ظالماً كان أو مظلوماً !! فما بال بعض المحسوبين على شعبنا يشتطون بمواقفهم بغية تدمير وإلغاء أخوة لهم لا لشيء إلا لأنهم متمسكون بحقهم وبكلمة الحق المتصدين لما يطبخ في الغرف المظلمة ، فمتى يكف هذا البعض عن دور حصان طروادة بتهافته على بقايا فتات الموائد ؟ ألا يعلم هؤلاء أن لنا حقوقاً كالآخرين شرط معرفتنا كيفية المطالبة بها ، ويتحقق ذلك عندما نتعلم كيف ننطق بلسان واحد ونعمل بقلب واحد أيضاً ، أم أن تلك المكتسبات لسنا بحاجة إليها ولا نريدها إلا إذا جاءت عن طريق طرف ثالث ؟!! .

      في كل عمل هناك احتمالية في عدم الوصول والفشل ، لكن المشكلة الأكبر والأعظم هي في عدم المحاولة أصلاً ، وفي خضم هذا المفترق المصيري يؤلمنا ما نسمعه من هنا وهناك (خصوصاً عبر مواقع الانترنيت) عن محاولات تشويه صورة والنيل من رموز شعبنا وممثليه الشرعيين في وقت نحن أحوج ما نكون فيه حاجة لرصّ الصفوف وتوحيد الكلمة ، فلمصلحة من هذه "السجالات" ؟ وهنا نذكر هؤلاء الأشقاء الحريصون على شعبهم ومصالحه في حال رغبتهم تقدم الصفوف والحل محل من يتصورونه غير كفء بأن أبواب الديمقراطية في العراق الجديد مفتوحة أمامهم لتحقيق ما لم يحققه غيرهم عبر الانتخابات القادمة شرط خوضهم لها بقوائم خاصة بشعبهم وبأصوات أفراده وبأموالهم وأموال مؤيديهم من أشقائهم الغير مرتبطين بأجندات حصراً ، ونذكرهم أيضاً ( لعل الذكرى تنفع ) بأن أي من الكتل الكبيرة في مجلس النواب لم تحرك ساكناً دفاعاً عن حقوق المكونات الصغيرة ، حيث الإقصاء والتهميش لم يقتصر على الكلدان الآشوريين السريان وحدهم ، إنما شمل اليزيدية والشبك والصابئة وغيرهم أيضاً .

         في ختام مقالنا هذا نذكر إخوتنا الأعزاء بضرورة التفريق بين المهم والأهم في حياتنا وعدم الجري خلف المكاسب الوقتية التي لن تدوم كما لم تدم لأحد من قبل ، فمن المهم أن نعمل ، لكن من الأهم أن نجيد عملنا ؛ من المهم أن نلتقي جميعاً على طاولة واحدة ، لكن من الأهم أن نتفق ؛ من المهم أن تكون لدينا علاقات صداقة ومودة مع الآخرين ، لكن الأهم أن لا تكون تلك العلاقات على حساب بعضنا البعض ؛ من المهم أن يكون حاضرنا جيداً ، لكن من الأهم أن يكون مستقبل أولادنا آمناً ومشرقاً .....       

 

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links