7 آب ... أبرياء في صراع القوى الكبيرة

                                                                                      الجزء الاول

                                                         ابو راميل

                مع اندلاع الحرب لعالمية الاولى عام 1914 وجدت الدول الاوربية "بريطانيا - فرنسا - روسيا" في الاشوريين حليفا عسكريا لتضرب به الدول التي تقف عقبة امام زحف الحلفاء في الشرق الاوسط واختيارها للاشوريين للانظمام اليهم  لانهم احفاد الملوك البابليين الاشوريين السومريين اصحاب الحضارة والتاريخ النهريني ولان وجودهم وتمركزهم حينها كان في شمال وادي الرافدين ارض النهرين دجلة والفرات وبهذا فانهم الحليف الرئيسي ليقف بوجه التدخل العثماني في الشرق الاوسط عبر البوابة الستراتيجية بين العراق وتركيا.

لهذا قامت هذه الدول وخصوصا بريطانيا وروسيا بدعم الاشوريين وتسليحهم واعلنت القوات الاشورية مشاركتها في الحرب العالمية الاولى الى جانب الحلفاء واشترطت في ذلك ضرورة تاسيس حكم ذاتي لهم في بلاد الآباء والاجداد بين النهرين.

وبعد احتدام المعارك قدم الآشوريون على مذبح الحرية ما يقارب نصف مليون شهيد قبيل وبعد الحرب العالمية الاولى وانتهت بتشتت هذا الشعب بين تركيا وايران والعراق وكان لمعاهدة سايكس بيكو الاثر البالغ في تقسيم المستعمرات التركية والسورية والعراقية والايرانية بين بريطانيا وفرنسا ومن ثم تقسيم بلاد ما بين النهرين امل الاشوريين الكلدان السريان. وهكذا وقعت قضية الاقليات ضحية المساومات واللعبة السياسية الدولية وصراع الاقطاب وبدا الانكليز بالمراوغة تارة واختلاق المبررات تارة اخرى الى ان  تنصلوا من الوعود التي قطعوها من اجل حرية وكرامة هذا الشعب.

لكن طموح الانكليز بالسيطرة على المنطقة لم ينته و بقت امالهم معلقة على هذا الشعب وخصوصا عندما تكررت مشكلة حماية البوابة الشمالية للعراق وهذه المرة من خطر الاتراك وتوغلهم في المنطقة وبهذا فان تسليح الانكليز للاشوريين تحول الى شكل اخر حيث قاموا في اوائل العشرينات بتشكيل قوات نظامية تحت مسمى "قوات الليفي" كما ساندوا فكرة تشكيل قوات اخرى لليفي من الاكراد والعرب فيما بعد.

       

وبعد قرار عصبة الامم حول مصير ولاية الموصل المتنازع عليها بين بريطانيا وتركيا في اتفاقية 30 اذار سنة 1926 بين العراق وبريطانيا ومدتها 25 سنة والحقتها معاهدة 1927 وكانت جميع المعاهدات تبحث موضوع الاقليات غير العربية ولو بصورة نظرية ومن ضمنهم الكلدان السريان الاشوريين والاكراد والايزيدية والصابئة وغيرهم. واخيرا معاهدة 27 كانون الاول 1931 والتي ابرمت في بغداد اهملت الاخيرة عمدا ذكر الاقليات فرفع زعماؤهم احتجاجاتهم الى السلطات الرئيسية العراقية والانكليزية وايضا الى عصبة الامم وقام مار شمعون على اثرها بتقديم احتجاجات تلو الاخرى ومن دون جدوى ومن تلك الساعة بدات نوايا الحكومة العراقية والانكليز تظهر للاقليات وخصوصا ضد القادة الكلدان السريان الاشوريين ومنهم مار شمعون واغا بطرس المطالبين بحقوق شعبهم.

لقد واجه الانكليز قبل ثورة الاشوريين ثورات عديدة ومنها ثورة الشيخ محمود الحفيد وثورة الشيخ احمد بارزاني وللاسباب نفسها تنكر الانكليز لوعودهم التي قطعوها للاكراد ومطالباتهم للحكومة العراقية بادارة ذاتية للمناطق ذات الاكثرية الكردية فاضطرت حكومة الملك ووزارة جعفر العسكري الى شن حملات عسكرية سيطرت من خلالها على السليمانية معقل الشيخ محمود في عام 1919 وعام  1924. وقيام الجيش العراقي ايضا بعد ذلك بهجمات على معاقل الشيخ البارزاني في بارزان واطرافها في عام 1919 وعام 1931الى ان استسلم وتم وضعه تحت الاقامة الجبرية مرة في السليمانية واخرى في بغداد الى ان عاد مع اوائل بروز مشكلة الاشوريين وفشل مسعاهم في اسكانهم او اعادتهم الى مناطقهم التاريخية في شمال الوطن عام 1933. وما ميز تلك الهجمات اقتصارها على اسكات القادة الاكراد وجعلهم يستسلمون من دون المس بالمدنيين العزل كما سيحدث لاحقا مع الاقلية المسيحية في الموصل.

اوضاع الاقليات كانت مزرية والقتل لم يتوقف يوما حيث تم قتل الكثير من الكلدان السريان الاشوريين وعلى يد عصابات منفلتة وبربرية الطابع فقد كانوا يمثلون بجثث الشهداء ابشع تمثيل. ومن جانب اخر كان الاعلام ينقل صورا زائفة عن حياة الاقليات وحقوقهم وبدات اطراف وشخصيات في بغداد بتصوير واقع كاذب مختلق عن امتيازات الحكومة التي لم تصلهم يوما. ففي عام 1930 تم قتل مسيحيين من تلكيف واثنين اخرين من القوش وهم في طريق عودتهم من العمادية ومعهم بضاعة ومؤن مع ستة بغال وخمسة حمير وعلى مقربة من بلدة دهوك يربطون ازواجا ويطلق على كل اثنين منهم رصاصة واحدة حيث يزعم القتلة بان الاقليات لا تستحق اكثر من رصاصة واحدة والسلطات تلقي تلك الجرائم على عصابات تركية علما ان الحدود تبعد اكثر من 90 كيلومترا من دهوك الى تركيا فضلا عن الاحمال الثقيلة التي كانت معهم.

     

ومسيحي اخر من قرية بيدال "بنكو بن هورمز" في نفس العام يقتل على يد احد شيوخ البدو والقتلة يهددون بقتل المزيد اذا تم التحقيق فامرت السلطات ان يترك المسيحيون قريتهم ويتركوا منازلهم واراضيهم "وكان موسم الحصاد" خوفا من وقوع ما لا تحمد عقباه بهم.

وفي عام 1931 قتل هرمز شعيوثا الكلداني ويلتحق برفاقه يشكو الباري تعالي لخلقه مسيحيا.

في حزيران من عام 1931 قتل اربعة من قرية بعشيقة والصحف في بغداد تشكر مكي بك قائمقام دهوك ومجيد بك قائمقام قضاء العمادية وتكافئهم على ما اسمته بقتل المتمردين.

في 5 ايلول سنة 1930 قرية سناط تتعرض لهجوم ويستشهد 18 شخصا ويتم التنكيل بثمانية اخرين ونهب ما ينيف عن 1800 رأس من الماشية ومن بين المسيحيين المغدورين يوسف بتو ويوسف كردني ويونان داود.

وفي كانون الثاني تتعرض قرية سناط مرة اخرى الى هجمة اخرى يقتل فيها راعيان صبيان "عبو توما له 15 عاما" و"يوسف ميخا وعمره 12 عاما" ويتم سرقة 200 رأس من الماشية وفي طريق عودة القتلة يقتلون راعياً اخر من نفس القرية "ابراهيم شمو". والقائمقام يقف عاجزا فاين الحقيقة؟ قائمقام قضاء العمادية يضرب ويهين احد القساوسة الكاثوليك واحد الشمامسة النسطوريين ظلما وعدوانا والسلطات الحكومية في الولاية تطلب من رجال الدين هؤلاء عدم المراجعة لاخذ حقوقهم والا سوف تنزع منهم اراضيهم ويطردون.

في عام 1930 احد المسؤولين الاداريين في سهل نينوى يتعرض لفتاة من القوش وبعد عدم اذعانها له اضطر ان يطلق سراحها وبعد مراجعة اهل القرية الى المتصرف والمفتش الاداري واحتجاج بطريركية الكلدان جرى التحقيق وثبت اعتداء المسؤول الاداري وتقرر بان ينقل من مدير ناحية القوش الى مدير ناحية اخرى مسيحية وبنفس الدرجة والراتب.

الشرطة تطرق منزل الياس شلي في القوش في عام 1930 ومشاركة 15 شرطيا ومفوض شرطة في العملية والياس يلوذ بالفرار من الشرطة فكانت اجراءات الحكومة سجن نساء ورجال من الجيران في مركز شرطة شيخان لاكثر من ثلاثة اسابيع واطلاق سراحهم بغرامة 600 روبية علما ان الاجراء كان مخالفا للقانون والمبلغ كان مهولا حينها. في حزيران 1931 تم قتل 35 كرديا من رواندوز وتتهم السلطات المحلية الاشوريين بقتلهم وبعد التحقيق من قبل المفتش الاداري لاربيل ادموندز يؤكد بطلان التهمة وانها الصقت بالمسيحيين وخصوصا بالنسطوريين.

     

ويستمر مسلسل القتل ومصادرة الحريات الى عام 1932 حيث قام مار شمعون وبمشاركة القادة الميدانيين امثال ملك ياقو وملك خوشابا واغا بطرس على عقد عدة لقاءات كان من شانها ايجاد مخرج وحل حقيقي لمعضلة هذا الشعب المغلوب على امره واعلن في اغلبها ان بقاء الشعب الكلداني السرياني الاشوري في ظل حكومة شوفينية يعد ضربا من المستحيل خصوصا اذا ما تم رفع الانتداب عن العراق في نهاية العشرينات وبدا القادة الكلدانيون السريانيون الاشوريون بطرق باب الحكومة العراقية ومطالبتها بايقاف قتل المسيحيين وحمايتهم وبايجاد حل مرض لهم لانهم ساهموا وقدموا التضحيات الجسام من اجل الوطن وخصوصا حمايتهم للبوابة الشمالية للفترة من عام 1918 والى عام 1932.

وكان للملك فيصل تفهم واحترام واضح تجاه مطاليب الاشوريين بحمايتهم واسكانهم وبعض الخصوصيات الواقعية وابدى الملك اهتماما خاصا بمشروع الاسكان ورغبة منه بسرعة انجازه وخصوصا بعد تعيين الميجر تومسون مشرفا من جانب الانكليز على المشروع الوطني.

وبدأت الحكومة بحياكة سلسلة من الالاعيب السياسية خصوصا عندما برزت المشكلة الرئيسية والتي عزتها الحكومة بانها احد الاسباب التي ادت الى النهاية الفاجعة التي سناتي على ذكرها لاحقا في سميل حيث قامت بتلفيق ادعاءات باسم مار شمعون بمعارضته المشروع والعمل على افشاله بالرسائل التي تم توجيهها الى الملك فيصل مستغلين سفره الى خارج الوطن في عام 1932. كما قامت بتحريض الانكليز على مار شمعون والرسائل التي بعثها مار شمعون لم تعرض على الملك ليتم الاطلاع عليها واتخاذ ما يلزم بشأنها ومن ضمنها رسائل اخفاها الملك غازي المعروف بحقده على الاشوريين وقسوته عليهم لانه كان حاقدا على الانكليز وكان يعد الاشوريين من صنيعة الانكليز وحيث ان فرمان المذبحة في سميل خرج بموافقته وهو بذلك يعارض مسبقا اي مشروع من شأنه ضمان حقوق الشعب الكلداني السرياني الاشوري.

ويوجه مار شمعون رسالة الى الملك مؤرخة في 4 حزيران 1933 وقد غادر الملك فيصل بغداد متوجها الى لندن يوم 5 حزيران 1933 حيث ان رئيس الديوان وبالاتفاق مع الحكومة تعمد اخفاء رسالة مارشمعون عن الملك فيصل ليقدمها بعد سفره الى الملك غازي وقد اوصى الملك فيصل ابنه الملك غازي ان يوافيه بما يستجد من اخبار يوما بيوم وان لا يوقّع امرا تقطعه الحكومة الا بعد عرضه على الملك وموافقته عليه. 

   

الا انه حجب عنه نوايا حجز مار شمعون وكذلك التخطيط للضغط على الملك فيصل باستقالة الحكومة ولم يعلم بهما الملك الا عن طريق الحكومة البريطانية ويسارع ويكتب الملك فيصل بتاريخ 23 حزيران بعد علمه بحجز مار شمعون ما يلي: لدينا من الاعمال ما هو اهم من قضية مار شمعون عليكم ان تحتفظوا باعتدالكم مهما كلفكم الامر " الملك فيصل

ويرسل الملك رسالة وبرقية مستعجلة اخرى الى رئيس الوزراء في نفس اليوم ويقول فيها: ان توقيف مار شمعون سيحدث ضجة في الصحف مما يخرب علينا الجو الصافي والموقع الممتاز الذي حصلنا عليه وسيهدم كل املنا.. عالجو امر مار شمعون بحكمة وصبر وابقوا جميع الاجراءات التي يجب ان تقوموا بها الى حين عودتي...  الملك فيصل

وفي 24 حزيران يتحايل علي جودت رئيس ديوان الملك فيصل على الملك في رسالة له مفادها ان وزير الداخلية يعود ويعدل عن الاستقالة ويصر على توقيف مار شمعون اذا غادر بغداد من دون اعطاء التعهد للحكومة... والمفهوم الواضح يصور علي جودت للملك ويوهمه بان مار شمعون غير موقوف والواقع ان مار شمعون في التوقيف منذ عشرين يوما مع ملاحظة اسلوبه المليء بالدهاء والبلادة والكذب والرياء.

ويذكر مار شمعون في رسالته الى وزير الداخلية في 4 حزيران وقد كانت جوابا على التلفيقات التي بثتها الحكومة من اجل اخفاء الحقيقة وايد هذه الاكاذيب الملك غازي وارسلها ببرقية الى الملك ومنها ان "مار شمعون وجه الى شخص الوزير كتابا شديد اللهجة واشبه بقنبلة منه بكتاب يوجه الى الوزير" والحقيقة تتبين من رسالة مار شمعون ما يلي:

سيدي الوزير:

اعلمكم عن استلام كتاب معاليكم... والمؤرخ في 28 مايس 1933 واني مع الاحترام اللائق اجيب على النقاط الضرورية:

"بخصوص مواجهتي لمعاليكم في الموصل بتاريخ 12 نيسان 1933 فهل لي ان أذكر معاليكم بالمحادثة التي جرت بعد ذلك اذ قال معاليكم بانكم تستهدفون خطة تعاون جديدة فيما يخص مشروع اسكان الاشوريين ويصدر كتاب بذلك الى المتصرف يطلب فيه استشارتي في جميع المسائل التي تمس الموضوع... ان السلطة الزمنية ممنوحة لي من قبل شعبي.. اذ يستبان لي بان معاليكم والحكومة قد اتخذاها بنظر خاطيء وخطير... وبهذه المناسبة فانني استغرب كثيرا على التدابير التي تنوون معاليكم اتخاذها تحت الظروف الحالية بان تطبقوا مثل هذا العمل والاجراء وانه لايطبق الا بحق احد العصاة.. واذن افلا يرى الوزير بتطبيقه علي هو اهانة لي ولشعبي.... اما بشان الزعم اني اتخذت موقفا معاكسا وسلبيا تجاه مشروع اسكان الاشوريين فان هذه النقطة ايضا كان معاليكم قد رفعها شفويا اثناء مواجهتي معاليكم في 31  ايار الماضي عندما طلبت اكثر من مرة بيان حقائق هذا الزعم وهذا الاتهام... اختم رسالتي بتقديم احترامي لمعاليكم واني ابذل المساعي لاقناع شعبي بالاستيطان وان يصبح عنصرا مفيدا في هذه البلاد كما كان حتى الان.. واذا توجد اية نقاط يود معاليكم ان يعلمها فاكون ممتنا الى الاجابة عليها لانني انوي مغادرة بغداد يوم 4 حزيران 1933 مساءا".

                                             المخلص لكم

                                            ايشاي شمعون

           

فالرسالة واضحة الدلالة على ادب كاتبها في مخاطبة الوزير واحترامه له وايضا على حسن مناقشة كاتبها للموضوعات التي اثيرت من قبل الوزير ومقارعته الحجة بالحجة بمنطق سليم وادب جم واسلوب هاديء رصين وانها واضحة الدلالة على رغبة كاتبها باستمرار الحوار والنقاش ويفسر مار شمعون توجهات الوزير ونياته في تدبير تهمة له واعتقاله بسبب مطالبته بالسلطة الزمنية التي رفضت الحكومة الاعتراف بها.

ولهذا فلا عجب ان يرفض الوزير العودة الى المفاوضة والحوار وان يدفعه التعالي والاعتزاز بالاثم الى اصدار امره المطاع باعتقال مار شمعون في بناية جمعية الشبان المسيحيين في بغداد وبمنعه من الخروج حتى يوقع التعهد المطلوب او يقدم للمحاكمة في حين ان الوزير لم يوجه اية تهمة معينة لشخص البطريرك والانكى من هذا والمبعث للاستغراب اعتقال اخت البطريرك وابيه وعمته معه.

لكي تتم خيوط الخطة كما دبر لها ولتكريس سيناريوالاعتقال قام الملك غازي بتلخيص للقائم بالاعمال البريطاني اسباب احتجاز مار شمعون فقال "ان مار شمعون حضر الى بغداد للمداولة مع وزير الداخلية حول موضوع... معاضدة مشروع الاسكان وعدم وضع العراقيل في طريق انجازه ولكن مار شمعون رفض ذلك الطلب وقد عد وزير الداخلية ذلك اهانة للوزارة فاراد ان يطبق القانون ضده". ولكن فات على الملك غازي بان الوزير لم يطبق القانون حيث ان القانون يطبق عن طريق المحاكم ولكن الوزير طبق احكاما تعسفية تنم عن الشوفينية والحقد المقيتين ومار شمعون لم يطلب سوى مزيدا من الوقت للحوار والمناقشة فهل عقاب ما اسماها الاهانة للوزير المتعالي هو حبس البطريرك مع اخته وابيه وعمته؟!.

         

ومعها بدات الصحف العراقية وبدعم من الملك غازي شخصيا يسانده فيها وزير الداخلية بنشر بيانات تنديد بالاشوريين وتوصفهم بالعصاة تارة وبالمتمردين تارة اخرى ويتشكل دعم جماهيري للبدء بتنفيذ مخططهم قتل وذبح والتنكيل بهذا الشعب. ويكتب الملك فيصل من لندن البرقية التالية الى الملك غازي الذي كان يراوغ ويبحث عن مبررات بقاء مار شمعون محتجزا فيقول في 25 حزيران:

ان بقاء مار شمعون مدة اكثر في بغداد يسبب تهيج الاشوريين واكثار الدعاية ضد العراق فان بقاءه يضعف الحكومة خارجيا ولذلك لا يجب ان تعطى قيمة كبيرة لعودته الى اماكن اقامته في الشمال... بلغوه شفهيا ان الحكومة لا تغير سياستها نحو الاشوريين وتنتظر منه ان يبرهن على اخلاصه... فاذا صدر منه اي عمل خلاف ذلك فالحكومة تكون معذورة باتخاذ ما تراه مناسبا بشأنه.     الملك فيصل

وفي هذه الاثناء الملك ياقو يقرر الرحيل والخروج من العراق باتجاه سوريا مع مجموعة من الرجال بلغت اكثر من 300 شخصا بسبب الاجراءات الشوفينية التي بدات بها الحكومة وبالخروج من الاطر السياسية المعمول بها في الحوار والمفاوضات والحكومة تستغل خروج الملك ياقو وتعده عصيانا مسلحا في حين انها اعطت الضوء الاخضر للاشوريين بالخروج ومبرر للشروع بعملية ابادة المسيحيين ويظهر ذلك في الرسالة التي وجهها رشيد عالي الى الملك بتاريخ 24 حزيران ويقول فيها:

ان عودة مار شمعون الى الموصل بدون التعهد سيؤدي الى اضطرابات تخل بالامن وتعرقل مشروع الاسكان فقد اتفق وزير الداخلية على ابقائه في بغداد ومنذ مدة نعالج الامر بكل ما يمكن من الصبر والحكمة.. ولاضطرار الوزارة من جهة اخرى على حفظ الامن وخاصة بعد ان اظهر ياقو مع مائتين من اعوانه العصيان المسلح وهم يتجمعون بصورة مستمرة على طريق دهوك العمادية وبوشر بالاجراءات ضد ياقو واعوانه لحملهم على ترك العصيان..          رشيد عالي الكيلاني

وهذه البرقية كسابقاتها قد شحنت بالمبالغة والتهويل وخاصة من موضوع الملك ياقو ولي المعلومات المفبركة عن مار شمعون.

الملك فيصل بدأ يحس بفظاظة اجوبة حكومته وخروجها عن اداب الخطاب والسلوك ومحاولة حجب الحقائق وتجاهلها مما يعني خروج الامر من بين يديه فيرسل الملك برقية مستعجلة من اجل عدم بقاء مار شمعون في بغداد وعدم اعطاء موضوع ملك ياقو حجما اكبر خصوصا ان التقارير الحقيقية كانت تصل للملك فيصل وهو على دراية بالمجموعة القليلة العدد التي قامت بالخروج من العراق الى سوريا والتي كانت ذريعة المواجهات اللاحقة. ويجتمع مجلس الوزراء في ديوان رئاسة الوزراء ويرسلون برقية جوابية للملك في 25 حزيران ويصرون على بقاء مار شمعون في بغداد وتهويل اكثر لموضوع ملك ياقو ويطالبون باتخاذ الاجراءات الحازمة ضد الاشوريين والذين اسماهم في البرقية بالعصاة.. والاهم في البرقية ان الحكومة اظهرت نواياها لتحفيز الشارع العراقي ضد المسيحيين وخصوصا لدى بعض العشائر العربية والكردية المعروفة بحقدها على الاشوريين.

وفي البرقية يقول رشيد عالي:

لم يقم لحد الان اي صدام لازلنا نعالج القضية بالحكمة ولانلجأ الى استعمال السلاح قبل اقدام العصاة عليه متخذين التدابير اللازمة لحمل العصاة على ترك العصيان وضعنا قوي ولا يوجد ما يستوجب القلق كونوا مطمئنين..          رشيد عالي

ويظهر من البرقية ان الحكومة بحاجة الى شرارة لتشعل المعركة المنتظرة ولهذا قامت وزارة الدفاع بارسال قوة كبيرة الى اماكن تجمع الاشوريين بدءا من سميل والى الحدود العراقية السورية والتركية لمقاتلة والقاء القبض على الملك ياقو وكما اسماهم البيان الحكومي "بالمتمردين العصاة".

      

 

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links