ماذا
يعني مفهوم القيادة الجماعية في العمل السياسي..؟
خوشابا سولاقا
منذ ان ظهرت التكتلات والاحزاب السياسية لغرض
التصدي للانظمة الامبراطورية والملكية الاستبداديةالتي كانت فيها السلطة
متمركزة بايدي الاباطرة والملوك بصورة مطلقة ولم يكن هناك صوت لجماهير
الشعب بل كانت الشعوب تعتبر جزءاً من ممتلكات الحاكم المطلق ظهرت الحاجة
الى ضرورة وجود قيادات جماعية تمثل قرار جماهير الشعب من خلال تلك التكتلات
والاحزاب السياسية الناشئة لغرض اعادة بناء هياكل سلطة الدولة على اساس
القيادة الجماعية المنتخبة عن طريق انتخابات حرة ديمقراطية على النقيض من
سلطة الدولة الملكية الاستبدادية. ولاجل الدخول في توضيح مفهوم القيادة
الجماعية سواءا كان على مستوى الاحزاب والحركات السياسية او على مستوى
ادارة سلطة الدولة لابد لنا من تقديم تعريف وشرح لمفهوم القيادة الجماعية
او القيادة بشكل عام.
القيادة معناها التحكم في المواقف، اي التحكم في الناس في النهاية، بقرار
له سلطة الالزام على الاخرين، فمثلا قبطان السفينة هو قائدها الذي يتحكم في
مسيرتها في البحر بقرارات ملزمة التنفيذ لموجهي الدفة والسرعة وخط السير،
ويتحكم في ركاب السفينة في طول البحر وعرضه بقرارات ملزمة التنفيذ لكل واحد
منهم. ومن هنا فالقيادة بشكل عام تعني امرين اساسيين لابد من توفرهما هما:
"القائد والقرار الملزم".
هنا قد يكون القائد
فردا وقد يكون جماعة من الافراد المتساوين في الحقوق والواجبات ولذلك
فالقرار القيادي قد يكون قرارا فرديا وقد يكون قرارا جماعيا. وقد دلت تجربة
التاريخ وعبرته على ان القرارات المتعلقة بمصائر امم وشعوب ينبغي ان تكون
قرارات جماعية عن قيادة جماعية، حيث لا يوجد فرد لوحده منزه عن الخطأ او
معصوم منه ولا يصيبه الزلل. ومع انه من الممكن ان نقول ايضا انه لا توجد
جماعة منزهة عن الخطأ او معصومة منه وانها لا تقرر الا الصواب وما هو خير
للامم والشعوب، فان من المسلم به وعن التجربة الانسانية الغنية، ان
احتمالات الخطأ تقل قلة مطردة مع جماعية القيادة وتزداد مطردة مع فردية
القيادة واذا استعرضنا تجارب الشعوب والامم في العالم نجد مدى صواب هذه
النظرية. وان جماعية القيادة لا تلغي دور الفرد بشكل نهائي بل تشجع
المبادرة الفردية في طرح الافكار وتنافسها من خلال حوار ونقاش داخل القيادة
الجماعية وتغليب رجاحة الرأي والفكر الصائب لاعتماده جماعيا بعد اقراره عن
قناعة من قبل الاغلبية في القيادة، وهذه الرجاحة لا تعطي الحق او التخويل
لصاحب الرأي الراجح بالتسلط او الانفراد بالقيادة مستقبلا والانحراف عن خط
السير للقيادة الجماعية.. ان جماعية القيادة ليست مسألة عددية، ان عدد
المشتركين في القيادة الجماعية لا يكفل في حد ذاته جماعيتها الحقيقية
وجماعيتها الفعلية ولقد شاهدنا في التجارب التاريخية المعاصرة للامم
والشعوب عبر العالم قيادات كانت كثيرة العدد ولكنها فعليا وعمليا لم تكن
جماعية، وانما كانت فردية خالصة، بل وفردية متسلطة ومستبدة معبودة،
وبالتالي تحولت تلك القيادة الى اشبه ما تكون بالقيادات الملكية المستبدة
ان لم تتفوق عليها في استبدادها وقمعها وارهابها لشعوبها وخير مثال على ذلك
ستالين ومن تلاه في القيادة السوفيتية وغيرها من بلدان المعسكر الشيوعي
والنظام الكمبودي في ظل بول بوت ونظام الرئيس المصري جمال عبد الناصر ونظام
صدام حسين وغيرهم الكثير من الانظمة في الوقت الحاضر..
ولهذا فان تحقيق جماعية
القيادة يقتضي توفر شروط من اولها، ان يكون المشتركون في القيادة متساوين
مساواة فعلية لا اسمية في الحقوق والواجبات، والا يفرض عليهم واحد منهم اي
نوع من الارهاب المعنوي او الفكري او المادي لامتلاكه سلطة لا يمتلكها
الاخرون كالامناء العامين للاحزاب السياسية او رؤسائها، وان يتخذ القرار
بعد المناقشة الحرة الصريحة والحوار الديمقراطي المستنير المدعوم والمزود
بكل الحجج والحقائق، وان يكون قرار الاغلبية ملزما للاقلية تدافع عنه
وتنفذه بدقة وجدية عالية على جميع المستويات الاخرى وعدم التبشير برأيها
"رأي الاقلية" دون ان تتنازل تنازلا تعسفيا عن رأيها هذا في مستواها
القيادي، وان تتاح لها الفرصة الكاملة والحرية التامة دائما للدفاع عن
رأيها في مستواها لحين ان تثبت التجربة العملية في الميدان عن صواب او خطأ
رأيها عندئذ عليها وعلى الطرف الاخر اعادة النظر بأرائها وتبني الرأي
الصائب ووضع الرأي الاخر على رف التاريخ للاستفادة منه كتجربة من تجارب
العمل السياسي الديمقراطي.
|