|
التعليم السرياني – روح وحياة في حرف وشعب
وديع بتى حنا
اثناء الحملة الدعائية لإنتخابات البرلمان
الاوربي الاخيرة , كان لنا موعد بعد صلاة القداس الالهي مع احد المرشحين من
ابناء شعبنا في السويد لشغل احد مقاعد عضوية البرلمان الاوربي ممثلا للحزب
الديموقراطي المسيحي السويدي , وحقا كان الرجل رائعا في بسط ارائه ونشاطاته
ومشروعه , مستخدما اللغتين السويدية والسريانية , كان قلب مشروعه يكمن في
تعريف الرأي العام الاوربي و بالتالي الدولي بالمذابح التي تعرض لها شعبنا
الكلداني السرياني الاشوري في بدايات القرن الماضي على يد الدولة العثمانية
, ( الرجل ) الذي كان قد اصبح حينذاك ( مريضا ) مع الجميع و ( عنترا ) فقط
على شعبنا المسالم بشموخ ! , و عرًج المرشح على جهوده وجهود الاخرين في
العمل المتواصل لانتزاع قرار اوربي يفضي الى اعتراف رسمي من الحكومة
التركية في مسؤولية تركيا الحالية , كوريثة للدولة العثمانية السابقة , عن
تلك الجرائم والمذابح ومحاكاة الجهد الذي قطعه اشقائنا الارمن في هذا
المجال والذي بلغ شوطا كبيرا . عندما لاحظ المرشح على بعض الوجوه صورة من
اليأس وعدم الاقتناع , في جدوى المقارنة مع جهد الاشقاء الارمن بعد هذه
النوبة من السبات العميق , عمد الى تأكيد افكاره , واستنهاض همم سامعيه ,
في مزحة طريفة تركت في الحضور حالة من النشوة والامل , فروى كيف ان رجلا
سريانيا كان واقفا على شرفة شقته في احدى العمارات السكنية , فوقع نظره على
رجل يهودي يخطو في الشارع , مرتديا قلنسوته , اسرع السرياني خارجا من بيته
ليلحق باليهودي ويوجه له لكمة مفاجئة , استغرب اليهودي الفعل فقال للسرياني
: ويحك ماذا دهاك ايها السرياني المجنون ؟! , اجاب الاخير : ألست يهوديا ,
قال نعم , اضاف السرياني : ألم تصلبوا المسيح ؟ , اجابه اليهودي : ولكن ذلك
حدث قبل الفي عام , قال السرياني له وبثقة بالنفس : انني عرفت بالامر اليوم
! . صفق جميع الحضور بقوة لهذه النكتة الطريفة , ودعاهم المرشح الى
الاندماج بالجهد اقتداءً بذلك السرياني الغيور البسيط , والايمان بان رحلة
الألف ميل تبدأ بخطوة.
تلقيت
اثناء تواجدي في الوطن في الاسابيع الماضية دعوة كريمة لحضور احتفال تخرج
صف التعليم باللغة السريانية في احدى مدارس برطلة , وبينما كنت استمع الى
الكلمات والاناشيد والفعاليات التي تضمنها الاحتفال ذهبت الذاكرة بي الى
قصة الندوة الانتخابية السابقة الذكر والنكتة الطريفة الحكيمة فيها , حيث
اننا امام برعم فتي ينبغي لنا جميعا ان نرعاه بالماء , ونحميه من العواصف
, ولانبخل عليه بالسهرفلا تمتد يد الشر اليه , كما يجب ايضا ان ننتقده
ونوبخه بلطف , و أن يكون هنالك انتباه دائم لتنقية وتنظيف الارض المحيطة
بالبرعم فلا تكون , فقط , عالة عليه , بل تعطي له بكل سخاء وبالتالي يكون
حلالا ما تناله منه .
ان
المعلم والتلميذ والبيئة التعليمية ( المدرسة بادواتها والبيت كجهد ساند )
, هؤلاء جميعا هم اذرع العملية التعليمية التي بتعاونها وتكافلها يمكن ان
نصل الى الهدف المرتجى من التعليم , وعندما يتعلق الامر بالتعليم السرياني
فان على المعلم والمدرسة والبيت مسؤولية اخلاقية اضافية , كون التعليم هذا
هو احد العوامل الاساسية في المحافظة على وجود هذا الشعب ومستقبله واماله
وطموحاته , وتتجسد هذه المسؤولية في ايصال التلميذ الى حالة من الشعور
بالحب والزهو من تعلمه لغة شعبه , فتكون اللغة السريانية , لمن يتعلمها
كلغة الى جانب اللغات الاخرى , هي فعلا مادة اساسية لاتقل اهمية عن اللغات
والمواد الاخرى . لقد علمت ان التلاميذ في المراحل الدراسية المبكرة قد
قطعوا شوطا طيبا في تعلم اللغة السريانية مقارنة باقرانهم في الصفوف
المتقدمة بسبب قابلية الطفل المتميزة في سرعة قبول المعلومة , وهكذا ربما
يكون مفيدا في المستقبل المطالبة بادخال مادة اللغة السريانية كمادة اساسية
في امتحانات ( البكلوريا ), فتأخذ هذه اللغة موقعها الذي تستحقه ضمن
المناهج والمواد الدراسية , كما قد يؤدي هذا الى حصول ابنائنا على مكاسب
ذاتية شخصية في المعدل النهائي العام , كما يحقق اقرانهم في الوطن ذات
المكاسب من خلال مواد اخرى كالدين واللغة الكردية مثلا .
ان مؤسساستنا الدينية والسياسية والثقافية
والاجتماعية مدعوة الى جهد مشترك , يترفع عن كل التجاذبات المذهبية
والسياسية والمناطقية الضيقة , يضمن الوصول الى مادة دراسية ومنهج وكتب
تكون قاعدة اساسية لوحدة شعبنا وتحترم في الوقت ذاته كل الخصوصيات بالوانها
المتعددة , كما ان على هذه المؤسسات القيام بحملة كبرى ومتواصلة لتطوير
الكوادر التعليمية التي تم اختيارها للقيام بمهمة التعليم السرياني ,
لتُصبح مؤهلة للقيام بواجباتها , بعد ان رافق هذا الاختيار بعض السرعة
والتغاضي عن الشروط بسبب ضرورات الانطلاق في التجربة . تجدر الاشارة الى
ضرورة ان يجتاز معلم ومدرس اللغة السريانية في المستقبل القريب مراحل
الدراسة الاكاديمية المطلوبة ليتمكن من اداء رسالته بنجاح , وهنا يكون ربما
ايضا مفيدا ان تُسخٍر ممثلياتنا السياسية والدينية في الحكومة الاتحادية
والبرلمان الاتحادي و حكومة وبرلمان الاقليم كل طاقاتها بما يؤدي الى
العمل على افتتاح قسم جديد للغة السريانية في جامعة الموصل او جامعة صلاح
الدين , في اربيل , على غرار القسم الموجود في جامعة بغداد , فيلبي حاجة
الثقل السكاني الكبير لشعبنا في الموصل و سهل نينوى واقليم كردستان . وتبقى
كلمة الحق التي يجب ان تُقال , بل يُصبح من الإجحاد خنقها , هي تحية
التقدير والعرفان للجميع باسمائهم , احزابا ومؤسسات وشخوص , لكل من ساهم في
وضع لبنة واساس هذه التجربة , ولكل من يساهم اليوم في اغنائها وتطويرها ,
وقطع على نفسه عهد التزامها , مشروعا قوميا و وطنيا عظيما ينفض الغبار عن
حرف مجيد مقدس على الرفوف , ويُسلط الضوء وجرعة من الحياة على شعب اصيل ,
نبيل . . .
|
|
|