حذاري ...من  السقوط في فخ التسميات والمصطلحات..؟

 

 

                                               نمرود سليمان

           إن حرب المصطلحات كما يثبت التاريخ لا تقل شأناَ وتأثيراَ ونتائج سياسية، عن الحروب العسكرية والسياسية والأقتصادية، وحرب المصطلحات قائمة منذ أيام سقراط وأرسطو إلى يومنا هذا، وغالباً ما تُشن هذه الحرب من قبل الدول الكبرى ضد الصغرى، وتشنها أيضاَ القوميات الكبرى ضد الصغرى ، وبإعتبار قضيتنا قائمة في الشرق الأوسط ومركزها في العراق ، نورد بعضاْ من الامثلة لإيضاح ذلك.

بعد التواجد الإسرائيلي في فلسطين ظهرت تسميات ومصطلحات من قبل الدول الكبرى، تفاعل معها العرب عاطفياَ ورغبوياً وبمرور الزمن دفعوا أثماناَ سياسية كبيرة لهذه الحرب ((حرب المصطلحات))

1- تسمية الدول العربية المحيطة بفلسطين بدول (الطوق) والغاية من هذا الشعار توجيه رسائل إلى الرأي العام العالمي مفاده: إن العرب يطوقون اسرائيل من كل حدب وصوب. مسكين هذا الشعب المطوق وعلى الجميع مساعدته، وبما أن الفكر العربي تفاعل مع هذا المصطلح، فظهرت شعارات متطرفة في مرحلة هذا المصطلح مثل "سنرمي اليهود في البحر"، "نريد فلسطين من الماء اإلى الماء".

لم يوافق العرب على قرار التقسيم عام 1948.

لقد ناضل العرب بهذه الشعارات خلال عشرات السنين وقدموا آلاف الضحايا لأجلها، وجندت الدول العربية قاطبة جماهيرها للتفاعل مع القضية الفلسطينية، ومن حقنا ان نطرح السؤال التالي: ماذا حصد العرب؟ وعلى ماذا حصل الفلسطينيون بعد هذه المرحلة التاريخية من النضال؟

إن الصراع الفلسطيني تحول إلى الداخل "صراع بين الضفة وقطاع غزة"، "أو صراع فتح وحماس" وأصبحت أقصى المطاليب الفلسطينية إيقاف الإستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة 1967.

عزيزي القارئ: قارن بين شعار سنرمي اليهود في البحر، وبين المطلب الفلسطيني إيقاف الاستيطان إن هذه المقارنة هي نتيجة سياسية لحرب المصطلح "دول الطوق"

2- إسرائيل تسمي جيشها "جيش الدفاع الاسرائيلي" إن هذه التسمية أو المصطلح تعني "حرام هذه الدولة مظلومة" لذا تريد الدفاع عن نفسها فأنشأت جيشاٍ سمته جيش الدفاع، اما الجيوش العربية: كانت تقودها وزارات سمتها وزارة الحربية أو هيئة أركان الحرب، ومن خلال التسمية يستنتج المستمع بأن الجيوش العربية تريد الحرب بشكل دائم، ولكن في النتيجة السياسية نلاحظ بأن جيش الدفاع احتل مرات عدة أراضٍ عربية، وهيئة أركان الحرب العربية لم تستطع فعل شيْ. وهناك العديد من حرب المصطلحات الأخرى في أماكن عديدة ولا مجال لذكرها، نتمنى أن نوردها مستقبلاً.

لذا سنعود إلى موضوعنا مكتفين بهذه المقدمة البسيطة لإيضاح ما نرمي إليه.

بعد جريمة كنيسة سيدة النجاة وما أعقبها من تداعيات سياسية داخل العراق وخارجه، تكاد تكون مرحلة ما بعد جريمة الكنيسة مختلفة عما قبلها، مرحلة جديدة ومفصلية لشعبنا الكلداني – السرياني – الاشوري، وتفاعل الرأي العام العربي والعالمي ولأول مرة في التاريخ مع قضايا شعبنا، وهي المرة الأولى التي يتفاعل معها البرلمان العراقي ويتخذ قرارات هامة بشأن قضيتنا، وذلك من خلال اللجنة التي شكلها يوم 23/11/2010 وفي أول جلسة برلمانية، كما أن المظاهرات التي قامت في أغلب الدول الأوربية والأمريكية، كان لها فعل سياسي كبير، وربما تكون وحدة احزابنا في الموقف السياسي من قضية شعبنا هي الأولى من نوعها "الاجتماع الذي عقد في اربيل وضم 12 حزباً".

في هذه اللجة الإعلامية والسياسية تم تسويق مصطلح "المحافظة المسيحية" وتفاعل شعبنا مع هذا المصطلح بشكل كبير جداَ، ولكن لنبحث متى ظهر هذا المصطلح.

في بداية التسعينات من القرن الماضي، وبعد حرب الكويت وتحرير شمال العراق من النفوذ الصدامي، تم طرح هذا المصطلح من قبل الإخوة الأكراد ولأسباب سياسية وتاريخية سنحاول تناولها في هذا المقال، ولكن "زوعا" كان يقظاً من هذا المصطلح في التسعينات، كان القياديون في الحركة الديمقراطية الأشورية يقولون نعم نحن مسيحيون ولكننا أشوريون.

في زيارته الأخيرة إلى باريس ممثلاً لحزبه في مؤتمر الأشتراكية الدولية، وليس رئيساً للعراق، قال جلال الطلباني في رده على الصحفيين بعد سيل الاسئلة التي تم طرحها حول معاناة المسيحيين: لا مانع لدينا من إقامة محافظة مسيحية، نحن متأكدون بأن الطالباني سيكون مع محافظة مسيحية إذا تم اقرارها من قبل البرلمان العراقي المخول بذلك القرار، ويكون معه أغلب المسؤولين العراقيين ولكن عندما تنتقل التسمية أو المصطلح من الأشورية إلى المسيحية، يؤدي بمرور الزمن إلى النتائج التالية:

1- يتم من خلال المصطلح سرقة خمسة الاف عاماً من تاريخ العراق وهو التاريخ الذي حكم فيه شعبنا وبنى امبراطورية وتاريخ ولإيضاح هذه السرقة نقدم هذه المسألة البسيطة.

المسيحية عمرها 2010    الأشورية عمرها 6760    إذا قمنا بعملية طرح بسيطة للرقمين سيكون الفارق 4750 عاما، لمصلحة من ضياع 4750 عاما؟

2- تحول تسمية أو مصطلح المسيحية، الشعب الأشوري من شعب يملك قوة الحق التاريخي في العراق إلى جالية مسيحية يجب مساعدتها.

3- يتحول شعبنا من أقدم مكون أساسي وأصيل إلى مكون قادم بعد المسيحية لأنك لا تستطيع القول على سبيل المثال بأن نينوى وبابل ونوهدرا ... الخ كانت مدناً مسيحية لأن تاريخها قبل ذلك بـ4750 عاماً.

4- من خلال مصطلح أو تسمية "المسيحية" يتم القضاء على كل الآثار الأشورية الموجودة في العراق وغيره من بلد ان الشرق الأوسط، لأن المسيحية لا تستطيع امتلاك هذه الآثار، ولا يوجد جواب على سؤال؟

كيف تملك أثاراً في منطقة لا تتواجد فيها من 4750 عاما.

5- ربما المرحلة التاريخية التي يمر بها العراق تسمح بهذه التسمية، ولكن ماذا إذا تغيرت معادلات العراق السياسية في مرحلة قادمة.

6- إن تسمية محافظة مسيحية هي بمثابة دعوة لكل عربي للوقوف ضدها، لأنها تساهم في تجزئة العراق وتطبيقها يدفع بالأخوة اليزيديين والصابئة والفيليين ... الخ، إلى المطالبة بنفس الشيء، ومن ناحية أخرى يفسرها القادة العرب بأنها ستنتقل إلى بلدانهم مثل سورية ومصر والأردن ...

وأخيراً يجب القول: إننا نحترم المسيحية والاديان الاخرى لأنها تملك مفاهيم مقدسة وهي علاقة بين الإنسان وربه، ولكن إذا اقتحمت في السياسة فإنها تدخل في إشكالية بين نفسها من جهة، وبين حقوق المواطنة من جهة اخرى. لأن التعاليم الدينية لا تقبل التغيير كونها مقدسة وصالحة لكل زمان ومكان، بينما السياسة تعيش حالة تغييرية بشكل دائم لذا لا يمكن الجمع بين الثابت والمتحرك.

وأوجه في نهاية هذا المقال رجاء إلى قادة الأحزاب والمؤسسات بكل ألوانها أن يدرسوا هذا الموضوع برأس بارد وقلب حار، لأن السقوط في فخ التسميات والمصطلحات لا يرحم.

 

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links