شراكة وطنية... ام عودة الـى المحاصصة بتسمية اخرى...؟

 

 

                                              خوشابا سولاقا

              ان فترة ثمانية اشهر من عمر مجلس النواب العراقي التي ضاعت بسبب التهريج السياسي الذي مارسته النخب السياسية العراقية او بالاحرى القيادات السياسية لهذه النخب بغرض تحقيق مكاسب شخصية وحزبية من خلال كتلهم البرلمانية على حساب المصالح الوطنية العليا وترك البلاد في حالة من الفراغ السياسي والفوضى، في الحقيقة انها قضية تستحق الوقوف عندها طويلا وتأملها بشيء من التأني والتروي ومناقشتها وتحليلها وتناولها من جميع الجوانب بشيء من الحكمة والعقلانية لكي نستطيع الوقوف على الاسباب الحقيقية لتأخر تشكيل الحكومة، من المؤكد سوف نكتشف ان غياب الشعور الوطني والولاء الوطني الحقيقي وتقديم المصلحة الوطنية على المصالح الحزبية والفئوية والشخصية لدى النخب السياسية المتمثلة في البرلمان يأتي في مقدمة تلك الاسباب اضافة الى انعدام الثقة المتبادلة بينها الذي يعزز من توسيع هوة الخلافات المصطنعة فيما بينها، حيث كلما تمكن هؤلاء من تجاوز نقطة خلافية اصطنعوا نقطة خلافية جديدة ليختلفوا عليها من جديد والعودة بالامور الى نقطة البداية اي الى المربع الاول كما اصبح يردد هذا المصطلح من قبل جميع هواة السياسة في هذه الايام.

ان الذي جرى بين القوى السياسية بعد الانتخابات اعطى مؤشرا سلبيا ومتشائما حول مصير العملية الديمقراطية في العراق واصبح هذا المصير على كفة عفريت ان لم نقل اصبح في خبر كان، اي ان العملية الديمقراطية قد وئدت عمليا على ارض الواقع قبل ولادتها، لان ما حصل وما تمخض عن تلك السجالات والمناكفات السياسية العقيمة خلال فترة ثمانية اشهر تحت غطاء التفاهمات والتوافقات والتوازنات السياسية لتقسيم السلطة فيما بين هذه القيادات لايعني شيئا في لغة السياسة والمنطق السليم إلاّ العودة الى نظام المحاصصة الطائفية والعرقية ولكن بتسمية جديدة ألا وهي الشراكة الوطنية لان كل شيء بقي على حاله في تشكيل الرئاسات الثلاث من دون اي تغييرات تذكر، وكل الدلالات الاولية تؤشر بشأن تشكيل الحكومة المقبلة انها لن تكون بأحسن حال من ذلك، اي ان الحكومة الجديدة تكون حكومة المحاصصة كما كانت وستكون بالتأكيد حكومة كسيحة هشة البنيان وضعيفة وغير قادرة على النهوض بالمهام الوطنية الكبيرة التي يتطلبها إعادة بناء العراق في هذه المرحلة العصيبة من حياته لتجاوز محنته والتصدي للتحديات النوعية التي يواجهها، حيث الارهاب ينشب مخالبه بقوة في كل مفاصل الدولة والمجتمع والدم العراقي يسيل بغزارة في كل بقعة من ارض العراق دون توقف، وفقدان الامن والامان والسلم الاهلي اصبح كابوساً وطنياً يعاني منه المجتمع، والفساد المالي والاداري يعصف في كل مفاصل اجهزة الدولة الرسمية، والخدمات المختلفة شبه غائبة، والبطالة متفشية بين فئات الشباب من خريجي الجامعات لسنوات طويلة وبين كل شرائح المجتمع العراقي، والبنى التحتية للاقتصاد الوطني مدمرة ومنهارة، والانفتاح على دول الاقليم والمحيط العربي والعالم الخارجي يكاد يكون العراق معزولاً عنها، واطماع وتدخلات دول الجوار في الشأن العراقي في تزايد من يوم الى اخر، والبلاد مازالت ترزح تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة، واستقلاله وسيادته اصبحا بحكم ذلك مرهونين بالارادة الاجنبية، وغير ذلك الكثير من مثل هذه التحديات الكبيرة وبالمقابل نجد قادة النخب السياسية العراقية مشغولة ليل نهار بأيجاد ووضع الآليات الكفيلة للخروج بالعراق من مأزقه كما تدعي نهارا جهارا، واقامة الحصون الكونكريتية حول مقرات عملها واقامتها لتمكنها من مواجهة كل هذه التحديات..!! ياللغرابة والمهزلة في هذا المنطق السياسي السقيم.

ان ما جرى اخيرا من توافقات ماهي الاّ الغاء لارادة الشعب العراقي، اي بمعنى اخر الغاء نتائج الانتخابات البرلمانية وعدم اعتمادها في عملية تداول السلطة سلميا كما يوصي الدستور الذي بدوره أصبح كالعجينة تتلاعب به اصابع وارادة الاقوياء وتصنع منها ما تشاء وتلغي ما تشاء حسب اهوائها السياسية ومع الاسف الشديد كان القضاء العراقي من خلال المحكمة الاتحادية الوسيلة التي اعتمدت في اجراء عملية التلاعب والعبث بالدستور حسب مشيئة وارادة هؤلاء البعض من الاقوياء المتنفذين في مراكز صنع القرار السياسي العراقي. اي بعبارة اخرى ان القضاء قد سيس بأمتياز لصالح البعض ضد البعض الاخر بصورة انتقائية خلافا لمضامين الدستور والارادة الشعبية التي افرزتها الانتخابات، ولذلك يتحمل هذا القضاء من وجهة نظرنا كامل مسؤولية ما حصل من فراغ في السلطة السياسية خلال هذه الفترة الطويلة من عمر البرلمان وتأخير تشكيل الحكومة وما ترتب على ذلك من التداعيات على كل المستويات السياسية والامنية والاجتماعية والاقتصادية وتفكك آواصر الوحدة الوطنية خلال هذه الفترة، حيث كان من المفترض بالقضاء ان يبقى مستقلاً ومحافظاً على حياديته وبعيداً عن الاجندات السياسية للنخب السياسية المتصارعة على كراسي السلطة وحامياً للدستور وبالتالي حامياً للعملية السياسية الديمقراطية في العراق وان يكون الخيمة التي يحتمي بها جميع العراقيين وليس العكس... وانطلاقا مما تقدم واسترشادا بتجارب الاخرين في التأسيس لحياة برلمانية سليمة وراسخة لابد ان نعرف ونقر بأن مفهوم الحياة البرلمانية الحقيقية اقل ما يعنيه في الدولة التي تأخذ من الديمقراطية نهجاً لها ولا اقول في الدولة الديمقراطية، هو ان تكون هناك اكثرية سياسية غير اقصائية حاكمة واقلية معارضة ايجابية "حكومة الظل" كما هو الحال في الدول الديمقراطية كافة، وغياب مثل هكذا وجود لا يعني وجود البرلمان كجهة وسلطة تشريعية ورقابية.

اما التسويغات التي تسوقها النخب السياسية العراقية لشرعنة الحالة التي وصل اليها البرلمان العراقي وربط ذلك بالوضع العراقي الاستثنائي فأنها المهزلة بعينها وان هذه التسويغات لا تقنع حتى مروجيها ومسوقيها، لآن استمرار هذه التفاهمات والتوافقات والتوازنات على هذه الشاكلة حول تقسيم السلطة وتوزيع المناصب يعني استمرار الاوضاع الاستثنائية وترسيخها واعادة انتاجها بعد كل دورة انتخابية لاعضاء مجلس النواب والعودة بالنتيجة الى المربع الاول من مسيرة بناء الدولة الديمقراطية الحديثة التي نحن بصدد بنائها وترسيخها في العراق الجديد..

بينما بناء الحياة البرلمانية الديمقراطية القائمة على اساس الاكثرية غير الاقصائية الحاكمة والاقلية المعارضة الايجابية تحت حماية الدستور الوطني وبرعاية القضاء الوطني المستقل غير المسيس هي وحدها الكفيلة بأخراج البلاد من تحت طائلة الظروف الاستثنائية الى فضاء الاستقرار بكل اشكاله والوانه وبناء الدولة الديمقراطية الحديثة دولة المؤسسات الدستورية حيث تسود فيها العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص وحكم القانون وسيادته على الجميع دون استثناء وليس دولة المكونات الطائفية والعرقية... وعليه فأن نقطة البداية في المسيرة لتصحيح مسارات العملية السياسية الجارية هي، تعديل الدستور وجعله دستوراً وطنياً عراقياً شاملاً لايميز بين العراقيين على اساس العرق والدين والطائفة والجنس ولون البشرة والشعر والعمر بعيداً عن المحاصصة بكل اشكالها والوانها اولا، وتأسيس قضاء عراقي مستقل نزيه غير مسيس وحامياً للدستور ثانيا، وتغيير شكل النظام السياسي الحالي اي النظام البرلماني الحالي الى نظام سياسي رئاسي لكونه يلائم طبيعة وتركيبة الوضع العراقي من حيث تعدد مكوناته العرقية والدينية والطائفية، ولان مثل هكذا نظام يضمن وجود الاكثرية الحاكمة والاقلية المعارضة في البرلمان ثالثا وبذلك تستقيم الحياة البرلمانية الديمقراطية الحقيقية، وعندها فقط يكون ممكناً تأسيس حياة برلمانية ديمقراطية تأتي بها نتائج الانتخابات التي تعكس سلطة الشعب وارادته وقراره، وعندها فقط تبدأ بداية النهاية للوضع الاستثنائي الذي يعيشه الشعب العراقي واعادة بناء الوطن واعماره من اقصاه الى اقصاه دون كلل او ملل وتتكاتف الجهود الخيره لكل العراقيين الوطنيين المخلصين الشرفاء للانجاز التاريخي في بناء صرح العراق المتطور الزاهر المتقدم واعادة امجاده ودوره التاريخي في اغناء الحضارة الانسانية كما فعل اباؤنا واجدادنا عبر سبعة الاف سنة من عمر المسيرة التاريخية لبناء  الحضارة الانسانية حضارة وادي الرافدين العريقة. واخيراً نقول يجب ان يعود العراق عاجلا او أجلا الى مكانته التاريخية بين أمم الارض كما كان في الماضي.

 

 

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links