|
سُميًل – إنهم أحبًوا وبعض الحُبٍ ذبًاحُ
وديع بتي حنا
منذ قرون وقرون , ومذ إختار شعبنا, الكلداني السرياني الاشوري , الحب
والسلام , إيمانا وعقيدة دينية , اصبح الصليب وطريق الألام عنوان حياته,
وباتت المعاناة اختصاصه العام والدقيق. يُبدع شعبنا في وصف ألامه ومعاناته
لانها جزء منه وهو جزء منها , ولاخير في مَن لايجيد إختصاصه. شعب ما أروعه
وما أسماه , يُجلد ويُساق لقرون الى المحاكم والمجامع , يُعيًر باطلا ,
ينال البصق والضرب والطرد والصلب , ولايتنازل قيد أُنملة عن مبادئه , بل
يعيد كل ماسبق الى اصحابه, ويلقي جمرة النار على رؤوسهم , وهم يشاهدونه
يغتسل بجروحه , يقف شامخا على عود صليبه , مترفعا عن النظر اليهم , تحلٍق
عيناه في زرقة السماء , يستهزئ ( ببطولاتهم ) , يضرم صوته النار في احشائهم
, فيسقطون على وقع صداه وهو يجلجل ( إغفر لهم , إنهم لايعرفون ماذا يفعلون
)!.
يقينا كثير غيري , عندما كان صغيرا لايعي الحياة جيدا , وجد نفسه في ذات
الموقف , حائرا دائخا امام أهات وتأوهات كبار السن الذين شاءت الصدف ان
يكون حاضرا في مجالسهم واحاديثهم عندما تُذكر ( سُميًل ) , وعند المبادرة
بالسؤال عن الذي حدث في ( سُميًل ) , كنا نسمع سريعا جوابا مقتطفا في ان
مذبحة لشعبنا قد كانت المدينة مسرحها . كان اهلنا يعتقدون ان عدم سرد
تفاصيل الجريمة , باحداثها الدقيقة , هو ضرورة تتماشى مع قواعد العصر
المتبعة حاليا في منع الاطفال من مشاهدة افلام الرعب والجريمة والأكشن التي
لاتتناسب مع أعمارهم . ولكن كلمة ( المذبحة ) كانت كافية حقا لتُشعل الرغبة
في البحث والقراءة والسؤال والمناقشة في كل ماحدث , بل أصبحت ( سًميل )
احدى القبل التي تشخص العيون صوبها , وباتت اسماء عناوين مرتكبي الجريمة
فيها نذيرا بالشؤم ومدعاة , حال النطق بها حتى ولو كان ذلك من قبيل الصدفة
, للاصابة بفقدان الشهية. اتذكر لحد الان كيف كان الغضب والصلابة تتطاير
شذرا على وجه اخ وصديق اشوري وهي تمتزج بالألم الذي يعتصر قليه , ويده تحيط
بقدح الماء وكأنها تنوي عصره , وهو يقول ( إن كنت تبغي معرفة احاسيسي
ومشاعري اتجاه مرتكبي مذبحة سميًل فعليك بسؤال احد الاخوة الشيعة عن حاله
عندما يُذكر يزيد ). حقا , في ( سميًل ) تأمرت اطراف واطراف , قوى الشر من
كل فجٍ عميق , إجتمعت ( على الله ومسيحه ) . في ( سميًل ) لاتجد صعوبة في
تشخيص ( إبن الاسخريوطي ) وهويتكلم لغة جديدة وقد باع سيده الى صالبيه ,
دون ان يفكر قط بعد ذلك في ان يعاقب ويشنق نفسه . ولكن في ( سميًل ) , كما
هو الحال دوما , انتصر الدم البرئ المهدور وصرعت الجُبًة الكهنوتية المهانة
فلسفة عنترة العبسي , وسيفه , ورمحه , وماتمنطق به. في ( سميًل ) تعلًمْنا
ان قتل المبادئ , بالنسبة لشعبنا , لايمكن ان يقبل ان يتم إلا على جثة
الحياة , فتروي بالدماء الزكية تربة المبادئ , فتورق , وتزهر , وتُثمر من
جديد , وهكذا كان طبيعيا ان تُنجب ( سميًل ) جيلا من التمرد الواعي والمُحب
بلاحدود , فها هي ( ألقوش العنيدة ) التي نمتلئ شموخا عندما نسمعها تقول (
نا ) , وتلك هي ( عنكاوة ) تخرج منها , بكرى وأصيلا , الى الأصقاع صيحات (
نحن هنا ) , وهذه هي ( بغديدي وبرطلي ) قلاع للسريان وسد امام الطوفان ,
وهكذا كل اسماء مدننا وقرانا الجميلة المسالمة الأبية.
في يوم الشهيد الاشوري الذي روى ارض ( سميًل ) وغير ارض ( سميًل ) في بلاد
الأباء والاجداد , ونحن نعيش هذه الظروف المصيرية في حياة شعبنا , تاريخا
وحاضرا ومستقبلا , ما أحوجنا , الى رص الصف , وتوحيد الجهد , ونكران الذات
, وتقديم اجندة شعبنا على كل ما عداها من الأجندات , فترتقي مؤسساتنا
السياسية والدينية والاجتماعية الى مستوى المسؤولية لمجابهة ( مذبحة سياسية
) اخرى تُقترف بحق شعبنا , وهي مذبحة الاقصاء والتهميش , في عراق نحن فيه
الاصل والاوفياء على الدوام , وهي لاتقل بشاعة في نتائجها عن مجزرة ( سميًل
).
ياشهداء ( سميًل ) , ياقافلة الشهداء قبلها وبعدها , جنات النعيم حقُ لكم ,
ذكراكم واجب على كل من يؤمن بمبادئكم ,وينتظر لقائكم .
إنكم أحببتم وبعض الحب ذبًاحُ .....
|
|
|