نحن
بحاجة الى التغير الاجتماعي اليوم؟*
د.عبد الجبار العبيدي
يقصد بالتغير الاجتماعي: الحالة الحضارية الثقافية والفكريةالتي يصل
اليها المجتمع بغض النظرعن الحالة الحضارية العلمية والتكنولوجية لذلك
المجتمع. لم يعد التقدم العلمي والتكنولوجي هو الذي يسير التاريخ
والمجتمع،لا بل في ظل مقتضيات العصر والاهتمام بالانسان اصبح شيئا غير
مطلوب على علاته. لانه بقدر ما يبني فهو يهدم، وقد يزيد هدمه على بنائه
كثيراً. ما الفرق بين ان تأخذ دواءٍ لمكافحة المرض وتفقد مناعة لامراض اخرى
اشد فتكا بالانسان او الحيوان. أذن في النتيجة ان الامر في النهاية سيان.
فمثلاً تقدمت السينما والالة في العالم اليوم لكن العلل الاجتماعية
الرئيسيةتاخرت وتكاثرت، كنا في السابق نوازن انفسنا بانفسنا ،والان جاء
الخلل، فكيف نستعيد التوازن، لاسيما في مجتمعات كمجتمعاتنا التي لا تعير
للانسان وآدميته وزناً محسوباً؟.
ولهذا بدأ العلماء
يتجهون بفكرهم نحو التغير الاجتماعي نحو الاحسن ليجدوا متنفسا جديدا للتقدم
الحضاري. من هذا المنطلق ينطلق السنتور الامريكي الشاب باراك آوباما نحو
اعلانه الشهير واللافت للنظر "change". فهل ادرك الرجل هذا المصطلح الجديد
ليستخدمه في السياسة والمجتمع معا، وهل ستبقى امريكا والغرب هم المخترعون
ونحن الناقلين المتمتعين. العلماء والرؤساء في العالم يفكرون بكل شيء من
اجل مجتمعاتهم والانسانية ووالرؤساء والعلماء عندنا يتقاتلون على السياسة
والمنصب والجنة الموعودة وحور العين. تركز الدراسات الاوربية والعالمية
اليوم على التغير او التحول الاجتماعي ،لابراز هذه الظاهرة المخيفة وعرضها
على الشعوب، لعلها تخفف من انعدام التوازن بين الثقافة والفكر والتقدم
المادي، ولعل اهم تلك الدراسات ما قدمه العالم وليام أجبورن في كتابه
الموسوم التغير الاجتماعي. والذي دعا فيه الى ظهور ظاهرة تاخر التطور
الثقافي عن التطور المادي، ويقول انها ستسبب الكثير من الكوارث الانسانية
التي يغفلها العالم اليوم. وخاصة انتشار الرذيلة والفساد والرشوة والجنس
وعدم الشعور بالمسؤولية الفردية تجاه الدولة والمجتمع وخاصة في العالم
المتقدم الذي فقد الكثير من عاداته وتقاليده والتزامته المعنوية نتيجة
قفدان التوازن لصالح التقدم المادي.
فالدولة لا يمكنها ان
تسيطر على هذا الخلل المادي الا بالقانون وتطبيقة دون انحياز، وعلى مؤسسات
الدولة ان تسير كلها بنمط واحد من السرعة والضبط والكفاية حتى نستطيع درء
الخطر الاكبر الذي يواجهنا اليوم من هذا الخلل الاجتماعي الذي اصبح لا
يخلومنه مجتمع. ان التطور الحضاري السريع وظهور القوانين التي تمنح الانسان
ابعد مدى في الحقوق التي قللت من قيمة الاحتياط للاحداث المادية وبترها
بسهولة، فاللص كان يحاكم سابقا بشكل مباشر ويدان وتنفذ العقوبة فيه قطعا
للجريمة ومرتكبيها، لكن اليوم من يسرقون قوت الشعوب والملايين هاهم تراهم
في قصورهم من المحصنين بالقانون مما زاد في جرأة المجرمين وهانت عليهم
انفسهم بالعدوان على شعوبهم والاخرين، والى هذه الظاهرة ترجع اختلال القيم
وزوال اسس المجتمع، وكل ذلك كان بنتيجة التأخر الثقافي وبروز التقدم
المادي. أذن ما العلاج لهذه الظاهرة السيئة في المجتمع؟.
العلاج يطرحه العلامة
الاجتماعي البروفسور هاري المربارنز في كتابه القيم النظم او المؤسسات
الاجتماعية؟. والتي يدعو فيها الحكومات والجامعات الى التدخل في البرامج
العلمية والاجتماعية المدرسية لصالح الثقافة والفكر الثقافي ضد الدعة
والبطر والتوجه المادي بين الشباب اليوم،فلا زال الانسان متوحشا يهاجم
ليأكل ويختلس الملايين وهو يملك اكثر منها،ا نه الشره المادي المقرف الذي
اصبح لا يشبع منه الانسان، وكأنه اصبح كجهنم كلما جاءها فريق من المجرمين
قالت هل من مزيد، فكيف نستطيع وصفه بالانسان الذي يرتدي جلد الذئب الكاسر
المتوحش لكنه يظهر بمظهر الانسان الوديع. ان الانسان اليوم اصبح اقسى من
الذئب.
وخلاصة القول: ان تربية
الانسان وتعليمه، عملية اساسية يجب ان تضطلع بها الاسرة والمدرسة والجامعة
والمؤسسات لتنتج انسانا متوازنا بين الفكر والثقافة والمادة، فالتربية تقوم
على تهذيب السجايا الخلقية للطفل وتعلمه المبادىء الاساسية الثابتة التي
يعترف بها الناس في كل البلدان وانماء الكرامة الانسانية فيه منذ نعومة
اظفاره. ساعتها لا تخاف عليه من زوابع المستقبل وعثراته ابدا. فالمعرفة لا
تولد مع الشخص وانما يولد معه الاستعداد لتحصيلها، وهذا هو معنى وجود العلم
لقوة في النفس الانسانية.
ان التفاعل الثقافي
والاتصال الفكري بين الماضي والحاضر ياتي من الاتصال بالجذور وقديما قالت
العرب "ان الفعل هو دليل الاصل" فالتغير الذي تحدثه التربية يفرض تحولات
متفاوته بين القوة والضعف. وفي هذا المجال يقول الامام علي(ع) "وأعلم انك
ان لم تردع نفسك عن كثير مما تحب مخافة مكروه، سمت بك الاهواء الى كثير من
الضرر، فكن لنفسك مانعاً رادعاً ولنزواتك عند الحفيظة واقماً قامعاً".
ان روح الاصلاح في
التغير الاجتماعي تنبعث من كلمات الامام علي كالسهام المؤثرة في اهدافها
المقررة، لانه يصر فيها كل الاصرار على الرفض والمعاناة لعمل الرذيلة
والاعوجاج فهو يعتقد ان الصراع بين المادة والثقافة لن يتم الا بالثبات في
المواقف والتماسك في النفس حتى في اشد الظروف صعوبة. فتربية الامام (ع)
تبني كيانا للانسان يلزمة باتخاذ موقف اكثر صلابة تجاه الحق، فلا تؤثر فيه
الاغراءات ولا تخيفه الاعاصير كما يقول"لا تزيدني كثرة الناس حولي عزة، ولا
تفرقهم عني وحشة، لكن الحق هو الاساس، والحق لم يبقِ ِلي من صاحب".
لا شك من ان له هذا
الثبات والتصميم في ازالة كل العوائق التي تحول دون التغير الاجتماعي
الهادف هو له الدور النهائي في النصر النهائي. ليس المهم ما نكتب وما نقرأ،
لكن المهم كيف نكتب وكيف نقرأ وكيف نفهم ونطبق، هذا ما اراده الاسلام لنا
ونحن عنه غافلون.
ان هذه الظاهرة بحاجة
الى علاج تربوي وفكري ممنهج يدخل في تربية الطفل والمدرسة والجامعة، فكيف
ونحن الان نملك اكثر من مليون يتيم بلا رعاية، وعند الكبر ماذا سيكونون؟هل
التغيير اليوم كان علينا وبالا ام نعمة؟.
*موقع كتابات.
|