صحافة السريان أم.. الصحافة السريانية ؟؟!!
جورج هسدو
ونحن نحتفل بالذكرى المئة والستين
لإنطلاقة باكورة الصحافة السريانية (زهريرى دبهرا) التي صدرت في أورميا
بإيران عام 1849، وهي المناسبة التي يحتفل بها صحفيونا الكلدوآشوريين
السريان ومعهم عموم شعبنا والأصدقاء بيوم الصحافة السريانية، نتقدم في
البداية بتهانينا القلبية متمنين لصحافتنا دوام التقدم والتطور ولصحفيينا
الموفقية والنجاح. لكننا أيضا نتسأل عن ما نمتلك اليوم من صحافة، هل هي
صحافة سريانية تتعامل بأدوات وتتداول مفردات وتتبنى توجهات وتحافظ على
مقومات وتخطط لبلورة أفكار الكلدوآشوريين السريان؟، أم أنها صحافة تحمل
اسماء وتدار من قبل وينشرون فيها ويعملون بها وتتكلم عن الكلدوآشوريين
السريان؟.
وفي هذا الصدد يقول الملفان نعوم فائق رائد الصحافة السريانية
(1868-1039):
"الكل يعلم أن الجرائد في الشعب هي لسان حاله، والشعب يعرف بجرائده،
ولولا الجرائد لظلت الأمم خاملة الذكر، فاقدة الشرف القومي، وعادمة لكل
فضيلة علمية أو أدبية أو تاريخية، والأمة التي ليس لها جرائد هي أمة خرساء
وصمّاء وخاملة، إن الأمة التي لا تحترم نفسها لا يحترمها الغير. والأمة
التي لا تحافظ على نفسها، ولا تغار على لسانها، ولا تسعى لإثبات وجودها،
ولا تنشر تواريخها، ولا تطبع كتبها، ولا تحافظ على آدابها ولا تناصر
صحافتها. من يعرفها؟ ومن يسمعها؟".
كما عبر عن ذلك الصحفي المبدع فريد الياس نزها صاحب "الجامعة السريانية"
(1894-1970) بقوله:
"نحتاج صحافة حرة لأن الصحافة هي روح الأمة وحياتها ومظهرها الوضّاء
الذي يبين منزلتها ويرفع شخصيتها. إن النشرات والمطبوعات لها أهمية كبرى في
حياة الأمة، وبواسطتها يمكن جمع أفكارها، وتوجيه غاية أية أمة، وصرفها إلى
وجهة إصلاحية واحدة. بل هي العامل الأكبر في توطيد دائم اليقظة والتجدد.
كما أن الصحافة هي الناظر العام والمفتش الأعلى، بل هي ترسم الخطط وتنهي
بالأوامر والتقارير بما تحمله من آراء أبناء الأمة المتنورين وأحرارها،
فيأخذ بها رجال الإدارة في المعاهد الأدبية والدينية والاجتماعية ما يرونه
نافعاً وملائماً لروح محيطهم وعوامل نهضتهم، ثم هي سلاح وافي للدفاع عنهم
لدى كل الطوارئ وفي كل الظروف".
من المعلوم أن ما يمكن أن نطلق عليها أسم "الصحافة السريانية" هي تلك
الصحافة التي تروج للثقافة السريانية بمختلف فروعها وتعمل بأدواتها وأهمها
اللغة، وهنا نتكلم عن اللغة الأم للشعب الكلدوآشوري السرياني. ومن الضرورة
بمكان ونحن نتحدث عن صحافة سريانية خاصة وخالصة أن يتم النشر باللغة
السريانية، وهو ما يعني توسيع رقعة التداول بهذه اللغة ورفع نسبة
المتعاملين معها من الكتاب والقراء على حد سواء. وهو الأمر الذي سيساهم
كثيرا في تطوير حقل الصحافة السريانية وينمي قدرات الصحفيين والمثقفين
الكلدوآشوريين السريان، كما أنه سيشكل فعلا مضافا لعملية التعليم السرياني،
تلك التجربة الرائدة التي مارسها شعبنا منذ أكثر من خمسة عشر عاما في إقليم
كوردستان العراق ومناطق خارجه للتمسك بهويته القومية، وهو الأمر الذي سيفتح
أبوابا واسعة أمام المتخرجين وحتى المستمرين بالدراسة في التعليم السرياني.
ولسنا ندعو هنا إلى مقاطعة باقي اللغات الحية التي يتعامل بها أبناء شعبنا
إن كانت العربية أو الكوردية أو حتى الإنكليزية، بل هي سمة إيجابية للصحافة
السريانية أن تتعامل (نشرا وقرأة) بهذه اللغات لكن ليس على حساب اللغة الأم
السريانية. فأي صحافة في العالم تكتسب أسمها من لغة شعبها القومية التي
تنشر بها، حيث بخلافه فانها ستكون صحافة عامة تتناول قضايا ذلك الشعب.
ثم تأتي بالدرجة الثانية عملية التعاطي مع هموم وشؤون أصحاب تلك اللغة،
وفي مقدمتها مسألة تعبئة الرأي العام لمناصرة قضاياهم الجوهرية. عليه يجب
على الصحافة السريانية أن تعمل على تعبئة وتوجيه الرأي العام في عموم
العراق وكوردستان خاصة نحو نصرة قضية الشعب الكلدوآشوري السرياني. وذلك من
خلال التعريف بمزايا الثقافة السريانية، ومن ثم السعي لقبولها من المتلقين
من خارج البيت القومي. وبعدها تأتي عملية التلاقح بينها (الثقافة
السريانية) وبين باقي الثقافات العراقية لخلق ثقافة وطنية عامة تصب في
مصلحة المواطنة الحقيقية، وتذلل من الحواجز والفوارق الفكرية الموجودة بين
مختلف أطياف الشعب العراقي.
أما إهمال اللغة الأم السريانية وإعتبارها لغة ثانوية في موضوعة النشر
والإعلام من قبل الصحفيين والمؤسسات الإعلامية للكلدوآشوريين السريان، فأنه
سيؤسس لصحافة سريان فقط وليس لصحافة سريانية. وهو ما يعني بقاء الصحافة
السريانية أسيرة الصحافات والثقافات الأكبر وتفقد دورها الحساس في بناء
إحدى أهم وسائل التأثير في المجتمع الكلدوآشوري السرياني ألا وهو الصحافة.
وستبقى مؤسسات شعبنا الصحفية والإعلامية تفتقر إلى الكادر المتعامل مع
اللغة السريانية بأطر منهجية وعلمية، وستبقى شريحة الكتاب الأوسع بين أبناء
شعبنا توظف لغة أخرى بديلة، وهو ما ينطبق بعدها على شريحة القرآء أيضا.
وعندها ستبقى صحافتنا "صحافة سريان" وليست "صحافة سريانية".
|