مجدا لصحافتنا السريانية بذكرى ميلادها الستين بعد
المائة
بدران امرايا
"أذ نحتفي بالعيد الـ 160 لصحافتنا
السرياتية، نقول انه سبق هذا التاريخ صدور أكثر من (دورية)، ولكن يبدو انها
كانت محدودة جدا، ففي سنة 1530 (أي قبل 479 سنة) اصدر سعيد حمورابي (بيث
نهرين) مسطرا إياها بأنامله الذهبية وبالخط السرياني الغربي، في قلعتنا
الشامخة (مردين) بتركيا، وفي 1532 صدرت (صوت أثور وآرام) في مدينة تكريت
بخط اليد أيضا، أي كان أبناء امتنا الكلدوآشوريين السريان من أوائل الأقوام
الذين اهتموا بمجال الصحافة، فهم امتداد لمهندسي الحضارات وبناة أقدم
المكتبات الزاخرة بالألواح الطينية من مكتبة نيبور السومرية (40 ألف لوح
مكتوب)، ومكتبة الملك العظيم آشور بانيبال بمدينة نينوى (20 إلف لوح
طيني)."
تعد الصحافة أو السلطة
الرابعة، مهنة المتاعب وصاحبة الجلالة، كما اصطلح عليها، وهي الوجه المشرق
والمرآة العاكسة لأي مجتمع أنساني متحضر، لما تضم من معان وقيم سامية
ونبيلة في الاضطلاع بمهامها ودورها الريادي المهني والرقابي، فهي التي تسلط
قبسات من نورها المشع على زوايا وخبايا ألامور، وترصد أية حالة ايجابية
كانت أو سلبية، لتكون واضحة وشفافة أمام الرأي العام، وفق ضمير حي ووجدان
عادل وبتعابير شيقة وسلسة وبمنطق سام بعيدا عن منطق الإطناب والإسهاب
والمداهنة والتزلف التي تضمر الحقيقة وتطمس معالمها الروحية، فجوهر الصحافة
يكمن في انها العين الساهرة والراصدة لقضايا الإنسان، وكل ما له صلة
بالحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وسبل ديمومتها، ووضع المجتمع أو
الرأي العام في صورة حدثت وتحدث الآن وستحدث مستقبلا، أي عرض الحقائق كما
هي، ومن ثم مطالبة الكتاب والمفكرين والمحللين السياسيين الاجتماعيين
والنفسانيين بتحليلها وتفكيك طلاسمها ليدرك الإنسان أين هو من مما يجري
على خارطة، فالصحافة أو الإعلام النزيه مدرسة حقيقية لتنويرالمجتمع او
الخبز الحار اليومي للناس، فكما هم يبتاعون الخبز يوميا لإدامة الجسم
بالطاقة اللازمة، كذلك فهم يشترون الصحف اليومية ويتصفحونها قبل الشروع
بالأكل أحيانا، لتغذية وإشباع الفراغ وحاجة الفكر والروح فالكلمة الصادقة
الأمينة تشبع وتعد الغذاء الروحي للنفس، لما تشكله وتملئه من فراغ روحي
ونفسي عند النفس المتعطشة للمكنون الفكري، فالكلمة النزيهة والصريحة و
الصارخة بالحق، تعد إكسيرا للحياة والفكر الإنساني النبيل، وكما جاء في سفر
التكوين (في البداية كانت الكلمة ومن الكلمة صار كل شيء) والكلمة الطيبة
تبعث الراحة والطمأنينة والاستقرار النفسي، والصحافة بانواعها الثلاثة
المسموع والمقروء والمرئي، هي مصدر الكلمة ومنبعها المستديم، والإنسان
بطبيعته الفطرية يتطلع لإشباع حاجة داخلية في صميم أعماقه بقوة تلك الكلمة،
أذ انها تفجر منابع الأمل وتفتح مروج الآمال الزاهية أمام مداركه وتشحنه
بالقوة ليجتاز معضلات الحياة ومنغصاتها، ويشق سبيله وسط أمواجها العاتية
وهو مدجج بسلاح الأمل ولا يحيده شيء من بلوغ الآمال المنشودة، وبقوة الكلمة
أيضا يمكن أن يسدل الستار الأسود على الحياة وتمحي الإنسان والأمم من خارطة
الحياة والوجود، وقوة كلمة الصحافة هي السلاح العصري الحديث والرقيب الأول
والمتابع، والعدو اللدود للرؤساء السياسيين والمشاهير من الفنانين
والمطربين، والرقيب الأول والمتابع الشغوف لاقتفاء لأثر خطاهم، الصحافة
وسيلة فكرية فعالة للنخبة السياسية او الثقافية وغيرها، للتأثير على رأي
المجتمع وتغييره باتجاه إتباع سياسة او هدف معين، فهي اذا الأداة الأولى
للحركات التحررية للأمم ووسيلتها لإيصال نهجها وإيديولوجيتها لأوسع الشرائح
والطبقات الاجتماعية، ومن تلك الشعوب شعبنا الكلدو آشوري السرياني الذي دشن
لبنة مشوار حركته التحررية القومية بحركة فكرية ثقافية واسعة بواسطة
مجموعة من الصحف والمطبوعات البسيطة بهيئتها وإخراجها التصميمي الفني لكن
القوية بمضمونها ومحتواها الفكري والسياسي منها باكورة وطليعة صحافتنا
جريدة (زهريرا د بهرا) التي أصدرها نخبة من رواد الفكر القومي المعاصر في
الثاني من تشرين الثاني عام 1849م في منطقة أورميا الإيرانية وباللغة
السريانية، فقد شخص هؤلاء الرواد عبر خطاباتهم ومطبوعاتهم الأمراض التي
تنخر كيان شعبنا مثل التخلف والأمية والفرقة والتشرذم، ووضعوا يدهم مصدر
الداء وشخصوا له الدواء، وذلك بنشر الوعي القومي الوحدوي بين مسميات شعبنا
الواحد، والترفع عن التشبث بالانتماءات الصغيرة من الطائفية والذهبية
والعشائرية والمناطقية والهواجس النفسية الفاصلة، والتي لا تفيدنا بشيء سوى
تشتيت جهودنا وقوانا ومحو كيان وجودنا الروحي والقومي من على خارطة الوجود
في الوطن، والمفارقة الكبيرة إن هؤلاء الرواد والرعيل الأول رغم ظروفهم
القاهرة آنذاك من التخلف والأمية المتفشية والجهل والفرقة والحروب والبعد
ألمناطقي الشاسع، وعدم وجود هذا الكم من وسائل الاتصال والمعرفة، كانت
أفكارهم وطروحاتهم وخطاباتهم وحدوية حتى النخاع وصميم الذات والوجدان
وكأنهم يهمسون في آذان بعضهم بهذا التوجه القومي الإنساني النبيل دون أن
يزايدوا أو أن يتاجروا أو أن يضحكوا على ذقون هذا أو ذاك، فنرى التوجه
القومي الوحدوي المستنير ينبع من أورميا وسلامس بإيران، ليطابق أراء
وتوجهات أشقائهم في ديار بكر وخربوت ومردين وطور عابدين بتركيا، ومع أثير
ونفحات الغيارى في بغداد وكركوك وحبانية واربيل ونينوى بالعراق، وعلى هذا
النحو بين إخوتهم في زالين ( قامشلي ) ورأس العين بسوريا، فبرغم مرور ما
يربو على قرن ونصف على هذا الخطاب القومي ألخلاصي، والذي من دونه تجرعنا
المرارة والعلقم وحصدنا الخيبة والخسارة والتشتت وضياع الغالي والنفيس،
وخسرنا ما خسرناه لهذه الأسباب وغيرها مجتمعة، والغريب كل الغريب والمضحك
المبكي في نفس الوقت، انه لا زال نفر ضال من أبناء امتنا من رجال الدين
أولا والعلمانيين المرتبطين بأجندة من خارج البيت القومي، ورغم هذا البعد
الزمني والسنين والمظالم التي ترتبت على هذا الواقع المزري، وبعد أن ولدت
قبلة امتنا السياسية والمقدامة الحركة الديمقراطية الآشورية وفجرت ثورة
الوعي القومي الوحدوي وحقنت أبناء امتنا من السهل والجبل بمصل في سبيل
النهضة القومية واستحصال الحقوق المشروعة وغير المنقوصة، ومسحت الدم
والدموع من وجنات هذه الأمة المسكينة والمكتوية بهذه الأوبئة القاتلة، وردت
جزءا من مكانتها الروحية المعتبرة داخل الوطن وخارجه وخلدت اسم (زهريرا د
بهرا) بجريدتها المركزية الغراء "بهرا" التي انطلقت منذ 26 حزيران عام 1982
أيام الكفاح المسلح للحركة الديمقراطية الآشورية، والتي رافقت مسيرة رفاق
زوعا الميامين في حقيبة زادهم وهم يجوبون المناطق المحررة ويرسلونها
لتنظيمات الداخل وبسرية، الى ان ضبط احد أعدادها مع الرفيق الخالد يوبرت
شليمون في بغداد، والتي كانت دليلا دامغا لادانته وتعتلي به لخشبة الإعدام
وتزهق روحه الطاهرة ليكون شهيدا لجريدة بهرا ويعمدها بدمه الطاهر، وكسلفه
شيخ الصحافة السريانية الشهيد الخالد البروفيسورآشور يوسف صاحب جريدة
(مهديانا اثورايا – مرشد الآشوريين) التي أصدرها في 1910 واستمرت لغاية
1915 حيث اعدم هذا المناضل القومي الفذ لآرائه السياسية وطروحاته القومية
الوحدوية، وهذا النفر يسعون بكل الطرق البائسة لإرجاعنا إلى المربع الأول،
عبر مؤسسات هزيلة ومائعة وخطابات هستيرية غوغائية وأقلام تستلم أجرها البخس
بالكامل مقدما قبل أن تجر خطا أو تلامس أزرار لوحة مفاتيح الأحرف بعيدة كل
البعد عن المنطق والواقع، وتثخن من عمق جراحاتنا، وكأننا- حسب رأيهم
الساذج- امة في قمة رفاهيتها ومجدها ولا ينقصنا شيء سوى هذه الترهات
والافتراءات الفارغة والمضحكة لإلهاء شعبنا، لذا على كتابنا وأدبائنا أن
يسخروا مداد أقلامهم لما فيه خير وخدمة امتنا وسبل لملمة شملها، وان يصب في
بناء وعلو شانها، فقد فاتنا الكثير ونحن خلال سبات أشبه بالموت الطوعي
ومتأخرين بما فيه الكفاية، والتوجه بهمة فولاذية لبحث وإبراز تراثها
وفلكلورها وترميم معالم وجودها وإظهار وجهها المشرق من خلال شخصياتها
الأفذاذ والمبدعين والعباقرة من الأطباء والحكماء والفنانين والمطربين
والأدباء والشعراء والكتاب والنقاد والرياضيين وغيرهم، والتوجه لعقد مؤتمر
عام بهذا الصدد تحضره الشخصيات والمؤسسات الإعلامية المختلفة لشعبنا من
الداخل والخارج وتدرس فيه سبل النهوض بواقع الإعلام والصحافة القومية
الوحدوية الهادفة والتصدي للإعلام المضاد لمسيرتنا الوحدوية المباركة
وتشويه قضيتنا وتحريف مسارها وطمس سفر تراثنا وارثنا الحضاري والإنساني
الثر، وفي كل المجالات فان هذا العمل لهو من صلب واجبات الإعلاميين
والكتاب والصحفيين، لكي لا تنسى الأجيال اللاحقة عظمة الإسلاف ومساهماتهم
الخلاقة في خدمة الإنسانية لان زمانهم لم يألف هذا الكم والنوع الهائل من
الثورة التكنولوجية والمعلوماتية بما فيها الأجهزة الإعلامية المرئية
والمسموعة والمقروءة المنتشرة حاليا والتي بفضلها أصبح العالم اليوم قرية
الكترونية صغيرة تدار بالأزرار, وكما ذكرنا أن جزءا من صميم رسالتنا
القومية هو إظهار عظمة من طوتهم صفحات الزمن، ولقد كشفت لنا الكثير شخصيات
هذه الأمة من قبل أناس وبجهود الخيرين من خارج البيت القومي، وعلينا
الاحتفاء بطرق عدة بهذه المناسبة الميمونة عيد الصحافة السريانية وتسليط
الأضواء عليها على اعتبارها حدثا قوميا مهما وجليلا ويستحق منا الوقوف
والدراسة والتحليل لمعطياته القومية والإنسانية قياسا بذلك الوقت ووفق تلك
الظروف العصيبة..
تحية فخر واعتزاز بهذه
المناسبة الجليلة لأدبائنا وكتابنا وصحفيينا ولكل صاحب فكر نير قلم يسخر
مدادها صوب التوجه القومي الوحدوي، ولخدمة قضيتنا العادلة...
|