ما بين مبارك وصدام.. لو ألعب لو أخرب الملعب
شليمون داود اوراهم
لن أخوض كثيرا في تفاصيل
الأيام الماضية من انتفاضة شعب مصر، والخطاب الثاني البائس والاستجدائي
المتباكي المتأخر جدا للرئيس المنتهية ولايته شاء أم أبى، والبلطجية وعناصر
الأمن المندسين بين الحشود، والمشهد الهزلي المثير للسخرية لراكبي الخيول
والجمال وهم يحاولون التصدي للفيس بوك والتويتر!!، وشر البلية ما يضحك، وفي
تكرار ساذج لمعركة أحد التي خاب فيها الفائزون ولو ظنوا انهم منتصرون!!!..
وما تسبب به هذا الرئيس الفرعوني.. من تقاتل بين أبناء الشعب الواحد، حتى
دون أن يترحم في أي من خطابيه العيسين على أرواح الشهداء.. وكأنهم نكرات
ليسوا من أبناء الشعب.
لن أخوض في تفاصيل هذه الوقائع، وذلك بسبب تسارع الأحداث أولا، ومن ثم
سأترك مقالاتي اليومية التي كتبتها بهذا الشأن جانبا، وفي خانة الإرشيف
ربما للمذكرات، وكذلك لكي لا أصدع رؤوس القراء الكرام ولا أثقل عليهم.. ولا
سيما المتابعون منهم للأحداث.
لكنني أتوقف هنا عند تصريحات اللحظة الأخيرة والرمق الأخير.. والقشة
التي لا تنفع الغريق يوح الحريق.. لهذا الرئيس التعيس.. لشبكة (ABC)
الأميركية في المقابلة التي أجرتها معه المذيعة المعروفة كريستيان أمانبور
(أنا شخصيا لا أعرفها) وعلى مدى ثلاثين دقيقة في القصر الجمهوري بالقاهرة
تحت الحراسة المشددة!!.
المقابلة التي نقلت تفاصيلها الفضائيات عندنا في ساعة متأخر من ليلة
اليوم الخميس 3 شباط 2011 بتوقيتنا في العراق، وقد تركزت هذه التصريحات على
قوله: ((لقد نفد صبري، بعد 62 عاما في الخدمة العامة، فاض بي الكيل، أريد
أن أرحل))، (بالمناسبة: نفذ صبري، خطأ لغوي شائع، والصحيح: نفد).
وقوله: ((أنا مستاء جدا مما جرى في ميدان التحرير، وأود الاستقالة لكنني
أخشى الفوضى). وفي نص آخر لتصريحاته: (إذا تنحيتُ اليوم فستكون هناك فوضى)،
وفي تصريح آخر: (أحمّل الأخوان المسلمين ما يجري في مصر).
لقد حاول صدام منذ عام 1991 أن يوهم العالم كله بامتلاكه القدرة
والقاعدة والأدوات لإنتاج السلاح النووي أو أنه أنتجه فعلا، وكان كل ذلك
لمجرد محاولته توفير نوع من الدرع الدفاعي المعنوي والنفسي تجاه خصمه
اللدود في إيران، ومن أجل هذا الوهم ذاق الشعب العراقي الأمرين من الحصار
المأساوي إلى لجان التفتيش إلى الضربات الجوية والصاروخية بين الحين
والآخر.. ومن ثم إلى آخر المطاف في 2003، حيث كانت الأسلحة النووية الوهمية
والدمار الشامل أساس وحجة ما حصل.
وقبل أيام من سقوط نظامه، أكد صدام إنه لو ترك العراق.. فسيتركه خرابا
مهجورا وفوضى عارمة.. وقد تحقق ذلك فعلا، ولكن إلى حين.
وها هو مبارك ينتهج نفس النهج: يبدي رغبته، غير الصادقة، في التنحي وترك
الكرسي.. لكنه يهدد بالفوضى.. وقد سعى فعلا خلال الأيام الماضية لوضع
وتوفير مقوماتها.
لقد أدرك أخيرا أنه غير مرغوب به وبحكمه، لكنه حاول يائسا الإيهام
بخطورة رحيله ما سيؤدي إلى فوضى من جهة.. وإلى تولي الجماعة للسلطة في أم
الدنيا، وما قد يترتب على ذلك من تداعيات.
أنا أعتقد.. وقد أكون مخطئا، إن أميركا والقوى الدولية المؤثرة.. لو
كانت قد اتخذت قرارا في أن يحكم الأخوان في مصر.. فإن بقاء مبارك لن يكون
ذي جدوى، وإن هذه القوى لو كانت قررت أن لا يؤول الأمر في مصر إلى
(الجماعة) بأي حال من الأحوال.. فإن رحيل مبارك لن يؤثر في الأمر قيد أنملة
(لقد قرأت هذا التعبير كثيرا "قيد أنملة" وأفهم معناه واستخداماته، لكنني
لا أفهم أصله اللغوي وما إذا كان يتعلق بالنملة أم لا)!!!!!.
المسألة كلها بشأن الأحداث في مصر.. تتعلق بالثقافة الشائعة في عالمنا
الشرق أوسطي ولا سيما المنطقة العربية.. من تسلط الحاكم واستبداده وتمسكه
بالكرسي حتى لو جاع الشعب.. واستمر كبت الحريات، والتعذيب في السجون
والمعتقلات.. إلخ.. إلخ.. إلخ، وحتى سالت الدماء غزيرة في الشوارع، وحتى لو
تقاتل الأخوة وأبناء العمومة وأبناء الشعب الواحد فيما بينهم.
وأرى أن هذه الثقافة في طريقها، والحمد لله، إلى الزوال.. ابتداءً من
تونس مرورا بمصر ولاحقا ربما باليمن.. وانتهاءً بثلاثة أو أربعة أنظمة أخرى
مجاورة أو قريبة!!.. ذلك لأن كرامة الإنسان وحقوقه قد أقرها الخالق نفسه،
ولا يمكن لفرعون جديد أن ينتهكها على الدوام, ولكن ربما إلى حين. ومن ثم لا
تكون الغلبة في الآخر إلا لإرادة الشعب.
هذا ما أتوقعه ليوم غد الجمعة 4 شباط 2011 والأيام التالية: مبارك
سيتنحى عن الكرسي مرغما، بلا كرامة ولا إنقاذ لماء.. الوجه، ولا ماء.. غير
الوجه!!!.. لكن، بعد أن يكون قد سعى خلال الساعات القليلة المتبقية من حكمه
إلى خلق ما يمكنه من الفوضى والخراب والدماء المراقة في الشوارع.. في
محاولة يائسة منه لتحميل الآخرين مسؤولية طرده من السلطة، وعلى طريقة: لو
ألعب لو أخرّب الملعب!.
* تنويه خبيث: في نهاية هذا المقال، صورة للصحفية كريستيان أنامبور
العاملة في شبكة (ABC) الأميركية، ولو كنت شخصيا في مكان (مبارك) وقد التقت
بي بالأمس في قصر الرئاسة وفي هذا الظرف العصيب.. وفي هذه المرحلة من
الشيخوخة، لكنتُ تركت الحكم في الحال... وذهبت معها!!!!!!!!!!!!!.

|