هل تقرن الاقوال بالافعال

 

 

                                                  حازم زوري

                  تصاعدت وتيرة الحديث في الاونة الاخيرة عن ضرورة حماية المسيحيين العراقيين وتحديدا بعد فاجعة كنيسة سيدة النجاة وما تلاها من استهداف يومي لهم في بغداد والموصل وهم آمنين في دورهم واماكن عملهم ، وتعددت الدعوات المنادية بضرورة الحفاظ على هذا المكون الاصيل الفاعل والمستنير وصاحب القدح المعلى في الارث الثقافي والحضاري العراقي ماضيا وحاضرا ، وتحفيزه على التجذر في ارضه ووطنه رغم ما تعرض ويتعرض له من حملات ابادة تكاد ترتقي الى مستوى التطهير العرقي على ايدي القوى الظلامية ، الامر الذي من شانه ان يعرض النسيج الاجتماعي العراقي الى خلل كبير وفراغ واضح اذا ما اتيح لهذه القوى تنفيذ اجنداتها في تصفية وتهجير المسيحيين وافراغ العراق من سكانه الاصليين .

وايا كانت دوافع ومنطلقات تلك الدعوات والاصوات فاننا نتوسم فيها حسن النية ونبل المقصد ابتداءا لكن الذي يؤشر عليها انها اما غير منسجة مع الدستور وبعيدة عن الواقع او صعبة التجسيد على الارض سواء ما اتصل منها بانشاء محافظة لهم على اساس عرقي ضيق في مناطق تركزهم واغفال وجود المكونات الاخرى التي تعايشوا تاريخيا معها او ما تردد من استعداد لاستقبالهم في اقليم كردستان لان ذلك يتطلب تهيئة الارضية المناسبة وتامين كل مقومات الحياة لهم وعلى المدى الطويل وهذا الامر ليس ميسورا او متيسرا و في متناول اليد حاليا .

اما ما خرج عن بعض الاوساط المسيحية من الدعوة الى تسليح ابناء المكون المسيحي وتشكيل قوة منهم لحماية مناطقهم ، فان هذا الطرح لا يمكن ان يكون مقبولا ومنطقيا الا اذا جاء في اطار المنظومة الامنية العراقية ومن خلال قنواتها ومؤسساتها الشرعية من حيث الهيكلية والارتباط والقرار وليس بصيغة ميليشيا خارج الاطر الشرعية لان العراقيين سئموا سطوة الميليشيات ويريدون لسلطة القانون ان تسود وان تكون الفيصل بينهم والضامنة لحياتهم وامنهم .

والمسيحيين شأنهم شان كل العراقيين مؤمنين بأن حمايتهم هي مهمة الاجهزة الامنية الرسمية المنبثقة من القوانين والمنسجمة مع الدستور ، فقد اثبتت تجربة الميليشيات وتعدد مراكز القرار الأمني فشلها في المراحل السابقة ، هذا من جهة ومن جهة اخرى من غير الممكن ابدا عزل المسيحيين عن باقي المكونات العراقية ووضعهم في كانتون او محمية خاصة بهم لان لهم امتداد وانتشار على كل جغرافية العراق والاهم من هذا لديهم امتدادهم وانتشارهم الحضاري والثقافي وتواصلهم الانساني مع كل الوان الطيف العراقي وتفاعل يومي وحياتي لا يمكن تجاوزه او الاستغناء عنه وهم مدركين ان امنهم غير منفصل عن امن العراقيين جميعا فالامن واحد لا ينفصل وتحقيقه لا ياتي من خلال عزل المسيحيين عن باقي اخوتهم في الوطن ، بل من خلال التعاطي الايجابي والسريع مع المعلومة الاستخبارية لتفويت الفرصة على القوى الارهابية ومنعها من تنفيذ عملياتها الاجرامية قبل الشروع فيها أي ان المطلوب من الاجهزة الامنية هو الفعل الاستباقي واخذ زمام المبادرة والانتقال من الانتظار ورد الفعل الى الفعل المؤثر قبل ان ينفذ المجرمون جريمتهم ويحصدوا ارواح العراقيين بلا تمييز ومنهم وفي مقدمتهم المسيحيين الذين يتم استهدافهم لنفس الاسباب التي يتم على اساسها استهداف العراقيين الاخرين يضاف اليها عامل الاختلاف الديني بالنسبة للمسيحيين ، كما ينبغي تحصين الاجهزة الامنية فكريا وتسليحها بثقافة الولاء للوطن والشعب وليس للحزب والطائفة والمكون وسد الثغرات الموجودة فيها ، فالعمليات الارهابية التي نفذت على مدار السنوات الماضية وأودت بحياة الاف الارواح اظهرت ضعفا وتراخيا واضحا وصل احيانا الى مرتبة العجز وكشفت خرقا فاضحا لهذه الاجهزة من قبل القوى الارهابية تباينت وتراوحت درجاته بين الاهمال والتقصير والتواطؤ .

اما الحكومة والجهات السياسية النافذة واصحاب المسؤولية والقرار في هذا البلد فمطلوب منهم الارتقاء الى مستوى الحدث وتحمل مسؤولياتهم الشرعية والدستورية والاخلاقية لان الدم المراق عراقي مئة بالمئة ولا ينبغي ان يرخص الى هذا الحد ، ولان ما يجري في العراق لعموم العراقيين والمسيحيين بوجه خاص هو مذبحة كبيرة ومهرجان للدم بحق .

اما الاكتفاء بالتنديد والادانة الخجولة احيانا او عدم الاكتراث في احيان اخرى وكان الضحايا من كوكب آخر ، او المبادرة الى تشكيل لجان تحقيق ثبت عقمها وعدم جدواها لانها لم تفصح يوما عن نتائج التحقيق في أي ملف ولم تفك يوما لغز أي جريمة ولم تكشف هويات الفاعلين فقد اصبح هذا مدعاة للسخرية واثما كبيرا احاط باعناقهم .

ان الاجهزة الامنية وقياداتها تسجل اخفاقا تلو أخر وفي كل مرة نكتشف ان اقوالهم اكثر من افعالهم وان وعودهم بأستئصال شأفة الارهاب والضرب بيد من حديد على ركائزه وقواه تذروها الرياح وان كلامهم في الليل يمحوه الصباح ، فمتى تتم محاسبة المقصرين والمهملين والمتواطئين وغير المكترثين بدماء الابرياء وما اكثرهم ؟ ومتى يخجل البعض من انفسهم ومن عناوين ومواقع ومسؤوليات ارتقوا سلمها بلا استحقاق في غفلة من الزمن على اكتاف المحسوبية والمحاصصة اللعينة بشتى صورها ؟ فيسارعوا الى الاعتراف بفشلهم وعجزهم وعدم اهليتهم ويبادروا الى اخلاء مواقعهم في المسؤولية لمن هو اجدر منهم واكثر اهلية وحرصا على دماء الناس واحساسا بالمسؤولية ، وقد قيل ان الاعتراف بالخطأ فضيلة فكيف اذا كان الامر بمستوى الخطيئة والعجز والاستهانة بالدم الطهور وليس مجرد خطأ ؟ .

اما بالنسبة لما يطرح او يقدم من مبادرات وحلول لمعالجة محنة مسيحيي العراق في الاطر وبالصيغ التي يتم تداولها فنرى ان الامر كله يندرج في اطار التعاطف الانساني لرفع المعنويات وجبر الخواطر ليس الا لتعزيز الثقة بالمسيحي العراقي ودفعه للبقاء في وطنه ولبعث الامل في نفسه من جديد ، وهو مهم ومطلوب بالطبع لكنه لا يكفي ولا يتصدى للكارثة الكبيرة ولا يعالج او يحيط بجميع جوانبها وتداعياتها ، فإلى جانب التعاطف والمناشدة بالبقاء يتحتم القيام بخطوات عملية في هذا الاتجاه يشعر من خلالها المسيحي بمواطنته الحقيقية من خلال مساواته مع اخيه العراقي الاخر في حقوق المواطنة وواجباتها وتقديم البرهان العملي على ان المواطنة لا تقاس بحجم المكون او بالدين الذي ينتمي اليه الفرد ، بل ان مقياسها هم مدى العطاء للوطن والاخلاص له والتضحية في سبيله ، ولقد اثبت المسيحيون في هذا الوطن وطوال تاريخهم السحيق فيه وبشهادة القاصي والداني انهم اهل للبذل والعطاء والتضحية .

ان الفرصة ماثلة اليوم لمن هو جدي وصادق وامين على رسالته في مختلف مواقع المسؤولية من رموز العراق الجديد وساسته ومرجعياته لاثبات جدية وصدقية اهتمامهم بالمسيحيين وحرصهم على معالجة محنتهم وذلك بأنصافهم من خلال اشراكهم في تولي الوظائف وتبوأ المناصب في كل المواقع والمؤسسات صغيرة وكبيرة سيما وان تشكيل الحكومة الجديدة بات على الابواب واننا تعودنا ان نسمع من الجميع ضرورة اعتماد الكفاءة والنزاهة في تولي المسؤوليات والوظائف ولطالما اعتاد الجميع الاشادة بكفاءة ونزاهة المسيحي لذلك عليهم ان يترجموا اقوالهم الى افعال ان كانوا مؤمنين بها لا مجاملين او مداهنين ، فما يدعو المسيحي العراقي اليوم الى ترك وطنه وارتياد المجهول طريقا واتخاذ الغربة موطنا ليس فقط الارهاب الذي يستهدف حياته وانما وفي خط متواز معه والى جانبه احساسه المرير والمزمن بالتهميش والاغتراب وبمواطنة الدرجة الثانية او دونها التي يعيشها في وطنه وبانه غير مرغوب فيه ، وهذا الشعور ليس نابعا من فراغ بل قد نشأ وترعرع وكبر جيلا بعد جيل بسبب مسيرة طويلة من ممارسات الاقصاء والتهميش وعدم الاحترام التي لازمت وعشعشت في عقول نخبنا السياسية ومورست بحق المسيحيين منذ تاسيس الدولة العراقية الحديثة وحتى اليوم .

انها دعوة مخلصة لاولي الامر واصحاب القرار في هذا الوطن لانصاف رعاياهم والتعاطي معهم على حدا سواء واثبات ابوتهم للجميع اذا ما ارادوا لحكمهم ان يوسم بالعدل واذا ما ابتغوا لوطنهم العز ولشعبهم الكرامة .

فهل يقرنوا الاقوال بالافعال هذه المرة فينظروا الى الجميع بعين واحدة ؟ ام ان التهميش والاقصاء والمواطنة المثلومة ستبقى نصيبنا وقدرنا في وطن كنا ولم نزل خمرته ونكهته ولونه الاجمل ؟ تساؤل مشروع يظل قائما حتى يجيبنا عليه القادم من الايام .

 

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links