الشرق الأوسط ... يترنح بين جريمتي سيدة النجاة
والقديسين
نمرود سليمان
قد يظن البعض بأن الجرائم التي ترتكب بحق المسيحين تأخذ طابعاً
مسيحياً فقط، ويأخذهم تحليلهم بأن المسيحية هي الحلقة الأضعف لذا يستهدفها
الأرهابيون، وينسى هؤلاء بأن المسيحية أفضل وسيلة لتفتيت منطقة الشرق
الأوسط أو الأمة العربية والأسلامية.
إن الذين يقفون وراء هذه الجرائم يعلمون تماماً بأن هجرة المسيحين لا
تحقق أهدافهم السياسية ولكنهم يدركون بأن هذا التفريغ يوجه رسالة قوية
للعالم بأن الأمة العربية والأسلامية لا تستطيع العيش مع الأخر سواء كان
أصيلاً في المنطقة أو غير ذلك. وبعد هذا التفريغ يصل أولئك الذين يقفون
وراء هذه الجرائم إلى هدفهم وهو إقتتال بين الأسلام نفسه.
إن المواقف التي يتخذها المسؤولون والمثقفون العرب وبالرغم من أهميتها
ما زالت خجولة لأنهم يشرنقون في نظرية المؤامرة ولم يستطع هؤلاء مواجهة
المشكلة الأساسية التي هي بالدرجة الأولى حقوق المواطنة والمشاركة في
الحكم، وبدلاً من ذلك يعتمدون نظرية إلغاء الأخر وعد م الأعتراف بالأراء
والألوان المتعددة، لأن الحاضنة التي يعيشون فيها هي حاضنة دينية بحتة.
إذا كان الدين هو المحرك الأساسي للسياسة فإنه بالممارسة يلغي الأخر ولا
يعترف إلا بنفسه، وهذا سبب أساسي في تخلف الدول العربية والأسلامية
بالمجالات كافة وهكذا كانت الدول الأوربية عندما كانت الكنيسة حاكمة في
القرون الوسطى.
في مصر يوجد خمسة عشرة مليون إنسان من الأقباط، أي ما يعادل سكان مجموعة
من الدول الخليجية وهؤلاء غير مشاركين في الحياة السياسية بشكلها الأفقي،
وأحياناً تكون المشاركة بعطف من النظام كأن يقول يجب إعطاء حصة أو {غوتا }
للأقباط وهذا فيه شيء من الأحتيقار لشعب بنى مصر منذو الاف السنين.
في الدول المتقدمة تكون المشاركة وفقاً للمؤهلات العلمية والخبرات التي
يملكها الفرد،فإذا كنت مسلماً في أمريكا أو في أوربا تصل بكل سهولة إلى
منصب وزير أو عضو برلمان إذا توفرت فيك الشروط المطلوبة، وإذا كنت هندياً
بوذيا وتملك الشروط تصل إلى حاكم ولاية.
إذا كنت قبطياً مصرياً أو مسيحياً عربياً وتتمتع بأفضل المؤهلات
العالمية لرئيس الجمهورية أو وزير للد فاع أو للداخلية، إنك لا تستطيع
الوصول لأن المرجعية الدينية المعتمدة في الدستور تمنع ذلك ،علماً بأنك
عنصر أساسي وأقدم مكون في البلاد.
عندما تكون نظرية إلغاء الأخر هي السائدة في أي مجتمع من المجتمعات،
تبدأ بسحق وطرد الكيانات الصغرى ولكنها لا تقف حتى تسحق كل مختلف معها
دينياً أو سياسياً أو فكرياً.
إن الهجوم على المسيحين هذه الأيام سبقه هجوم على اليهود العرب في فترة
سابقة، وسينتقل إلى تصفية السني للشيعي والجعفري للحنبلي والحنفي للعلوي
....الخ.
الحل هو في مناقشة جذر المشكلة وأسبابها وإيجاد الحلول المناسبة لها
والأبتعاد عن نظرية المؤامرة الأمريكية والأسرائيلية، ودق أجراس الخطر مهما
كانت تكاليفها واعتبار المرجعيات الدينية مهما كانت هي السبب الأساسي في كل
المشاكل.
أوربا عانت من هذه المشكلة ووجدت الحل في فصل الدين عن الدولة، وكانت
التكاليف كبيرة ولكن أوربا الأن تعيش في النعيم.
|