بين نزعة الخلفية الفيزيائية واكتشافها في عوالم القصة

فارس سعد الدين السردار لايؤمن بأدب السلام وعمله الصحفي غني بالتجارب

 

زوعا - اجرى الحوار سامر الياس سعيد

                    مالذي يسعى اليه رجل فيزيائي  وهو يحاول فتح مغاليق بوابة القصة العراقية بمفتاح  مشكل من مكونات فيزيائية تتألف من قدرة وديناميكية ومصطلحات اخرى  تتنوع بين انكسارات وانعكاسات ضوئية في محاولة لمزواجة علم الفيزياء بخواص الأدب وميدانه الأوسع عبر الاستعانة بتلك المكونات وزجها في مزاوجة توظيفية تتعايش وفق أسلوب  يعتمد الورقة كأهم أدواته؟؟ .. هذه التساؤلات تواردت في خاطري طول المسافة الفاصلة التي تنتهي بمكان لقائي مع القاص فارس سعد الدين السردار الذي انطلق من قسم الفيزياء في كلية التربية بجامعة الموصل ليختار فضاء الأدب وبالتحديد القصة مجالا لطرح رؤاه  واستحقت تلك التساؤلات لفرصة الانطلاق  في مقدمة مطاف  لقائي بالسردار الذي أجاب :

-هنالك من الناس ما يعتبرها محنة ان تزاوج في عشقك الأدبي ما لايتناسب مع تحصيلك الأكاديمي وهذا ما كنت اشعر به وانا اخضع لرغبة القبول المركزي في إدراجي ضمن قائمة الطلبة المقبولين فيقسم الفيزياء في كلية تربية جامعة الموصل مطلع ثمانينات القرن المنصرم .. وصراحة كانت تلك الرغبة نزولا عند الإذعان لرغبة الأهل  في تحصيل دراسة تستند على جانب علمي  وشيئا فشيءبدات ارتبط بعلوم الفيزياء ارتباطا لتوظيف مصطلحاتها العلمية في قصص  او حكايات للفتيان .

*اذن هل فتح لك تحصيلك الأكاديمي مجالا لفرصة الاقتراب من قصص الخيال العلمي ؟

-طرقت هذا المجال عبر فن المقالة  حيث ان مجال الخوض في  إطار قصص الخيال العلمي تعتمد تناول خيال المتلقي ومحاولة دغدغته بمشاهد مستقاة من البيئة نفسها وهذا ما حاول الضرب على وتره المختصون في روايات هذا النوع  وبالتحديد الغربيين منهم  مع ضرورة الأخذ بنظر الاعتبار تلظي مشهدنا الثقافي من سخونة  إفرازات الحصار لتي كبلت بالقيود مجال اتساع رؤيتنا نحو مفهوم  رحب  وخاصة وان ما يوصل في موسساتنا الأكاديمية من جامعات ومعاهد لايرتقي بأي شكل او يتناسب مع ما يقدم في جامعات الغرب  فقصص الخيال العملي هي  ببساطة استشراف لرؤية مستقبلية ترتكز في خواصها على مفردات علمية لانمتلك الخوض في تفاصيلها الدقيقة .

*ما هي وجهة نظرك التي قدمتها في مقالتك حول الخيال العلمي ؟

-كانت تدور حول علاقة العلم بالمنظومات  القيمية والاجتماعية  والآلية التي تحرك  هذه القيم .. واطرح في هذا المجال مثالا حول تطلع العلم السويدي نوبل  لفكرة اكتشافه  للديناميت بغية تخفيف العبء  على عمال مناجم الفحم لكن كان للسياسة دور اخر في تغيير تيار هذا الاكتشاف المهم وتوظيفه في مجال الحرب والقتل  ومسالة  حصول براءة اختراع نوبل  التي لو أخضعها بتفكير هاديءلمسالة فيزيائية  لكانت قد حققت أهداف أعلى مما حققه اكتشاف الديناميت  ومنها تستقي نظرة العالم الرأسمالي  في سبيل النيل من المعطيات الأخلاقية  التي تعتمد المادة مادتها الرئيسية .

*تتنوع سيرتك الثقافية في البقاء في حضرة صاحبة الجلالة وبين ظهورك الواضح في ميدان القصة القصيرة فأيهما يجد فيه السردار نفسه ؟

-أنضجت تجربتي الاولى في ميدان الصحافة واقصد بها مشاركتي هيئة تحرير مجلة (المربي ) رؤيتي التي اعتمدتها في مجال  البقاء في بلاط صاحبة الجلالة  حيث كانت المجموعة التي تضطلع بتحرير المجلة ذات رؤية مباشرة لإبراز طاقات تنتظر فرصتها للانطلاق في هذا الميدان كما استعانت تلك المجموعة بملاحظات وطروحات مقدمة ممن كانوا قد سبقونا في مجال الاعلام واذكر منهم الدكتور محمد جلوب فرحان و الدكتور ادهام محمد حنش والدكتور فاتح عبد السلام والدكتور محيي الدين توفيق  واصف  تلك التجربة  بالنسبة لي  بأنها محاولة لإثبات الذات  وهذا ما استطعت ان أتحقق منه عبر الكثير من الرؤى التي أفاض  بها متابعو هذا الجهد الصحفي ..

*بعد تجربة المربي لم تتواصل في مشوار الصحافة كما كنت ترمي فما السبب ؟

-أطلت بعد تلك التجربة مهمة أدائي لخدمة العلم في اجواء كانت تخيم عليها  مشاهد الحرب العراقية الإيرانية مطلع ثمانينات القرن المنصرم  وكانت وقتها تصدر في المدينة  جريدة الحدباء فوجدتها كنافذة لنفث  ما يجول في الأعماق من  أفكار  هبت اغلب رياحها معفرة بتراب الحرب  لذلك أعدها فترة مرتبكة متشابكة في هاجسي الأدبي وأؤكد إنها مرتبكة بدليل  مجموعة المقالات التي كنت ارفد بها الجريدة المذكورة والتي تتنوع ما بين  نقد فلم سينمائي  او تركيز على  قيمة اجتماعية او صور للبطولة حينما كانت تعني هذه المفردة في ذلك الوقت مرتكزا للقتل  عبر نماذج اوديب او غاليلو او مدام كيولي .

*هل هنالك قواسم مشتركة بين أدوات القاص و الصحفي ؟

-القاص محكوم  باليات القصة وأدواتها  المعتمدة على الشخوص او الزمان والمكان كأسلحة مهمة في هذا الميدان  اما الصحفي فأدواته في هذا المجال تعتمد الخطاب المباشر  لذلك يأتي نتاجه محكوما بفترة آنية اما القاص فيعمل  للمستقبل ..

*لك حضور طاغ في مجال قصص الأطفال كيف تبلور رغبة هذه الفئة في الاكتشاف وإشباع رغبة الفضول في التحري عن الأشياء؟

-هنا تتبلور نزعتي الأكاديمية بشكل ظاهر للغاية فقد استثمرت ما جنيته من كلية التربية من مفاهيم تعتمد طرائق للتدريس  لأحاول توظيفها في سبيل بث روح المعلومة بأسلوب قصصي لفئة الفتيان تحديدا وانا بقصصي التي أوجه دفتها نحو ساحلهم  إنما ارتكز فيها على جملة أمور تقف في مقدمة أولوياتها انني التزم الخطاب العلمي خاليا من  لغة الزيف والتشويه ..

*هل ساهمت الحرب في تشكيل طينتك الأدبية ؟

- نعم وخاصة انني كنت اعبر بوجهة نظر عن رفضي القاطع للحرب  عبر المحاولة الاولى والتي عنونتها غارة  ونشرتها بمجلة الجامعة التي تصدر عن جامعة الموصل آنذاك وفيها أزاوج  تشظي الجدران بمقاربة لتشظي الذات وأحاول بدلالة القصة ان أنبه عن منجز الانسان  وهو المعبر الأساسي لوجوده..

*تهتم كثيرا بنشر نتاجك عبر نافذة المنتديات الأدبية الالكترونية هل هي فرصة للبحث عن قارئ غير تقليدي ؟

-انا أحاول عبر هذه الوسيلة التعايش مع  اللغة القادمة  فوسيلة مطالعة الكتاب وسط ظروفها التقليدية البحتة من الجلوس على الأريكة  واستنشاق عبق صفحاته  بدأت تلفظ أنفاسها الأخيرة بتصوري الشخصي  وهي ذات المعضلة التي واجهت الوراقين حينما تم اكتشاف  المطبعة .. الكتابة والقراءة  باتت تحكمها آليات  وعلى الانسان ان  يهيئ نفسه  نظرا لهذه التطورات ..

* ماهي تصوراتك لواقع المدينة الثقافي خاصة في ظل ما تمر به من تباين لموقف انفراجات أمنية وفي احيانا اخرى تعقدها بشكل كبير ؟

-المدينة تضج بالكثير  من المنجز الإبداعي الذي يحافظ على واقعها بل وأصالتها   وبصراحة أعلن تفاؤلي إزاء ما تشهده المدينة من جرعات تصب في بوتقة الازدهار الثقافي  فالساحة حبلى بالكثير من الأسماء التي أبرزت مكنونها  بالشكل الذي  يجعلني أفصح عن شعوري هذا ..

*اذن هل تضم معضلة نشر الكاتب لنتاجه الى هموم تعوق تواصل المبدع مع قارئه وبالتالي يمنح المدينة هبوطا في أسهمها الأدبية ؟

-بشان النشر  هنالك الكثير من الحوارات والنقاشات التي تجري في أوساط المثقفين لاستجلاء هذا الهم الذي بات يجثم على صدورنا فهذه العملية بحاجة الى رؤية اقتصادية ناجعة تقودها الى الهدف الأسمى  وإذا أدرنا دفة تلك العملية في ملعب المؤسسات الثقافية فعلينا ان ننزع عن تلك المؤسسات صبغتها الأيدلوجية ليخرج النتاج الثقافي خاليا من الشوائب التي تلحق به ..

* تطغى لغة الحرب وما تحوزه من أدوات على لهجتك الأدبية فهل هنالك ما يقابلها او بمعنى أدق هل تقترب من ضفاف أدب السلام ؟

-دعني أشير الى أمر  وهو انني لااؤمن بوجود أدب للسلام  فالإنسان مرارا في حالة حرب مع الاشارة الى ان حربنا هي بدون أسلحة تقليدية  بل هي صراع ذاتي  فتقبل الآخر هو حرب  والتناغم مع المجتمع  والقفز على قيمة هي الأخرى مرحلة لصراع ..

*مارايك إزاء ما تقدمه النخبوية لأدباء تصنعهم المهرجانات والجوائز الثقافية ؟

-فائدة تلك المسابقات بالنسبة للكاتب هي إعانته اقتصاديا فقط على مواجهة الهم الثقافي  واغلب المسابقات تخضع لمعايير ومواصفات تنتفي معها  الغاية الأهم وهي صناعة الكاتب  المنزه عن التكبل بقيود معينة او التوقف عند حد خطوط حمراء ..

*برز فكرك في مجال اخر عبر رؤيتك في النقد السينمائي فما الذي تقوله في هذا الجانب ؟

-تثيرني عوالم السينما كونها مجال للتنفيس عن الهم الأدبي بصورة وصوت  وانا إزاء رحلة النقد هذه أحاول معرفة طريقة تفكير الغربيين في مقابل ما يضخونه من تصورات تظهر عبر الفيلم السينمائي  وبالذات أتابع أفلاما فرنسية وايطالية لاكتشاف عوالم مدن تلك الدول وما يقوم المخرج من خلفيات للبيئة والمجتمع الحياتي الذي يعيشه سكانها ..

*مادمنا في فلك المدن ،ماهي صورة مدينتك (الموصل ) في منجزك الثقافي ؟

- لاتغيب المدينة عن هاجسي وانا أحاول استلهام سيرتها الحضارية بل اعمد احيانا للتمسك مع ما تقدمه يومياتها من إطباق عرفت بها المدينة وإذا تسنى لك استكشاف ذلك فالأسماء ذات الطابع الموصلي الخاص ايضا  ستكتشفها في وسط ذلك  الكم الأدبي ..

*تهتم كثيرا بالتفاصيل الدقيقة وهذا ما يلاحظه بدون جهد قارئ النتاج الأدبي الذي قدمته ؟

-أسعى من خلال تلك التفاصيل الاستعانة برؤية لما تقدمه الكاميرا وفي هذا الأمر استلال واضح  ومن هذا النموذج ما قدمته في قصة (الزمن المقتول )فمشهدها الافتتاحي عبارة عن حركة لكاميرة سينمائية تتجول لاستكشاف المكان وتنقل تصوراتها بالتالي للقاريء ..

*للأديب حسن مطلك فاصل واسع من سيرتك الثقافية  فما ذا يعني لك هذا الاسم ؟

-الصديق حسن مطلك مثل فترة مهمة في حياتي  فربطتني معه علاقات صداقة وشيجة وميزات حسن تحفز الكثيرين للارتباط بعلاقة صداقة نظرا لما يمتلكه من صدق وإخلاص  وهذه هي ابرز الصفات التي تشد الانسان للأخر ..

*ارتبط اسمك بالقصة فهل للرواية مساحة من هذا الكم ؟

-نعم فانا حاليا في صدد إكمال رواية تتفاعل مع الجرح العراقي الذي لم يغب عن بالي فمنه ما أخرجته للورق  ومنه ما ينتظر الانطلاق للتجسيد   كما قدمت  رواية للأطفال  بعنوان( المنزل الخشبي  وطيور مسعود)  .

*عناوين قصصك غالبا ما تعتمد الضوء هل هي عنوان اخر لهويتك الفيزيائية ؟

-قدمت مؤخرا  سيرة قصصية  لها علاقة بالفيزياء عن  العالم العربي الحسن بن الهيثم  وفي هذا الكتاب  رؤية للكثير من الظواهر  التي تجري في الطبيعة  من خلال انعكاس الضوء وانكساره  علما ان ابن الهيثم كان له رؤية  تجددية بشان ذلك  فهو صاحب نظرية الضوء  الساقط على الأشياء  والكتاب يقدم  فكرة مبسطة لفئة عمرية تتحدد بالفتيان  تمدهم بمعلومات  عن العالم العربي  من خلال تميزه في طب جراحة العيون  وتنبؤه باكتشاف الكاميرا  ومحاولته تحديد موقع السد العالي في مصر  كما يروي عنه  زينيغرد  في كتاب شمس  العرب تشرق على الغرب  ..

*صف لي تسلسل ولادة القصة من خلال اكتشافك لآلياتها وانتهاءا بتسطيرها على الورق ؟

- متى ما اكتشفت ثيمة العمل  وتحددت أمامي تلك الأشياء  أسعى لإفراغها على مساحة الورق الابيض  ومن هذا الواقع لااملك طقوسا معينة سوى البحث عن الهدوء والصفاء النفسي الذي يعجل  بتشكيل العمل الإبداعي ..

* ماهي اطر علاقتك مع النقاد ورؤيتهم إزاء ما نشرت ؟

-تجربتي  معهم لاتتعدى  الخضوع  لمنجز لم يظهر بكامل  تفاصيله نظرا لمحدوديته  واغلب أعمالي تقدم فائدة علمية للقراء ومنهم من أقدم لهم تحديدا العمل كما ذكرت  وبالنظر لوجهات نظر النقاد فاغلبها مفيدة ساهمت في إثراء مشهدي وساعدتني على التغيير والاكتشاف  ومعهم انا أشير الى النصوص الأدبية لها نقاط قوة وضعف  يحاولون هم كشفها  من اجل الارتقاء بالنص  الى أفاق أوسع ..

*بعد الاحتلال عملت رئيسا لتحرير جريدة فماذا بشان تلك الفترة ؟

-عملت رئيسا لتحرير جريدة الفاصل التي أطلقتها نخبة من الأكاديميين  وهي بنظري ردة فعل  لفوضى الاحتلال  فقد رأس مجلس إدارتها القانوني  محمد القيسي كما ضمت هيأة التحرير أسماء اذكر منهم المترجم يحيى صديق يحيى والكاتب المسرحي  شريف هزاع  واعتمدت أسلوب الرؤية الجادة من خلال استقطابها لأقلام نخبة من  الأكاديميين والعلماء العراقيين  الذين رفدوا الجريدة  بمقالات رصينة أشرت الجرح العراقي نبهت عليه مبكرا..

السيرة الذاتية

القاص فارس سعد الدين السردار مواليد الموصل -1958 نال شهادة البكالوريوس من قسم الفيزياء كلية التربية بجامعة الموصل عام 84 وسيرته الثقافية تشير الى  رفده  المجال الأدبي ب25 قصة اغلبها منشورة  في صحف ومجلات عربية وعراقية .. كانت أول قصة له بعنوان( غارة) وتلتها قصة ( أحلام جاءت متأخرة )ونشرت بمجلة الطليعة الأدبية في عددها 2-3 لعام 82.. اما  مجاميعه القصصية المنشورة فهي  قصة( مالم تقله خوذتي)  ومجموعة اخرى بعنوان  (مرايا لاتعكس ضوءا ) بالإضافة الى اكثر من 180 مقالا عن النقد السينمائي والفنون الأدبية الأخرى  ..

 

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links