أسبوع الآلام .. إشارات الإستفهام ..
وظلم الحكام
اسامة ادور موسى
شهد الأسبوع المنصرم ثلاثة أحداث كبيرة، أيقظت حالة من الألم في أوساط
الشعب الآشوري في الوطن و على امتداد الانتشار. فمن المقبرة الجماعية التي
تم اكتشافها في بلدة صوريا الآشورية في شمال العراق، والتي ضمت رفاة عشرات
الشهداء الذين سقطوا على يد نظام البعث المقبور في 16 أيلول العام 1969.
الى المقبرة الجماعية التي تم العثور عليها في مدينة حصنو د كيفو الآشورية
في جنوبي شرقي تركيا، والتي ضمت رفاة عدد كبير من الشهداء الذين سقطوا في
مذابح الإبادة الجماعية التي نفذها الاتحاديون الأتراك في ربيع العام 1915،
وراح ضحيتها ما يزيد عن نصف مليون إنسان آشوري وأكثر من مليون أرمني. مرورا
بما حدث في مدينة القامشلي السورية من قيام الأجهزة الأمنية بمنع قيادة
المنظمة الآثورية الديمقراطية من إقامة احتفالها السنوي بعيد التأسيس في
الخامس عشر من تموز، ومشاعر الإحباط التي سادت الحضور الذي تجاوز عدده
الثمانمئة شخص إثر قرار المنع.
وفي الأسبوع الحالي أيضا يستذكر الآشوريون السريان الكلدان
اثنتين من أقسى مآسيهما في العصر الحديث، تتمثلان بانطلاق عمليات استهداف
المسيحيين في العراق، مع صبيحة الأول من آب العام 2004 فيما عرف بالأحد
الدامي، لتدشن فصلا جديدا من فصول محاولات اقتلاع هذا الشعب الأصيل من أرضه
التاريخية، باستهداف المدن والأحياء والكنائس والشخصيات المسيحية، وتهجير
من تبقى فيها من أبنائها، وفي أحسن الأحوال - حيث يبلغ سلوك الجهات المهددة
أعلى درجات إنسانيته !! - تقوم بتخيير المسيحيين بين إعلان اسلامهم أو دفع
الجزية أو المغادرة الفورية !!!! . ويختتم الآشوريون في العالم أسبوع
آلامهم يوم السبت القادم بإحياء عيد الشهيد الآشوري، حيث يستعيد هذا الشعب
ذكرى مذبحة سيميل المروعة التي راح ضحيتها قرابة خمسة آلاف شهيد، و التي
نفذها الجيش العراقي (بكر صدقي) في السابع من آب العام 1933، ضد المدنيين
العزل في هذه البلدة الصغيرة الواقعة قرب دهوك في شمال القلب .. شمال
العراق.
إن سرداً موجزاً لملخص هذه الأحداث لكافٍ دلالة على هول القمع
والاضطهاد الذي كان ولازال يتعرض له هذا الشعب الأعزل إلا من ايمانه
بالاستمرار وحبه للحياة. وأيضا هي خزعة تشخيص سياسية - تاريخية ، منقولة
عن سجله المأساوي الحافل بالمجازر والمآسي، بعيد انتهاء وجوده السياسي
كامبراطوية قوية حكمت المنطقة من أقصاها الى أقصاها، وكان لها انجازات
حضارية فكرية علمية وأدبية لا تجارى ولا يضاهيها في حينه شيء. وما زاد طين
الآشوريين بلة كان اعتناقهم للمسيحية دينا يحمل راية السلام لخلاص البشرية
جمعاء منذ فجر القرون المسيحية الأولى، حيث مضى هؤلاء ينشرون رسالتهم حتى
وصلوا الى مشارق الأرض في الصين والهند ومغاربها. فقدموا قديسين ولاهوتيين
ومفكرين وباحثين، صانعين مجدا جديدا لامتهم بعد أفول نجم امبراطوريتهم.
لكنهم لم يعلموا أنهم بذلك سيمسون ضحايا اضطهاد مزدوج باسم الاختلاف الديني
والقومي معاً في بحر من الشعوب المختلفة عنهم بالدين والقومية.
السؤال غير البريء الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا استهداف هذا
الشعب بالذات دون غيره بهذا الشكل البربري؟؟ وما لخطأ الذي اقترفه ليدفع كل
هذه الاثمان ؟؟ أهكذا يكافأ من قدم للبشرية كل أصناف الآداب والفنون
وأشكالها ؟؟ أهكذا يجازى من لقن الإنسانية ألف باء العلوم والطب والموسيقى
والرياضيات والتشريع؟؟ أليست نصف قصص الأديان وحكايا الأنبياء التي نرويها
اليوم في كنائسنا ومساجدنا و معابدنا مجرد أساطير وملاحم وقصص وحكايا كان
هذا الشعب العظيم هو من نسجها كجزء من ميثولوجياته و تراثه الشعبي وجدت
كلها محفورة على الرقم الطينية قبل آلاف السنين من مجيء كل الأنبياء ؟؟ إذا
لماذا كل هذا الظلم الذي لحق بهذا الشعب الذي باختصار شديد صنع تاريخنا
الانساني؟؟
لقد كان الآشوريون على الدوام رسل محبة وسلام أينما حلوا،
ورجال فكر وأدب أينما وطئوا، ودعاة عدل وحق أينما وجدوا. ولم يحملوا إلا
القلم ولم يرفعوا إلا الصوت في وجه كل ظلم طالهم وظالم اضطهدهم ، و لم
تزدهم هذه الممارسات إلا التصاقا بوطنهم و قضاياه أكثر فأكثر، لذلك تراهم
لازالوا يعيشون قرب مئات التلال الأثرية المنتشرة على مساحة أرض الوطن و
التي تضم رفاة أجدادهم من ملوك وأدباء وحكماء وقديسين. ولم تكن أحزابهم
السياسية المعاصرة (على الأقل الكبرى منها كالمنظمة الآثورية الديمقراطية
في سوريا و الحركة الديمقراطية الآشورية في العراق) لم تكن تضع مواقفها
السياسية إلا في خانة الاعتدال، والحرص على ترسيخ قيم الشراكة الوطنية
الحقة مع أبناء الوطن جميعا، (لعل أداء المنظمة الآثورية في أعقاب أحداث
آذار الدامية في القامشلي واحتضانها للحوار الهادئ والعقلاني بين مختلف
الأطراف خير دليل على ذلك) ، ورفض هذه الأحزاب مفهوم التواطؤ والتآمر مع
مغريات الخارج والداخل.
ومع كل هذه الأحداث المريرة والأسئلة الكثيرة، تتطاير إشارات
الاستفهام في كل الاتجاهات: فلماذا تصر تركيا على المضي قدماً في التمثيل
السياسي بجثث الشهداء والضحايا عبر إنكارها لمذابح الإبادة الجماعية هذه؟
ولماذا ترفض الاعتراف بما يترتب عليها من التزامات أخلاقية أولاً، وقانونية
ثانياً، تجاه رعاياها السابقين؟؟ رغم أن هذا الشعب لم يقترف ذنبا يعاقب
عليه، إلا اللهم إذا اعتبرنا أن انتفاضته ضد ظلم العثمانيين الشوفينيين
الأتراك له كان جريمة!! ولماذا تستمر فصول الحرب العثمانية بأشكال متجددة
اليوم ضد قرانا وأديرتنا في محاولة يائسة لاجتثاث ما تبقى من رموز حضارية
وشواهد بشرية صارخة على استمرار وجود هذا الشعب على أرضه التاريخية؟؟
أما إذا يممنا شطر العراق المذبوح بين الحنين الى أيام
الدكتاتورية الآمنة وواقع الديمقراطية الجوفاء، فإن سيلا من إشارات
الاستفهام يجرف قلوب ملايين الآشوريين المسيحيين في العالم، فلماذا يستمر
اغتيال هذا الشعب و إبادته في العراق أمام مرأى الحكومات المحلية و
المركزية دون ان يحرك أحد منها ساكنا؟؟ أين أصبحت دعوات الزعماء المسيحيين
الآشوريين باستقدام لجنة دولية للتحقيق في جرائم قتل وتهجير المسيحيين؟؟
ومن يقف خلف تفجير الكنائس في العراق التي تكررت مشاهد احتراقها أكثر من
مرة؟؟ ثم من المستفيد من التستر على الجناة؟؟ ثم لماذا تهميشنا وإقصاؤنا
وتزوير إرادة شعبنا بفبركة قيادات وهمية فارغة المضمون قبيحة الشكل
وتنصيبها ولياً لأمر هذا الشعب رغم أنفه؟؟ أمن أجل هذا ناضلنا معاً لإزالة
حكم الطغاة الإقصائي؟؟
رغم أني لم أكن يوما من المتشائمين ولا من اليائسين ولا من
الميئسين، ولا أفضل أن أبدو كذلك أبداً، إلا أن أسئلة كثيرة وكثيرة جدا
تقفز الى الأذهان حال استعراض شريط الأحداث المؤلم هذا، وهذه مجرد عينة أو
كما أسلفت "خزعة تاريخية" من سجل الآشوريين السريان الكلدان للتدقيق
والتفحص. لكني أكتفي بهذا القدر من الأسئلة بانتظار أن يـُـنفخ في صور
قيامة هذا الشعب يوماً ما، وتختفي من على أوراق روزنامته أسابيع الآلام،
لتنتفي معها إشارات الاستفهام .. فحتى ذلك الحين أستودكم الله ورحمة الحكام
.
|