نظرة من الأعلى

 

                                                                                                                      نبيل شانو

                    تختلف نظرتنا إلى الأمور العديدة في الحياة حسب قربنا منها أو بعدنا عنها ، ونعني بذلك معرفتنا الدقيقة لتفاصيل تلك الأمور ؛ فيقال أن فلان لديه نظرة بعيدة المدى للأمور ، أي أنه ملم بما يجري حول ذلك الموضوع ، لذلك فهو قادر على تحليل وتفسير الوقائع الحاصلة بشكل منطقي حقيقي ، وبالتالي فهو قادر على إصدار أحكام واقعية ــ منطقية . وكذلك يقال أن فلان نظرته قصيرة للأمور ، أي أنه غير واع ٍ بشكل عام وغير قادر على تحليل الوقائع المتعلقة بذلك الأمر ، سواء أكانت تلك الأمور متعلقة بحاجات خاصة أو عامة . والنظرة للأمور من الأعلى الذي هو موضوع مقالنا ، ليس المراد منه البعد عمودياً لمسافات بعيدة بحيث يصبح الحكم من خلاله على مختلف المسائل التي تهمنا بعيد المنال " حينها تصبح كافة الأمور نقطية مبهمة غير قابلة للتفسير"؛ أنما الهدف هو شمولية النظرة إلى الوضع بشكل عام للتمكن من الفهم ومن ثم الحكم والمعالجة بشكل صحيح . ولو افترضنا جدلاً بأن هناك " كائناً من كان " ينظر من تلك الارتفاعات ويملك من المقومات العقلية والأخلاقية وحسن النيـّة ( الخير) .. " الخير الكثير وليس المطلق ، كون الخير المطلق هو من صفات الذات الإلهية حصراً " ، بالإضافة إلى امتلاكه القدرة على تغيير الأمور السلبية الحاصلة ؛ فكيف ستكون الأوضاع مع هكذا قدرة ؟ .. بالتأكيد ــ جواباً على هذا السؤال ــ ستكون الأوضاع مختلفة اختلافا كلياً عما يجري حالياً . إذا تمكنـّا من " التحليق " مع هذا (الكائن) لاستطعنا رؤية الناس وهم يسيرون في الطرقات ، متخذين من الشوارع والأزقة طرقاً تؤدي بهم إلى مسعاهم ، فمنهم نراهم متوجهين إلى أعمالهم ، أو لقضاء حاجات معينة ، أو ذاهبين للتعبد ، أو للقيام ببعض الأمور المنافية للأخلاق ، أو ذاهبون لارتكاب جرائم بحق غيرهم من البشر ؛ وهنا نتساءل : لماذا يسير من يهدف إلى الشر جنباً إلى جنب من يهدف عمله إلى الخير ؟ .. كيف يمكن أن نفصل بين الذاهب إلى الصلاة عن الذاهب للسرقة ؟!! كذلك كيف نفرق بين الذاهب إلى عمله لكي يوفر المعيشة لأطفاله عن الذاهب لقتل الطفولة في مهدها ؟ وكيف نبعد من يهب لمساعدة الآخرين عن من يسرقهم ويحاربهم في قوتهم ؟ والأدهى من هذا كله كيف نبني ساتراً بين من يحب الناس جميعاً ويعتبر نفسه جزء بسيط من المجتمع الأكبر ، وبين من يكره الناس جميعاً ويعتبر نفسه السلطة الوحيدة القادرة على إصدار الأحكام ؟!! . فيأتينا الجواب : بأن ذلك شيء طبيعي ، وعلى مر العصور كان الشر يتعامل مع الخير ، ولكل هدفه الذي يسعى إليه ، ثم كيف سنستطيع معرفة الخير ، إن لم يكن هناك شر ؟ ولو لم يكن هناك جهنم ، فمن سيعمل من أجل الخير ، وهو على يقين من أنه صائر إلى الجنة لا محالة ؟!! .. إن ما يحصل هو أن الشر يحاول دائماً ومنذ بداية الخليقة الفوز على حساب الخير ، لكن ذلك لا يدوم ، لأن فوزه ( الشر) يعني نهاية البشرية وفناءها ؛ صحيح أنه يتقدم في لحظات معينة من الزمن ، ويؤدي ذلك إلى الخراب والدمار ، بعدها يترك الساحة للخير ليؤدي دوره في البناء والتعمير ، ليعاد الوجه الصحيح للحياة ، فبدون الخير ليس هناك حياة ، فالخير هو الحياة والشر بالتأكيد نهايتها .

 

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links