على خطى الملا عثمان الموصلي لسبر أغوار اللحن الموصلي 

مقداد العبادي  يملك شفرة سرية لأصالة الفن  المضمخ بعبق الزمن الجميل

                                                                                                                 

                                                                                                                      سامر الياس سعيد

 

                   في مركبة زمنية لاتخضع  لأميال ومسافات ملموسة  كنت فيها أنصت باهتمام لهواجس شيخ فاضل يستشعر الخطر على زوال اثر من كنوز الفنون الموصلية الأصيلة .. وديعة أودعها  الملا عثمان الموصلي فحافظ على أمانتها بروحية موصلية لا تعترف بمحاولات التشويه وأظافر مسمومة تخدش كل أصيل  فتصدها روحية  اعتمرت أعماق  الشيخ مقداد  عبد الله العبادي  فاسكنها أعماقه ونفثها هموما في حواري معه والذي استمر لساعة من الزمن .. هاكم تفاصيله :

*كيف ترعرع هذا الهاجس في ملاحقة إبداع الملا عثمان الموصلي ؟

-منذ عامي السابع كان والدي يصطحبني الى أماكن المناقب النبوية فتعودت إذني على منهجية لاتعترف بالنشاز والمقلد بل زرعت فيي حب استكشاف عوالم الفن الأصيل  الذي يقترب من الابتهالات  ..

*هل تذكر مكان الغرسة الاولى ؟

-في محلة  رأس الكور  بدا ت التعود على أنماط موروثة من إبداعات الملا عثمان  وخاصة من لدن الملا  صالح اسماعيل  حتى إنها دفعت والدي لدعمي بمطالبة القراء ان أشاركهم جلسات  المنقبة  النبوية  في ظل معارضة عمي  لصغري سني آنذاك .

*وهل انتصر هذا الموروث في ظل مشوارك الحياتي ؟

-بل ارتدى درجة الثبات  بعد ان كان مجرد هواية  فأضحى حضور  الالحان التي تركها الملا عثمان  طاغ ومجسد بشكل كبير عن باقي الألوان السائدة .

*وماذا احتوت خارطة البحث الاولى في اثر اقتفاء تلك النتاجات ؟

-كانت عبر بوصلة منحني عقاربها الأستاذ الفاضل حسين  الفخري –رحمه الله- فهو الذي انتبه لموهبتي مما قاده لتعريفي بالرواد الذي جايلوا زمن الملا عثمان  ومنهم السيد حسن ابن السيد شيت  وهو من أعضاء فرقة الملا عثمان وهو الذي علمني الفرق بين الوان التنزيلة والمقام وغيرها من ركائز الالحان الموصلية العتيقة ..

*هل لك ان تطلع القارئ على ركائز تلك الموروثات ؟

- يرتكز إبداع الملا عثمان  على  الوان من الأداء يتقدمها إلمام تام بالتنزيلة وهي  قصيدة بالعربية الفصحى ذات طابع ديني  لتحن وفق المقامات الموسيقية  لتقابل  الطقطوقة المصرية و الموشحات الأندلسية  وبفضل طباع الموصليين التي تلتزم الروحانية فقد أكثروا من التنزيلة ..

*من تخصص في التنزيلة على  زمانها  الذي تزامن مع الملا عثمان الموصلي ؟

- هنالك الكثير من الأسماء التي حفرت بصمتها  عبر  واقع إجادتها لفن تدوين التنزيلة  اذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر  الملا عثمان نفسه و الشيخ  عثمان الخطيب و سليمان بك  الجليلي  واحمد عزت  أغا البكري وملا  علي الجعفتري ..

*وهل هنالك محاولات للسير على خطى تلك الأسماء عبر راهن الواقع الحالي ؟

-حاولنا ذلك  بأسلوب لايفقد قيمة ذلك الفن بل يحاكي أصالته  بصورة تلتزم ما  يعيشه حاضرنا من احداث  فاستعنا بإشعار الشاعر عبد الوهاب اسماعيل والحان  أكرم حبيب في تنزيلة حملت عنوان ( ياواحدا دون ثاني)  وغيرها  من التنزيلات المعروفة ..

*وهل يختلف المقام الموصلي عن باقي  المقامات الموسيقية ؟

-لا بل يمتلك نفس روحية المقام العراقي  لكن النكهة تختلف  مثلما ينجح بغدادي في اعداد  طعام بنكهة يضخ فيها نفسا بغداديا خالصا  تماما مثلما يفعل نظيره الموصلي ..

*وأكثر ما يزعجك في ظل بحثك الحثيث عن الإبداع الموصلي  الموروث؟

-محاولات التشويه التي تطاله من أناس تعتمد  الارتجال والعشوائية في فن لايقبل الرضوخ  لهما ونسعى حاليا لإبعاد كل  لمسة من شانها ان تلوث اجواء فن الملا عثمان وتعتمد الإساءة اليه .

*وماهي المعالجات التي ترتايها في هذا الجانب ؟

- طموحي  في تأسيس  معهد يعنى بالمحافظة على الإرث  الطيب الذي تركه ذلك السلف الصالح  والذي يلفظ اليوم أنفاسه الأخيرة وسط تجاهل  تام وتغييب لامبرر له ..

*ألقيت باللوم على البعض الذي يترصد بالسوء لتلك الموروثات الإبداعية هل لك ان توضح تلك الإطراف ؟

-هنالك مطربين موصليين  يؤدون المقام بطابع يختلف عن نكهة موصلية مؤثرة  فيشاهدهم المتابع والمتذوق في  رداء مقلد لا مؤدي  خاصة حينما يقدمون  مقام البنجكاه بأسلوب بغدادي صرف ويتعمدون إغفال تراثهم الموصلي الذي يعتمد الكثير من المقامات منها الرست الموصلي و مقام القطر الموصلي  والإبراهيمي  وكلها ذات نكهة موصلية غالبة ..

*هل لك مشاركات سواء داخل القطر او خارجه؟

-تيسرت لنا فرصة المشاركة بالكثير من المهرجانات المحلية ومن اهمها مهرجان الربيع عام 2001 ومهرجان القدس الذي احتضنته قاعة جامعة الموصل ومهرجان الملا عثمان الموصلي الذي أقيم باربيل خريف العام الماضي  اما المشاركة الخارجية فقد كنا قريبين من أداء لوننا الموصلي  في دعوة لمعهد العالم العربي في باريس غير ان الظروف القاهرة كانت لها كلمة  حالت دون  تمثيل القطر في هذا المحفل العالمي ..

*وما هي أصول تلك المشاركة الدولية ؟

-لها حكاية هي الأخرى فقد دعتنا احدى الشخصيات لإحياء ليلة موصلية  على هامش افتتاح معرض للفنون التشكيلية أقامها فنان موصلي في العاصمة الحبيبة (بغداد )عام 98 وكان من ضمن الحاضرين ممثل للمعهد الثقافي الفرنسي الذي  وجه لنا الدعوة للمشاركة  الخارجية التي لم تتم فصولها ..

*يقال انك تمتلك خاصية فرز اللحن الأصيل من المقلد ؟

-علمني أستاذي حسين  الفخري تلك الخاصية بالرغم من ان الكثير من الالحان تأثرت بلمسات لاتتلائم مع أصالتها كون اغلب من دخل مجال الموروث الفني دخله عن طريق الهواية وليس التخصص كما ان بعض الناس الذين لا يتقنون مخارج الألفاظ القوا بتعبات سلبية على بعض التنزيلات  وحرفوها لتتناسب مع الالحان  وبفضل الله استطعت التقرب من الجيل الذي جايل الملا عثمان لاتعرف عن كثب عن اهم تلك الأخطاء الشائعة وأحاول تصحيحها وإعادتها الى  سابق عهدها .

*ويشاع عنك انك حريص عن الموروث الذي تركه الملا عثمان وتعارض استخدامه في الالحان الغنائية ؟

-بالطبع وبسبب الجهل فقد عرف الناس عن ملا عثمان قطعتين فقط هما (زوروني بالسنة مرة ) و(طلعت يا محلا  نورها ) رغم بقاء الالحان التي تركها الرجل  وتقدر بالعشرات حبيسة لايتقنها ولايعرف بها احد وحتى تلك القطعتين أراد البعض نسبها الى سيد درويش لكن الاخير كان أمينا الى درجة الإفصاح عن الملحن الأصلي  لهما.

*وهل هنالك من يعلم بمصير البقية من الالحان التي ذكرتها ؟

-نعم هنالك من يعلم بها  حيث تابعت احد قراء المقام وهو ينشد بيتا بعنوان (للعاشق في الهوى دلائل ) وقد قدمها في العاصمة الأردنية  لكنه مع الأسف أداها بصورة غير صحيحة ولاتتناسب البتة مع اللحن الموضوع لها..

*وهل تعتقد انك الحارس الوحيد لتلك الكنوز النفيسة ؟

-بالطبع لا  فهنالك أصوات مطالبة بالحفاظ على هذا الإرث النفيس ومنهم الفنان العراقي نصير شمة الذي  تابعته من على شاشة احدى الفضائيات وهو  يؤكد ان القطعتين اللتان ذكرتهما هي لفنان عراقي أصيل  ومن ثم نسبهما لصنف الموشحات الدينية  لكن البعض حورها لكي تأخذ طابعها المغنى بالشكل المعروف حاليا.

*وهل لك محاولات شخصية في  تقديم تلك الفنون  وإظهارها  لأجيال قادمة كي لاتندثر ؟

- بحكم وضعي  كشيخ في تجويد القران الكريم  فانا اعتبر ان  إتقان المقامات احدى الأدوات الأساسية التي يتسلح بها القاريء  ورغم ما يتوفر لي من وقت ضيق فانا لااتوانى عن تقديم ما يفيد الأجيال القادمة  بالنسبة لما ورثناه من الأجداد .

*هل تعتقد ان المقام الموصلي مغبون بالنظر لغياب أوجه المحافظة على فصوله ؟

- لاشك ان المقام البغدادي حظي بكثير من دعم الجهات ونال  توثيقا لفصوله حتى يبقى خالدا ضد عاديات الزمن  بالمقارنة مع فننا الموصلي  وقديما قالوا عن المقام الموصلي  بأنه يولد في الموصل ويترعرع في كركوك ويموت في بغداد .

*هل زارتك شخصيات فنية للنهل من تلك الينابيع والتقرب عن فك شفرات الفن الموصلي الأصيل ؟

-في احدى السنوات زارني المرحوم الفنان عارف محسن وكان بصدد اعداد رسالة دكتوراه عن الملا عثمان الموصلي ويبحث في تفاصيل الحانه والتركة النفيسة التي ورثناها وقدمت له كل ما يبحث عنه حتى أشاد بدعمي ومساعدتي له  كما زارني  فنان المقام العراقي حسين الاعظمي منتصف عام 2002  وطلب مني ان اسمعه بعض الالحان  ولبيت دعوته  فكان علامات الإعجاب حاضرة  ووعدني بالدعم  والمساندة لغرض إبقاء تلك الالحان  خالدة دون ان تتأثر  بافة الزمن .

*وهل سجلت تلك الالحان ؟

-سنحت لي فرصة ان أضم  سبعة الحان  من نظم الملا عثمان وغيره من  الموصليين  وهي (ياصاح هيا ) و(هب الصباح الفياح ) و(أتاني زماني ) و(للعاشق في الهوى دلائل ) و(لي فؤاد حن ) و(ياخل  روحي تفداك ) و(اختفت شمس الضحى ) وهي في متناول الراغبين  والمتابعين لأرث  الموصليين القدماء .

*وماذا عن دعم النخب الموصلية لك ؟

- لاشك في ان الموصليين  يمتازون بمحافظتهم وحرصهم على موروثات مدينتهم  وقد  أهداني الخطاط الموصلي الكبير يوسف ذنون كتابا مخطوطا  ذات قيمة  غالية حمل عنوان  (التنزيلات الموصلية الشائعة ) وضعه  محمد بن علي الصفار  سنة 1933 ويضم النصوص  والتنزيلات  وقد صححت اغلب أخطائها الشائعة  واسم واضعها يأتي في نهاية كل تنزيلة .

*وهل كانت مشاركاتك وحيدة ام كان لك رفاق في متابعاتك  هذه ؟

- في عام 99 أسسنا فرقة  أسميناها  فرقة الحبيب  بمشاركتي وبمشاركة  الفنان أكرم حبيب ووليد عثمان ورامز حازم  وعبد الملك سليمان  وأقمنا الكثير من المهرجانات ذات الطابع الديني منها ما أقيم على قاعة النشاط المدرسي فضلا عن إحياء ليلة في نقابة أطباء نينوى وحالت ظروف المدينة دون الاستمرار بتلك المجموعة  وفي العام ذاته وجهت لنا الدعوة لإحياء فرقة الملا عثمان التي كانت قد تأسست في المدينة  منذ مطلع الستينات  وكان معي الفنانين الرائد يونس الكني وعزيز الخياط واحمد الصوفي وكنا حاضرين في اغلب أمسيات بيت المقام العراقي في نينوى  والمناسبات الدينية التي تحتضنها المحافظة وخاصة إحياء ليلة القدر  كتقليد سنوي في كل عام .

 

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links