الحرية..
فكر انساني من نوع خاص

نبيل ياقـــو
ان حالة الوجود الانساني تفرض نوعاً من التعايش
بين الجماعة البشرية الواحدة لتقوية الاواصر والروابط الاجتماعية على مستوى
الاسرة والعلاقة مع الاخرين. لتعزيز دورها ضمن الجماعات الاخرى النظيرة لها
ولضمان استمرارية الوجود وعدم التعرض لمضايقات اضافة الى الشعور بالاستقرار
المكاني، واعطاء الضوء الاخضر لافرادها للعيش بسلام وامن مع بعضهم البعض
ومع الجماعات الاخرى. وايضا اضاءة للضوء الاحمر للتصدي للمتمادين في نيل
الحقوق الفردية على حساب الجماعة اولا والفرد الاخر الذي ينتمي اليها
ثانيا.
السياسيون يقولون ان
السياسة هي ادارة من النوع الذي تسود فيه الشفافية والاداء الحسن للمؤسسات
الحكومية والدستورية والتشريعية والتنفيذية لتوفير الخير العام، والحرية
والكرامة الانسانية للشعوب والامم والمجتمعات التي تقودها عبر الرؤساء
والمسؤولين..
ربما يكون للفطرة
والتطور الزمني الدراماتيكي للاحداث السبب الرئيس لقبول المجتمعات انظمة
مستبدة لفترة من الزمان دون ان تكون لها القدرة على دهرها او تغييرها
والتمرد عليها، والنصيب الاكبر لهذا الامتناع الولاءات المذهبية او
العشائرية او القومية، والاغلب هو حاجز الخوف المتجذر من الاستبداد والظلم
الذي ستقع تحت طائلته اذا ما حاولت التخلص من، او التفكير في موقف علني
هدفه الوصول الى نقطة التمرد، وتشجيع الاخرين على قلب وتغيير السائد
المتعارف عليه الذي نما وترعرع فيه.. وخوف اخر من المجهول الذي لا يمكن
التنبؤ به او معرفة شكله وطريقة تعامله مع الفرد او المجتمع.. هل سيكون
افضل ام سيكون "المر افضل من الأمر منه"..؟ انه خوف ثان يشعر به الانسان
والوجود الفردي.. الخوف من كل شيء؟!
يتبجح المتسلطون
بالحقوق الاساسية المعطاة لشعوبهم ومجتمعاتهم وكأنها مكتسبات وليست حقوقا
ملزمة لكل السلطات.. ان الحقوق المهمة والاساسية لوجود الفرد الانساني لا
تحتاج الى الاعتراف بها من قبل اي جهة كانت، بل هي بحاجة الى من يرعاها
ويزيد مضامينها ثراءا وحكمة، ويعكس انسانيتها ويصون تشريعاتها لضمان العمل
بها دستوريا قبل ان يكون اخلاقيا.. والجماعة البشرية "شعب، منظمة، وقومية..
الخ" وتنعكس على الفرد الذي هو يكون الجماعة، وبدونه لا وجود لشعب ومجتمع
ووطن.
ان الفكر السياسي ولد
من رحم الفكر الانساني، كظل له، والذي نادى لقرون طويلة عبر الفلسفة
والثقافة وغيرها من الاداب، بحرية الفرد، وحرية الانسان، واحترام خصوصياته
في طريقة العيش، والتنقل والامتلاك... الخ.
وهنالك حقيقة ان النزعة
نحو الحرية الموجودة لم تر النور الا بعد ان نضج اصحاب القرار السياسي عبر
دول العالم وتشبعوا من الفكر الانساني الميال نحو التحرر المنادي لكسر
اقفال الممالك والدكتاتوريات والاقطاع والامراء الذين سدوا الطريق امام
تطور الانسان، ونزعته نحو الانعتاق وقاموا باستغلال طاقاته وحولوه الى عبد
بل احيانا كثيرة الى مسخ.
ان الميل للتجبر
والغطرسة هو شر قابع في داخل النزعة الانسانية يظهر حين يشعر ان له مكانة
وسلطة وجبروتاً في الوسط الانساني... هذا اسميه فكرا هداما شل العقل البشري
وابداعه على مختلف الصعد، ونشر اسمه في كل مجال ومنع الثقافة والافكار
والاداب من ان تسير في طريقها الصحيح نحو خير الانسانية. هو فكر خطر يظهر
بين الحين والاخر ويتلبس بلباس مختلف ومتنوع.. ويستخدم احيانا الدين ليلمع
به وجهه القبيح ويوظف القيم والمقدسات والعقائد السماوية والارضية لاغراضه.
يحافظ الانسان على
وجوده بفطرته، وشعوره وبرغبة العيش الموجودة فيه كغريزة قوية، لا تزول الا
بفنائه، وليحمي حريته وخصوصيته في الرغبة الجامحة للانعتاق من نير القيود
والتي تمنعه من التفكير، والحركة ويحاول ان يطير كالفراشة يرسم فسيفساء
حياته مثلما يحب.. ولا يرضى ان يكون مسلوب الكرامة وان يجرد من فضائه الحر
حيث يقاتل حتى الرمق الاخير لينال ويحيى كينوته المستقلة ويضع هالة حولها
لمنع اي تجاوز على حدودها. الانسان المتحرر لا يجب ان يكون في دائرة يدور
حولها كثور او كحمار الرحى "طاحونة المادة والاستغلال" صغيرة كانت ام كبيرة
فهي تخنقه وتنخر قواه وخاصة اذا كانت من اجل مصالح اخرين لا نهاية
لجشعهم..
هل نحن نملك زمام
امورنا؟ يراود الجنس البشري هذا السؤال منذ عرف انه حر.. وعرف ان الحياة
ليست خبزا وماءا وطعاما فحسب.. هل له الحق في ان يقول كلمته دون قيد.. ودون
خوف من الظالمين والقساة والساكنين في جحور الظلام.. حين اكتشف ان الخنوع
هو اثمن انواع بيع الحرية بابخس الاثمان..؟!
يمر الانسان بضغوط
كبيرة تجبره على دخول ازمة الخوف وتجنب الصدام مع المفسدين في المجالات
كافة وخاصة الفكر والسياسة.. ولكنه يعرف حقيقة واحدة.. لا يشعر بها الا
الاحرار بقلوبهم وعقولهم وامالهم وافكارهم..حقيقة فسحة الحرية. الحرية نشيد
جديد يردده كل يوم ليحول فيه كل السكون الى حركة متسارعة، ويعرّف البدائية
والتخلف هي لمتحجري العقول.. الراغبين في التسلط والتفرد والمعادين لكل شيء
جميل.
قال السيد المسيح: حيث
قلبك هناك يكمن كنزك.. هناك في قعر القلب البشري يكمن الانسان الطيب الحر
الذي يتعالى على غرائز السلطة والخرافات وطقوس الاساطير والخلود.
اراد كل الفلاسفة
والمفكرين ان ينادوا بصوت جهوري عبر الاجيال.. حيث القلب هنالك يكمن الوجود
والحرية.. والفكر الحر..
|