التهجير
... تخطيط مسبق ..
أم سياسة طارئة ؟ ..
نبيل شــــانو
ليس هناك
أسوأ من التهجير بالنسبة لأي مجموعة بشرية .. والتهجير بمعناه البسيط هو
أرغام شخص أو مجموعة من الأشخاص على ترك أماكن سكناهم والهجرة إلى أماكن
أخرى ، خدمة لأغراض القائمين على التهجير عرقية كانت أم سياسية أم اقتصادية
.. وفي العراق ظهرت هذه السياسة منذ أواخر القرن الماضي نتيجة أسباب عديدة
خدمت مصالح الحكومة القائمة آنذاك ... وقد استمرت هذه السياسة "التهجير"
حتى بعد عملية التغيير ، بل وتوسعت بشكل كبير لتشمل كافة مكونات الشعب
العراقي ولأسباب عديدة ، تلك الحالة ألتي لم تكن معروفة في مجتمعنا خلال
العقود الماضية بل وقبلها .. وقد أطلت بوجهها القبيح خصوصاً بعد عملية
استهداف مراقد أئمة الشيعة في سامراء ، تلك الجريمة ألتي كانت الغاية من
وراءها العمل على إطلاق حالة التهجير ألقسري لمئات بل لألوف العوائل من
مناطق سكناهم إلى أماكن جديدة ، وبالمقابل تم ضرب العديد من المساجد السنية
في شتى أنحاء العراق .. حيث أخذ المتطرفون ومن الفصائل المختلفة بالتشجيع
والدفع على هذا الفعل ، وكان من نتائج ذلك خلق حالة من التشتت داخل نسيج
المجتمع الواحد واستحداث هجرتين إحداها داخلية أي داخل مناطق البلد
المختلفة والأخرى خارجية وتشمل جميع بلاد الله الواسعة .. ولم يقتصر
التهجير على فئة معينة أو مكون بعينه ، بل شملت جميع مكونات هذا الشعب ..
فالعربي السني يهجـّـر من أماكن ذات الأغلبية الشيعية .. و العربي الشيعي
يهجـّـر من أماكن ذات الأغلبية السنية .. والعربي يهجر من أماكن ذات
الأغلبية غير العربية .. والعكس صحيح .. والمسيحي يهجـّـر من أغلب هذه
المناطق !!.. ولا ننسى بالطبع بقية مكونات الشعب الأخرى ألتي تعاني كذلك من
نفس الحالة .. ومن يرفض هذه السياسة فانه يستهدف بالويل والثبور وعظائم
الأمور ، فنحن نلاحظ استهداف ضباط الجيش السابق وأساتذة الجامعات وأصحاب
رؤوس الأموال ، حيث إن من نجيّ منهم قد هاجر إلى خارج البلد حفاظاً على
حياته وحياة عائلته ..
إن من يقوم بهذه الأفعال إنما يهدف
إلى ما يلي :
أولاً / ضرب حالة الوحدة الوطنية و التعايش
المشترك بين مكونات الشعب لفرض أمر واقع يخدم بواسطتها
أهداف المغرضين
.
ثانياً / فرض أمر واقع جديد باستحداث مناطق
ذات لون واحد .. للتشجيع على قبول النظام الفيدرالي الـــوارد
ضمن الدستور ، بحيث يصبح إقراره
تحصيل حاصل للخروج من هذا الوضع الصعب .
ثالثاً / دقّ إسفين التفرقة بين أبناء الشعب
المتسامح بطبعه وتربيته وخلق حالة من البغضاء .. ألتي سيتطلب
القضاء عليها وعلى آثارها مدة طويلة
من الزمن .
رابعاً / تأخير عملية البناء الاقتصادي
للبنى التحتية المهدمة وبالتالي خلق حالة من الفوضى تساهم بالإضافة
للفساد المستشري إلى عدم استقراره
.
إن ما شجع على هذا الوضع هو غياب
أو ضعف الحكومة المركزية وبالتالي غياب القانون ألذي يحمي المواطن ومصالحه
.. كذلك التزام البعض ممن تسلم السلطة حالياً بأجندات تخدم طائفة أو مكون
معين .. ويجب أن لا ننسى العامل الاقتصادي ، حيث إن الكثير من أصحاب رؤوس
الأموال قد تركوا أماكن عملهم ومصالحهم نتيجة الفلتان الأمني والإرهاب إلى
أماكن أكثر أمناً ، داخل البلد أم خارجه ، وما نتج عن ذلك من بطالة طالت
العديد من الأيدي العاملة ألتي أصبحت بلا عمل دون حساب البطالة المستشرية
أصلاً ، في وقت بلغ فيه التضخم الاقتصادي أوجه ... إن من أكبر مآسي
المهجرين هو عدم وجود أمن في البلد حالياً وحالة الخلل الاجتماعي والأسافين
التي تدق في جسد الوحدة الوطنية البعيد عن العنصرية والطائفية ، فبعد ما
يقارب من الأعوام الخمسة على التغيير لم يشهد أي تطور ( كما كان مؤملاً)
وفي مختلف مناحي الحياة الأمنية والاقتصادية والاجتماعية ، كل ذلك أنعكس
بصورة مباشرة على وضع العراقيين .
أن التجمعات البشرية المختلطة
عرقياً وطائفياً ودينياً لهي دليل صحة لأي مجتمع نحو طريق التفاهم والترابط
والتقدم العلمي والثقافي .. أما ما يجري عندنا في الوقت الحاضر فهو حالة
استثنائية ، وفي حال استمرارها ستؤدي إلى نتائج كارثية لا تخص مجموعة
بعينها .. بل ستشمل الكل .. ناهيك عن المجهول الذي ينتظر الوطن بشكل عام
حيث سيصبح كريشة في مهب ريح مصالح داخلية وخارجية بعيدة كل البعد عن حالة
الاستقرار المنشودة كي يضع قدميه على أول الطريق ....
|