واقع الإعلام ومتطلبات القضية

 

 

                                   وسام يوسف

             قلت في وقت سابق وفي مناسبة أخرى إن حادثة كنيسة سيدة النجاة كانت نقطة التحول الرئيسية في تاريخ شعبنا , وقلت أيضا أن ماكانت علية الأمور قبل اعتداء كنيسة سيدة النجاة لم تعد كما كانت علية مطلقا , هذه الكلام لا ينطبق على السياسة فحسب بل على جميع المجالات بما فيها الإعلام   .

كانت  الاعتداءات على  كنيسة سيدة النجاة قد  شدة جميع وسال الإعلام  محليا وعالميا  إلى مأساة شعبنا داخل العراق والاعتداءات التي يتعرض لها بشكل مستمر منذ عدة سنوات وكل وسيلة إعلام كان لها زاوية معينة تنضر إلى الحدث وتقدمة للمتابع حسب ما تمليه أجندتها الخاصة .

حيث أصبحت وسائل الإعلام ألان تشكل أهم أدوات وآليات صنع السياسة , سواء كانت محلية أم عالمية ، وصار الاستخدام المتواصل والمباشر لمحطات الإذاعة والفضائيات ووكالات الأنباء ومواقع الانترنيت" مواقع التواصل الاجتماعي " ، إضافة إلى المؤتمرات الصحفية والجرائد والكتب , أكثر تأثيرا من القنابل لتحقيق مصالح  الدول والشعوب ،  وتزداد أهمية وسائل الإعلام أثناء الأزمات، لتلعب الدور الرئيسي في "إنضاج الأفكار والحلول  وصنع البدائل الكفيلة  بمعالجة هذه الأزمة أم تلك".وعلى ضوء ذلك يبدو واضحا لمتابع الخطاب الإعلامي لشعبنا ، أن هناك اختلالات كبيرة وكثيرة تعرقل أدائه،  بما يجعل رسالته غير مكتملة الأطراف وناقصة أيضا ،  مما يسبب تحريف هذه الرسالة بشكل يسئ إلى الرسالة نفسها , وهذا ما يقتضي من القائمين على هذه الوسائل الإعلامية والموجهين لها إلى وضع الحلول المناسبة لهذه الفوضى . حيث أن من ابرز النقاط التي يجب تلافيها في إعلامنا عدم وضوح الخطاب الإعلامي في وسائلنا المختلفة إضافة إلى  العشوائية والارتجالية   التي تحيط بإنتاجنا  من الخطاب الإعلامي  ، والتي تؤشر أيضا إلى غياب إستراتيجية واضحة لوظائف وأهداف الفعل الإعلامي، وليس بغريب أن تتفاقم تلك الإختلالات إبان الأزمات، بغض النظر عن طبيعتها، كما اشرنا ، سواء كانت تلك الأزمات سياسية أو اجتماعية،

إن إحدى أهم واكبر معضلات إعلام شعبنا هي عدم تمكنه من خلق تواصل وارتباط وثيق مع المتلقي وبقاءه بعيدا يحاول اللحاق بركب الإعلام المعاصر الذي يمتاز بالكثافة والغزارة وحدة المنافسة , وفيه الفرد يتعرض لرسائل إعلامية أكثر من مقدرته على متابعتها والإطلاع عليها وفهمها.
وكذلك أكثر من الوقت الذي يستطيع أن يخصصه أي فرد للتعرض لوسائل الاتصال. ترتب على ذلك احتدام المنافسة بين الرسائل، وتزايد الجهود المبذولة لتقديم رسائل مبتكرة ومتطورة وجذابة، قادرة على أن تنافس ، وأن تصل ، وأن تؤثر .
أتاح التطور التكنولوجي وتطبيقاته المتسارعة في مجال الاتصال للفرد المعاصر أن يبرمج تعرضه لها  ، وأن يحدد خياراته، وأن ينتقي ,  ولم يعد بالتالي محاصرًا بوسائل إعلام محلية فقط بل وطنية  ودولية   و أصبح  الفرد بإمكانه أن ينوع مصادره الإعلامية، ويختارها بدقة وترتيب   , وهذا ما جعل مهمة الوصول إلى المتلقي  خاصة المتلقي من أبناء شعبنا أكثر تعقيدًا . هذا بما يخص الجانب العام , أما فيما يخص  الجانب القومي من إعلامنا   فالمسالة اقل تعقيدا لكن أكثر تخبطا خاصة قبل اعتداءات كنيسة سيدة النجاة .

إعلام شعبنا بعد عام 2003 :-

بداية لا بد أن نتفهم طبيعة وسائل إعلام شعبنا سواء منها المقروءة أو المسموعة أو المرئية والالكترونية من حيث أن اغلبها تابعة لأحزاب وتنظيمات شعبنا تمويلا وإدارة  سواء بشكل مباشر أو غير مباشر وتخضع بشكل أو بأخر للأجندة   السياسة ومواقف الأحزاب , ولابد أن استثني هنا البعض القليل .

 أهم ما يميز إعلام شعبنا عن غيره  انه ذات وجهين , أي مزدوج المهمة فالوجهة الأول من إعلامنا هو الحامل للرسالة القومية أي الإعلام الذي يمكن أن نسميه الإعلام الداخلي والوجه الثاني هو الإعلام الحامل للرسالة الوطنية وهو ما اسمية الإعلام الخارجي  , الذي يقدم ويعرف شعبنا إلى شركائه الآخرين في الوطن وفي الأزمات خاصة , ولابد أن تكون إحدى الرسالتين هي الفاعلة لكن بما لايقلل أهمية الرسالة الأخرى أو يلغيها , أو حتى أن يخلط بينهما بما يظهر إعلامنا بشكل الإعلام المتخبط . خلال الفترة والسنوات التي سبقت اعتداءات كنيسة سيدة النجاة كان إعلامنا قد أعطى الجانب الداخلي أو الهم القومي والمشاكل الداخلية القدر الأكبر من الاهتمام بناءا على الصراعات التي كانت قائمة بين أحزاب شعبنا وأيضا الاستحقاقات السياسية القائمة في الوطن من انتخابات ومناسبات أخرى  , وانقسم إعلام شعبنا بين المؤيد  لهذا المشروع   والمؤيد  للمشروع الأخر  كل حسب وجهه نضرة وأهمية المشروع من زاوية قناعاته وتم تسخير وسائل الإعلام خلال كل تلك الفترة لغرض الترويج لهذه الصراعات الداخلية , وكل ما استطاع الإعلام انجازه خلال تلك الفترة هي تقسيم شعبنا إلى  مؤيد ومعارض فتخندق المجتمع وبقى إعلامنا في وادي وشعبنا في وادي أخر .  والخلل الأكبر الذي وقع فيه إعلامنا خلال  الفترة المنصرمة هي خلطة بين الرسالتين الداخلية والخارجية , فطفت كل صراعاتنا الداخلية ومشاكلنا القومية على الساحة الوطنية  وجعلت موقف تنظيماتنا ضعيفا جدا في الساحة  بسببها ,  حيث كان يجب على الإعلام  أن  يرسل تلك الرسائل داخل البيت القومي فقط لأنه هو المعني فيها وليس شركائنا في الوطن . وبالمقابل فان تقاعس إعلامنا عن القيام بمهامه المطلوبة منه على الصعيد الوطني أيضا سجل إخفاقا أخر بحيث إن قضية شعبنا لم تصل بالشكل الصحيح إلى شركائنا في الوطن ليس لأنها قضية غير عادلة أو إن الوضع العام لايسمح بتقبل هكذا طروحات , بل تقصيرنا في تسويق قضيتنا بالشكل الصحيح , نضرا لانشغال إعلامنا كما أسلفت سابقا بالمشاكل الداخلية وهو  ما أدى  إلى هذه النتيجة . ولكن لابد من التأشير أيضا  إلى بعض الأسباب الجانبية الأخرى التي أدت إلى هذه النتائج منها ماهو لأسباب مادية نضرا لان الإعلام الحديث يحتاج إلى تقنيات غير متوفرة لدى وسائل إعلامنا ومنها مايتعلق بقلة الكوادر الإعلامية المتخصصة , وما إلى ذلك .

ورغم  ما سبق  فان هذا لم يمنع أن تكون هناك نجاحات انيه حققتها بعض وسائل إعلامنا على المستوى القومي خاصة . كزيادة الوعي القومي لأبناء شعبنا مثلا, وموضوع الوحدة .

إعلام شعبنا ما بعد اعتداءات كنيسة سيدة النجاة :-

لقد شكلت اعتداءات كنيسة سيدة النجاة نقلة في تاريخ شعبنا, ودقت ناقوس الخطر كي يتم العمل بشكل أكثر  تأثيرا ووحدة , خاصة بعد أن تجمعت أحزاب شعبنا واتفقت على العمل القومي المشترك , والذي اعتقد بأنه سيكون له تأثير كبير على أداء مؤسساتنا الإعلامية في المرحلة القادمة بالشكل الايجابي طبعا ,لان  وحدة المطالب لدى أبناء شعبنا ستجعل مهمة وسائل إعلامنا أسهل خاصة بما يخص الشأن الداخلي . بما يوفر الوقت والجهد  لكي يزيد التركيز على الرسالة الخارجية لأنها الأهم حاليا وفي الفترة القادمة ,فموضوع استحداث محافظة في سهل نينوى لا اعتقد يحتاج إلى التبشير داخل بيتنا القومي بل هذا الموضوع يحتاج إلى إقناع شركائنا في الوطن وخاصة النخبة السياسية بنبل المطلب  ,وان الغاية منه ليس تقسيم البلد  ولا يحمل  سوى  وحدة البلد . لهذا أجد من الضرورة أن يقوم الإعلام بدورة الصحيح في هذا الجانب . وفي نفس الوقت يجب عدم إهمال البيت الداخلي وما يحتاجه في الفترة القادمة , فمثلا موضوع الهجرة الذي فشلنا سابقا فيه  يجب أن  نوليه الكثير من الاهتمام ويجب أن تكون رسائلنا فيه مؤثرة على عكس المرحلة السابقة التي  كانت بعض وسائل إعلامنا تظهر دول المهجر وشعبنا فيها وكأنه يعيش في بحبوحة وأنا لحد ألان لم أدرك ما الغاية من هكذا برامج أو ماهي الرسالة التي تحملها .

كما ينبغي على الأحزاب  في المرحلة القادمة أن لا يتركوا الإعلام يلهث ورائهم بل عليهم أن يدركوا أن الإعلام يجب أن يكون  بموازاتهم على اقل تقدير لكي تكتمل الصورة  ويقوم الإعلام بواجبه في وتهيئة الساحة للعمل السياسي  لان عملهم حينها سيكون  أكثر قبولا وصدقا وقضيتنا أيضا .

*- قدمت هذه الدراسة في الندوة الحوارية التي أقامها اتحاد الأدباء والكتاب السريان في قضاء تلكيف .

 

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links