كلمة حق يجب أن تقال... بصوت عالٍ...!!

 

 

                                                              خوشابا سولاقا

           إن الذي جرى يوم الاحد 31- تشرين الاول في كنيسة سيدة النجاة في الكرادة والذي أودى بحياة العشرات من المصلين الأبرياء من الاطفال والنساء والشيوخ والشباب في عمر الزهور والكهنة الأفاضل وعلى مذبح الكنيسة كان حقاً مجزرة بشرية مروعة وجريمة نكراء بشعة يندى لها جبين البشرية وكانت حقاً جريمة بحق الأنسانية بكل المقاييس والمعايير الاخلاقية والقانونية بأمتياز، ولكن في الوقت نفسه لم يكن ذلك بالشيء الغريب أو ظاهرة شاذة ليس لها مثيل في السابق ولن تحصل مثلها ربما اكثر بشاعة بحق فئة أخرى في المستقبل، لقد كانت حالة مكملة وإمتدادا طبيعيا لما جرى قبل أيام معدودة من وقوعها في مقهى شعبي في بلدروز في محافظة ديالى حيث ما زالت دماء الشهداء الأبرياء من رواد المقهى لم تجف بعد في موقع الجريمة وغيرها الكثير في كل بقاع أرض العراق الجريح الذي يئن من وطأة الأرهاب الدموي للبربرية التكفيرية..

إن هذه الشراذم المتوحشة قانونها وفلسفتها في الحياة هو القتل، القتل لكل من يخالفهم الرأي وليس لديهم من وسيلة ولغة للحوار مع الآخرين حول ما يختلفون به معهم غير القتل ولغة السلاح لأن ثقافتهم في الحياة هي القتل لكائن من يكون مهما كان دينه أو طائفته أو قوميته أو جنسه أو لونه أو عمره إن شريعتهم هي شريعة الغابة، حيث أن الوسيلة والغاية عندهم واحدة والفريسة متغيرة كما هو الحال مع كل الحيوانات المفترسة الأخرى في الغابة وإن غريزة هؤلاء للقتل لاتشبع ولاتتوقف كما هي غريزة الذئاب العاوية، وقد تكون فريستهم من المرتدين من الطائفة السنية كما يطلقون عليهم أو من الطائفة الشيعية "الروافض" حسب ادعائهم أو من أبناء الديانات الاخرى الكافرة حسب رؤيتهم وتصنيفهم للضحايا، وهذا مايحصل على وجه الدقة في العراق، لذلك إن القتل ليس موجه لطرف أو لفئة بعينها كما قد يتصور البعض من أهل وأقارب ضحايا الأرهاب، أو كما تروج له بعض وسائل الاعلام المحلية والاقليمية والدولية كما تقتضي متطلبات أجنداتها السياسية، بل هو خطر موجه الى جميع العراقيين دون تمييز بينهم على أساس هوياتهم الدينية والطائفية والقومية وخصوصياتهم الأخرى.

إن هذه الشراذم فلسفتها في الحياة قائمة على تصنيف الناس الى فئتين، فئة تواليهم الرأي تَسلمْ من شرهم وفئة تخالفهم الرأي يطولها شرهم. هذه هي القاعدة القانونية والأخلاقية لهذه الشراذم الهمجية المتوحشة، وهذه هي لغة حوارهم الوحيدة مع من يخالفهم الرأي والرؤية للحياة.. عليه فأن ما حصل في كنيسة سيدة النجاة من قتل همجي للأبرياء من الحاضرين للقداس والصلاة للرب لم يكن لكونهم مجرد مسيحيين في الدين بل لأن الصدفة شاءت أن تكون هذه الجموع هي الفريسة السهلة لذلك اليوم للارهابين، لأن قانون الغابة هكذا يحكم ويعمل فعله، فأن كان لكونهم مسيحيين فقط كيف نفسر وبماذا نبرر ما حصل للأبرياء من الحضور في المقهى الشعبي في بلدروز في ديالى قبل أيام معدودة من حادث كنيسة سيدة النجاة..؟ وكيف نفسر ونعلل ونبرر ما حصل يوم الثلاثاء الثاني من تشرين الثاني الجاري حيث ضرب الارهاب الدموي ضربته لعشرين موقعا في بغداد بطولها وعرضها وذهب من الضحايا بالمئات ..؟ هل ان ما حصل في هذه المواقع كان بسبب كون ساكنيها من المسيحيين..؟ ام لان غريزة القتل للارهابيين مفتوحة دائما للقتل.. لكائن من يكون..؟ علماً أن ضحايا المقهى كانوا جميعاً من المسلمين من السنة والشيعة، بل كيف نعلل ونبرر ما حصل في مئات والألاف من المواقع من مدن وقصبات وقرى العراق من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه ولمختلف مكونات شعب العراق..؟ ولذلك فأن عمليات القتل العشوائي الذي تمارسه هذه الشراذم المتوحشة هي ظاهرة عامة تشمل العراقيين جميعاً دون أستثناء ولايستطيع أحد بل ليس من حقه أن ينكر ذلك إذا أراد أن يتحكم ضميره وينصف نفسه والأخرين في قول الحق والحقيقة، وإن فعل عكس ذلك فأنه يجافي الحق والحقيقة.. بل ماذا نقول وماذا يكتب التاريخ بحق ما جري في نيويورك وواشطن ولندن ومدريد وأوكلاهوما وبالي في أندونيسيا ومومباسا في كينيا وزائير والهند وباكستان وأفغانستان والسعودية واليمن والمغرب والجزائر وروسيا ولبنان وسوريا والارجنتين وغيرها الكثير من أرجاء المعمورة..؟ إنه إرهاب الهمجية التكفيرية الظلامية الحاقدة على الجميع دون استثناء وترتكب ابشع الجرائم بحق الحضارة والقيم الأنسانية النبيلة، إنه حقا تجاوز وإعتداء صارخ على الاديان وقيمها السماوية السمحاء.

إنه في الحقيقة صراع وحرب بين قيم الحضارة والاخلاق والقيم الدينية وافكار الحرية والديمقراطية من جهة وبين الهمجية والتخلف من جهة أخرى، إنه صراع وحوار بين ثقافة التحضر والتقدم والديمقراطية وثقافة التخلف والهمجية والقتل.. عزيزي القاريء الكريم كُنت من تكون وأينما كُنت هكذا هي الصورة الحقيقية لما يجري في العراق والعالم أجمع، عليك أن تقرأ هذه الصورة بوضوح وتحلل مكوناتها وتفكك رموزها بتفكير علمي ومنطقي وبوعي وتجرد لكي لا تقع في إشكالات تكون نتائجها أسوء وأن تختار بدائل للعيش تكون مدمرة بنتائجها على مستقبلك.. لذا أدعو أبناء شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري" أن لا تدفعهم مثل هذه الحوادث الى التطرف في تقييم الاحداث واصدار أحكامهم جزافا وأن تتخذ من هذه الاحداث سبباً ومبررا وعذرا لهجر أرض الوطن أرض بابل وآشور ونينوى الى بلدان المهجر بل عليكم التشبث والتمسك بالبقاء في أرض الأباء والأجداد والتحلي بالصبر وتحمل المصاعب وتجاوز المحن والتصدي لكل التحديات من أجل هدف أسمى ألا وهو الوطن وتراث وحضارة الأباء والاجداد وبالتالي حماية وإنقاذ وجودنا القومي من الانقراض في هذه الارض الطيبة أرض "بيث نهرين" التي علمت البشرية القراءة والكتابة والقانون وأعطت له الكثير من منجزات الحضارة والتمدن، واقول لكم تذكروا دائما بانكم سكان البلاد الاصليين وان "بيث نهرين" هي مهد الأباء والاجداد وعليها ان تبقى كذلك للابناء.. إن قتل فرد أو مجموعة أفراد من أبناء شعبنا بهذه الطريقة البشعة والمقرفة شيء مؤسف لنا وأمرلا نقره ولانقبله إطلاقاً ولكن بالنتيجة يبقى ذلك مجرد قتل مجموعة أفراد في الحسابات الرقمية..!! ولكن هجر أرض الوطن الى بلدان المهجر والتشتت في ارجاء المعمورة كما هو عليه الحال الان، على المدى البعيد يعني الانتحار بعينه وقتل "أمة" بكاملها، وعليه إذا نظرنا الى هذا الأمر وقيمناه من هذه الزاوية سنجد أن القبول بقتل فرد أو مجموعة أفراد هو أفضل من قبولنا بقتل "أمتنا" وزوال وجودنا القومي كأمة في أرض الأباء والأجداد اي بمعنى آخر التضحية بالجزء افضل من التضحية بالكل وخصوصاً عندما تكون مثل هذه الظاهرة "حادث كنيسة سيدة النجاة" ظواهر عامة تعم ارجاء العراق بكامله كما أسلفنا.. كما أقدم إعتذاري لذوي ضحايا الارهاب الذين فقدوا أعزاء وأحباء لهم في هذه الحوادث المؤلمة والمفجعة لهذا الطرح وهذا التشبيه، ولكن ما العمل إنه الخيار الصعب بين ما هو مر وما هو أمرْ اي بعبارة اخر امامنا خيارين احلاهما مُر، ان فقدان الاعزاء والاحبة شيء مؤلم ومر ولكن فقدان الوطن والأمة والوجود اكثر مرارة.

ولايسعني في هذا المجال إلا أن أعزي نفسي والشعب العراقي بشكل عام وأبناء شعبي "الكلداني السرياني الآشوري" وذوي الضحايا الشهداء بشكل خاص على مصابهم الأليم وأسال الله أن يسكن شهداءهم الجنة وأن يلهمهم الصبر والسلوان متمنياً للجرحى الشفاء العاجل.. كما أريد أن انبه بهذه المناسبة بأن السلاح الذي يجب إعتماده في هذه المرحلة التاريخية من الحياة الأنسانية للتصدي لهذا الخطر الداهم الذي يمثله إرهاب القوي الظلامية التكفيرية والذي يهدد الحضارة والمدنية التي بناها الخيرون من أبناء البشرية عبر آلاف السنين هو النضال من أجل إشاعة وترسيخ مباديء الحرية والعدالة والمساواة وحقوق الأنسان والديمقراطية والتعايش السلمي بين الشعوب والامم ونبذ كل أشكال التعصب والعنصرية والعنف والتمييز بين البشر على أساس الانتماء القومي والمعتقد الديني والطائفة واللون والجنس وإعتبار إنسانية الأنسان أعلى قيمة حضارية للتعامل بين البشر، وإشاعة مفاهيم وثقافة المحبة الأنسانية والسلام وحوار الحضارات والثقافات والديانات من أجل توسيع مساحة المشتركات الحضارية والثقافية بين أبناء البشرية على إختلاف وتنوع إنتماءاتهم للعيش بأمن وسلام على هذا الكوكب الجميل.

الرحمة للشهداء والشفاء للجرحى والسعادة والتقدم للبشرية جمعاء

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links