|
جيب ليل واخذ عتابه
عصام شابا فلفل
في صغرنا وفي اواسط
الستينات من القرن الماضي ، عشنا ذكريات جميلة ارتأينا الان ان نعيد بعضها
لعلنا نستطيع ان نشم عبقها الجميل .. من تلك الذكريات ، اجتماعنا حول
الموقد الفحمي( المنقل) ايام الشتاء القارص وخصوصا في الليالي الماطرة وعلى
ضوء الفانوس او على ضوء اللالة( اللمبة) التي كانت تتميز باقتناءها العوائل
الفقيرة وذات الدخل المتوسط ، وبالكثير كان ( اللوكس) من نصيب العوائل ذات
الثراء المفرط في القرية .. كنا دائما نستمع الى صوت المذياع الذي لم يكن
لدينا بديله انذاك ، فكان رب الاسرة يحتضن الراديو ويختار من محطات الاذاعة
حسب ما يرتأي هو ، فتارة لندن واخرى صوت العرب من القاهرة او الاذاعة
الكردية والشرق الادنى وصوت اميركا وغيرها من المحطات ، فكانت المتعة تاتي
سلسة ونحن مندمجين مع كل اغنية او مونولوج او ..او .. كانت ام كلثوم وفائزة
احمد وعبد الوهاب وفريد الاطرش وحضيري ابو عزيز والكبنجي وناظم الغزالي
واغلبنا كان يستمتع بصوت صالح وداؤد الكويتي وسميرة توفيق من الاذاعة
الاردنية وغيرهم كثيرون، اصوات ذات مقدرة فائقة لخلق المتعة لدينا .. كما
ان هناك من البرامج التي ظلت عالقة في ذكرياتنا ولا يمكن لعاتيات الزمن ان
تمحوها ، ومن هذه البرامج الذي يتذكره الناس من جيلنا والجيل الاكبر،
برنامج السياسة بين السائل والمجيب الذي كان يقدمه من اذاعة لندن (ايوب
صديق)، وبرنامج( جيب ليل وخذ عتابة ) الذي كان يعده ويقدمه من اذاعة بغداد
المرحوم علي الاطرش والذي يكنى بـ( كعود ) .. ذلك البرنامج الجميل الذي
ينتقد الحالات السلبية بأسلوب كوميدي رزين ، بحيث لم يكن احد ممن وجه لهم
النقد يضجر او ينزعج مما يقوله كعود.. بل على العكس من ذلك ، كان الشخص
المنتقد يفرح ويعتز بكونه قد انتقد من قبل صاحبنا.. وقد حدث مرة ان وجه
نقده الى امين العاصمة بسبب شكوى قدمت الى البرنامج من احدى مناطق بغداد
لعدم تبليط الشارع الرئيسي في تلك المنطقة ، في حينها كعود قال ما نصه (خلو
خطية امين العاصمة ، ما يكدر يبلطه للشارع.. منين يجيب كير . منين يجيب
رمل .. وهو راتبه المسكين ما يكفيه حك ليلة وحدة بملهى الكروان .. عوفو يا
ناس .. خلو .. راتبه ما يتجاوز 500 دينار ) في حين كان راتب اكبر موظف
حينها في العراق لا يتجاوز 30 دينار .. ورغم هذا النقد اللاذع فان امين
العاصمة ارسل برقية شكر وتقدير لصاحبنا كعود ( علي الاطرش ) ....... كيف
نقيس هذا على ما نحن عليه الان .. ان الكثير منا يزعل علينا حين نوجه لهم
نقدا بناءا ننورهم به ، اذ يرفضون ذلك النقد ... لا ندري ما الذي يضرهم في
ذلك ،أليس من الصواب ان تكون يا صديقي مرآتي وتظهر لي اخطائي كي اصلحها ..؟
وكذلك انا اكون مراة لك كي اوجهك نحو سبيل الصواب ...؟ ليس ذلك بعيب بل
على العكس ، فذلك فخر واعتزاز لي لو بينت اخطائي ووجهتني الى طريق الصواب
واكون شاكرا لك ان منعتني من السقوط في هاوية الخطأ .. اذن لا تزعل مني يا
اخي ان قلت لك بانك بعيد كل البعد عن الموضوعية والحق في زعلك وضجرك حين
اقدم لك نصحي .. ورغم هذا فانا اعلم بانني الان انفخ في قربة مقطوعة ,, وفي
هذا لا يمكن ان يطبق عليك الا اسم برنامج صاحبنا كعود ( الفنان علي الاطرش)
وهو جيب ليل..... وخذ عتابة.
|
|
|