الأقليات في انتخابات برلمان كردستان.. الرقم الأسهل
والأهم
جورج هسدو
أقر
برلمان إقليم كردستان العراق أحد عشر مقعدا للأقليات من مجموع مئة وأحد عشر
مقعد للدورة النيابية القادمة والتي ستجرى في الخامس والعشرين من تموز
الجاري، والمقاعد التي أقرت بنظام الكوتة أو الخصوصية القومية والدينية
موزعة بين التركمان والكلدان الآشوريين السريان والأرمن، بحيث تكون خمسة
مقاعد للتركمان وخمسة للكلدان الآشوريين السريان وواحد للأرمن.. وإذا ما
التزمنا الرقعة الجغرافية الحالية لإقليم كردستان والتي ستشهد الانتخابات
أو التي من حق مواطنيها المشاركة بالترشيح والتصويت فيها، فأنها ستتمحور
بين المحافظات الثلاث "أربيل، السليمانية ودهوك".. ومن السهولة على المطلع
على أعداد وأرقام الأقليات في المحافظات الثلاث معرفة الحجم السكاني
الحقيقي لهم واستحقاقهم الشرعي وفق القاسم الانتخابي أو حتى بدونه، ليتمكن
بعد ذلك من فهم واستيعاب البعد الأساسي للفكرة.
وبنظرة سريعة على القوائم والكيانات المتنافسة في هذه
الانتخابات نلاحظ تغيير اللوحة التنافسية عن سابقاتها لبرلمان الإقليم..
ففي الوقت الذي كانت تشهد فيه سابقا توافق غالبية القوى والأطراف المتنافسة
في قائمة جامعة كبيرة ومؤثرة واحدة مقابل أخرى تفتقر إلى حظوظ التنافس
والفوز والتي دائما ما غمز عليها المراقبون بأنها مصطنعة لتجميل الصورة
وإعطاء بعد ديمقراطي للعملية، نرى اليوم طرح أكثر من قائمة تملك حظوظا جيدة
للتنافس ومن ثم جني المقاعد في برلمان يعاني أصلا من شد وجذب بين أطرافه
المتفقة على الثوابت والمختلفة على المتغيرات.. وبما أن الفوز بأكبر نسبة
من المقاعد والاحتفاظ أو الإنفراد بالقرار السياسي هي من طموحات القوائم
المتنافسة، فأنه من غير المستبعد لا بل من المؤكد سعي تلك القوائم لتحقيق
أكبر نسبة ممكنة من الأصوات داخل البرلمان حتى وإن تطلب ذلك الالتفاف على
القانون أو تبني أشكال غير نظامية لتحقيق ذلك.
يجانب الواقع والحقيقة من يقول أن استحقاق الأقليات لنسبتها من
مقاعد برلمان الإقليم هي ما تم إقراره، ويغالط نفسه من يقر أن نسبة مواطنو
إقليم كردستان من التركمان تتيح لهم التمتع بخمسة مقاعد، وكذا الحال مع
الكلدان الآشوريين السريان وحتى مع الأرمن.. إذاَ لماذا هذا البذخ والكرم
في تخصيص عدد غير واقعي ومبالغ للأقليات في برلمان تشهد مقاعده تصارع حامي
الوطيس بين المتنافسين عليه؟!.. وإذا ما سلمنا مسبقا أن ممثلي الحزبين
الكرديين الرئيسيين في برلمان الإقليم هم الأكثرية في وقت سن قانون
الانتخابات الحالي وأن أصواتهم هي التي ترجح كفة أي قانون يراد سنه في
البرلمان، فأننا يجب أن نسلم أيضا أن أول ما يجب أن يخدمه القانون هو مصالح
وتوجهات الكتلتين الكبيرتين قبل غيرها.. ومن هنا فأننا سنتأكد من أن تخصيص
هذا العدد غير الواقعي للأقليات جاء برغبة الكتلتين الرئيسيتين في البرلمان
ولضرورة اللعبة الانتخابية، وبالتالي فإن الأمر لا بد فيه رؤية جديدة لرسم
خارطة نوابية ترتكز على أسس حديثة في فن تمرير القوانين والتوجهات في
البرلمان الكردستاني، وهي الرؤية التي تبتعد عن الالتزام والولاء الحزبي
وتقترب أكثر من الاتفاق العددي منوع الانتماءات والألوان.. أما من يقول
بغير ذلك أو يعزي السبب إلى حسن النية والتقبل العالي من قبل الأطراف صاحبة
القرار لحقوق الأقليات فحسب، فأنه يلصق بنفسه صفة السذاجة والأمية
السياسية.. حيث أن العديد من المؤشرات على صعيدي التشريع والممارسة تثبت
عكس ذلك، ولن يكون رفض برلمان كردستان لكوتة الأقليات لمجالس محافظات
الإقليم آخرها، "طبعا أقرت بعد إعتراض رئيس الإقليم عليها".. وعندما تستمتع
الأقليات بقرار تعتقد أنه جاء في صالحها حتى وإن خرج بترتيب كيفي وليس
مستندا على دعائم قانونية وإستحقاقية، عليها أن تتوقع مستقبلا صدور غيره
وبنفس الأسلوب لكن بالضد من مصالحها.
كمطلع ومتابع للأحداث ومجريات الأمور في إقليم كردستان أكاد
أجزم بأن هذه المرة أيضا ستستحوذ الأحزاب القديمة والكبيرة على نسبة كبيرة
من المقاعد وستسيطر على القرار التشريعي في البرلمان حتى وان لن تشكل
الأغلبية المطلقة، لأن باقي المتنافسين هم بدرجة من الاختلاف وتباعد الرؤى
بما لا يتيح لهم الالتقاء تحت قبة البرلمان وتشكيل الأغلبية المطلقة.. كما
أن الأولى تملك من مقومات النجاح والفوز ما لا يملكه الباقون، ولها ماكنة
انتخابية جبارة لإدارة الحملة قياسا بالآخرين، وهي لا تتردد في الترويج
والدعاية وكسب الجماهير وإن بدرجات متفاوتة بين محافظة وأخرى.. وفي الوقت
الذي تصارع فيه هذه الأحزاب قوائم شرسة ومنافسين عنيدين ليس على مقاعد
البرلمان فحسب بل حتى على رئاسة الإقليم، فأن لها الحق والمقبولية في عدم
ادخار أي جهد من شأنه تحقيق الانتصار والفوز بأعلى نسبة في الانتخابات..
فمن الطبيعي إذن وفي ظل التجارب السابقة أن تتسابق لضم نواب الأقليات ومن
ثم أصواتهم لجانبها، خاصة وأن ذلك لا يتطلب الجهد الذي ستقوم به للفوز
بالمقاعد العامة، فمقاعد الكوتة يمكن أن تتحقق بأقل من ذلك الجهد بكثير..
وما يدفعنا للإقتناع بنجاحها هو من جهة "الحالة المتشتتة التي تعاني منها
الأقليات في المنطقة وطبيعة العلاقة الودية والإنحيازية لأغلب عناوينها مع
الأحزاب الكبيرة منذ فترة ليست بالقليلة، حتى وصل الأمر للدعاية وتقديم
الدعم المادي والمعنوي لقوائم معينة من الأقليات دون سواها من قبل الأحزاب
الكبيرة داخل أوساط الأقليات وأحيانا حتى في الوسط الكردي".. ومن جهة ثانية
"تقوقع القوائم الكردستانية الأخرى في إطار الاختلاف على الشأن الداخلي
الكردي وعدم تطورها للاهتمام بشؤون الأقليات الموجودة في الإقليم"، ناهيك
عن الصبغة القومية الكردية المنغلقة على نفسها أو الإسلامية اليمينية أو
حتى اليسارية البالية التي تصطبغ بها القوائم الأخرى، وهو ما لا يتيح لها
المجال للتقرب إلى الأقليات والتفاعل معها والإلتقاء على العناصر المشتركة
بينها.
إنطلاقا من ذلك فأن ما يجري هنا هو تنافس القوائم العامة فيما
بينها على مئة مقعد وتنافس أكبرها وأقواها ضد قوائم الكوتة الحيادية وذات
التوجه والعمل الإستقلالي على الأحد عشر مقعدا المتبقية، وبالعودة إلى
متطلبات العملية الدعائية والتعبوية للفوز بمقاعد البرلمان فأن الكفة ترجح
نجاح الأقوى والأكبر على الأضعف والأصغر.. وإذا ما إفترضنا جدلا أن قائمة
الحزبين المتحالفين ستحصد أقل من 50% من المقاعد المئة بقليل، فأنها لن
تحتاج سوى إلى نصف عدد المقاعد الأحد عشر لتأييدها والتحالف معها لتجاوز
نسبة الـ 50% من الأصوات في البرلمان.. وبما أن أكثر من نصف قوائم الأقليات
المتنافسة على مقاعد الكوتة قد أعلنت مسبقا تأييدها المطلق لقائمة الحزبين
الرئيسيين فأن موضوع تحالفها بعد الفوز في الانتخابات يكاد يكون أمر مفروغ
منه.. وأقرب وأنصع مثال على ذلك هو التأييد المتسرع لعضو مجلس محافظة نينوى
الفائز بمقعد الكوتة للكلدان السريان الآشوريين في انتخابات مجالس
المحافظات العراقية لقائمة الحزبين الكردستانيين وإنضمامه لها في مقاطعة
مجلس المحافظة على خلفية توزيع المناصب الإدارية للحكومة المحلية والتي
اعترضت عليها قائمة الحزبين والتي ليس لمرشح الكوتة فيها لا ناقة ولا جمل
ولم يكن منتظرا منه الدخول في صراع القوائم هذا والذي سرعان ما تحول إلى
صراع عرقي.
عليه نخلص إلى أن مقاعد الأقليات الأحد عشر لم تخصص لدواعي
خيرية بقدر ما هي لضرورة ملحة يتطلبها الواقع الحالي للإستحواذ على القرار
التشريعي في البرلمان خاصة وأن المرحلة القادمة يتوقع لها أن تشهد تناقضات
قوية على المستويين الداخلي والخارجي لسياسة إقليم كردستان العراق.. لذا
على الأقليات أن تنتبه للأمر وتحتاط له منذ الآن وتحرص على إيصال ممثليها
الموثوق بحياديتهم وولائهم للبرلمان، لأنها وإن كانت الرقم الأسهل لكنها
ستكون الأهم في انتخابات برلمان إقليم كردستان العراق القادمة.
|