ما المطلوب من الصحافة العراقية تجاه مذبحة سميل عام
1933
وليم
تيودور
يستذكر شعبنا الكلداني السرياني الأشوري من كل عام في السابع من أب المذبحة
المروعة التي حدثت على أيدي الطغاة والشوفينيين الحاكمين على رأس الدولة
العراقية الحديثة المنشأ في أوائل القرن الماضي ، إذ يعد هذا اليوم ( يوم
الشهيد الأشوري ) رمزاً خالداً في تاريخ شعبنا نحتفي به كل عام وفي كل مكان
، إذ يسجل تاريخ الشعوب والأمم في كل أرجاء المعمورة المواقف والأحداث التي
تغدوا من شأنها انعطافة ونقطة تحول في مسيرتها الإنسانية ولتضحي فيما بعد
رموزا تاريخيا يفتخر بها ويستذكر من خلالها القيم والمفاهيم السامية في
التضحية والفداء ، فبالرغم من كون هذا اليوم دموي ومأساوي في حياة شعبنا
نتيجة حدوث مذبحة وحشية بحق أبناءه في سميل والقرى المجاورة عام 1933
ونتيجتها حدثت انعطافات مهمة وخطيرة في حياة شعبنا الأعزل والمسالم في
موطنه التاريخي ، أدت إلى شل حركته السياسية وتشتته وعدم الاكتراث للمطالبة
بحقوقه القومية والإنسانية في ارض أبائه وأجداده .
انه اصبح رمزا قوميا لأبناء شعبنا لكي يستذكر من خلاله المحطات والصور
الأليمة والبشعة التي اقترفت بحقه على مر التاريخ وكانت أشدها بطشا
ومأساويتا ما حدث في أوائل شهر أب من عام 1933 .
إن هذه المأساة قد عفا عليها الزمن لأكثر من 76 سنة ، إلا انه يجب على كل
الخيرين والشرفاء من أبناء العراق الغيارى أن يستنكروا ويشجبوا هذه المذبحة
اللاانسانية التي ارتكبت بحق ناس أبرياء ومسالمين على أيدي الشوفينيين
والبغضاء اللذين لم يعطوا الإنسان قيمته ، بل تأمروا وصاغوا هذه المؤامرة
ووضعوا المكيدة بهدف هدر دم المواطن العراقي الأصيل بهدف كسب ود ورأي
الجماهير المتعصبة والعنصرية وتلميع صورة الإخفاقات لرجال الحكومة أمام
أنظار الشعب والجهات المعنية ، ويجب أن يشاركنا الكل هذه المهمة وبالأخص
أصحاب الأقلام الشريفة والتي تكتب بعقلانية وبموضوعية للتذكير الناس بما
جرى في سميل والتعريف بعقلية وعنجهية قادة العراق في ذلك اليوم وبعده ، حيث
دفع الكتاب والصحفيين إلى الكتابة عن هذا الموضوع له ما يبرره ، كون هذه
الفاجعة تركت في الحياة السياسية العراقية ( التي كانت في أول عهدها )
أثارا أعمق واخطر حيث كانت أول صدع في الكيان السياسي العراقي الناشئ وقت
ذاك ، ثم توالت الصدوع والخروقات اللاانسانية بحق جميع أبناء العراق منها
انقلابات أعوام 1958 و 1963 و 1968 وثم الانقضاء على الشيوعيين والأحزاب
الأخرى في عهد نظام البعث البائد وإفشال الحركة الكردية وتلتها عملية
الأنفال والهجرة المليونية لأبناء الشمال والجنوب بعد الغزو العراقي للكويت
، وها هي تستمر النكبات والويلات بحق عموم الشعب العراقي وبالأخص شعبنا
الكلداني السرياني الأشوري المسالم والمغلوب على أمره والمتشتت في محافظات
ومدن العراق .
نعم إن اختيار هذه الذكرى الأليمة لم يأتي في إطار التباكي على الجراح
والماسي ، بل أن شعبنا اختارها لتوكيد حب الحياة وتشبثه بما يتيح له من
حقوق وإنصافه كبقية الأشقاء في الوطن ، وحسنا فعلت حكومة إقليم كردستان
العراق عندما جعلت السابع من أب عطلة رسمية لأبناء شعبنا لاحتفاء بهذا
اليوم الأغر يوم الشهيد الأشوري ، وحبذا لو تحذوا حذوها الحكومة العراقية .
ومهما نتحدث ونقلب صفحات الكتب والبحث في طيات الصحف والمجلات العراقية
والكردستانية والتي بالرغم من ندرتها والتي تحدثت اغلبها بالسلب عن هذه
المأساة ، لا يمكن وصف الفاجعة اللاانسانية التي ارتكبت بحق مجموعة من
الناس الأبرياء اللذين لم يكن لهم لا حول ولا قوة ولم يخفوا بعد من الفواجع
المؤلمة التي ارتكبت بحق إبائهم وأجدادهم بعد الفتك بهم وطردهم من ديارهم
التاريخية أبان الحرب العالمية الأولى .
ولكي نبتعد عن وصف المأساة ننتظر كلمات الحق من كل الأحزاب الوطنية ووقفة
شريفة ووطنية وإنسانية من الجميع ، ومحاولة الحد من ما يرتكب بحق أبناء
شعبنا من محاولات التهميش والإبادة والتشريد ومصادرة الحقوق ، ومطلوب من كل
المرجعيات والكيانات السياسية والفكرية والدينية لقول كلمة الحق ولوضع
برامج جدية ومسؤولة لوقف جريمة قلع جذور الحضارة البابلية الأشورية من ارض
وتربة العراق .
نعم إن احتفاء بيوم الشهيد الأشوري يأتي تمسكا بقيمة دم الشهيد وحرمته
المستباحة ومحاولة لوقف نزيف الدم الكلدواشوري السرياني وهو أخر ما تبقى
مما يمتلكه شعبنا المعروف ببطولاته وبمكانته في إعلاء العلوم والمعارف
وإشادة ثقافة عريقة وحضارة مجيدة يجري اليوم طمسها ومحوها من الوجود بتدمير
أثارها وتهجير أبناءها وتشريدهم إلى أوطان الغربة .
عموما كثيرا ما حاولت البحث والتمحيص في طيات الكتب والصحف والمجلات
العراقية والكردستانية لم أرى سوى العديد من الكتاب والصحفيين والمثقفين لا
يعدون بعدد أصابع اليد ممن تحدثوا وقيموا هذه المذبحة الشنيعة وبموضوعية
ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الكاتب القدير عبد المجيد حسيب القيسي الذي
وصف الأحداث والفواجع في كتاب علمي وموضوعي قيم ألا وهو ( تاريخ القضية
الأثورية في العراق برؤية جديدة ) وكذلك الكاتب المعروف الدكتور تيسير عبد
الجبار الآلوسي والذي كثيرا ما يتحدث عنها ويدعوا في ذكراها سنويا الحكومة
العراقية إنصاف أبناء شعبنا وإعادة الحقوق لهم كاملة ومحاولة بجدية وقف
دوران مطحنة الإبادة الوحشية التي ترتكب بحق شعبنا وتطوير العلاقات الأخوية
التي أسس لها الأشوريين عندما كانت دولتهم هي حاضرة مجد العراقيين لسنوات
الخير والزهو والرفاه .
وفي هذه المناسبة المجيدة ندعو كافة الإخوة من الكتاب والصحفيين في عموم
العراق لفتح اليوم وقبل الغد أوراق الاعتراف بجوهر تلك الجريمة النكراء وما
لحقها ويلحقها اليوم بأبناء هذا الشعب العريق ، وليبدءوا مشروعا وطنيا للحل
وإنصاف شعبنا وإدراج حقوقه كاملة في النصوص والدساتير العراقية
والكردستانية ، خاصة نحن العراقيين نمر هذه السنين بولادة دولة فتية من
جديد قائمة على أسس ديمقراطية ينبثق منها برلمان وطني منتخب من قبل أفراد
الشعب ، عليه حل مشاكل القوميات الصغيرة المتآخية متساوية الحقوق أسوة
بالقوميات الكبيرة ووضع نسب متساوية في تقرير مصير أبناء العراق كافة في
دستور عصري وحضاري كما كان يجري أيام سومر المبدعة لقوانين الحياة ، لكي
نعيش جميعنا سواسية وبنصيب واحد في بلدنا بلد الحضارات ونقف جميعا بصف واحد
من التطرف وهمجية الإرهاب وإلا فأننا في طريق منفتح لألام وماسي أخرى تجعل
من العراق بلد غير مستقر إلى ابد الدهور .
من خلال الأحداث المروعة التي مر بها عراقنا الحبيب وبالأخص شعبنا
الكلداني السرياني الأشوري علينا جميعا نحن الكتاب والمثقفين والصحفيين
الضغط على حكومتي الاقليم والعراق الفدرالي وإلزامهم أن ينظرا بعقلانية
للأحداث المروعة التي مرت على العراقيين جميعا دون استثناء في القرن
المنصرم وان يستخلصا منهما الدروس والعبر وان يضعا بعين الاعتبار حقوق
أبناء كافة القوميات مهما كان حجمهم ، وان يلزما كلتا الحكومتين مراجعة
الدستورين العراقي والاقليمي لإدخال تعديلات فيهما وإدراج المذابح والمآسي
التي ارتكبت بحق أبناء شعبنا أسوة بمآسي الشعوب الشقيقة المدرجة في ديباجة
الدستورين ، وعلى الحكومتين العراقية والاقليمية ان يتابعا وبوضوح مجريات
جريمة الإبادة التي جرت ولازالت تجري يوميا في بلاد طغت عليها لغة الدم
والحرائق والحروب العبثية ، ولا مجال للقيادتين الكردستانية والعراقية أن
يترددا في التعاطي مع هذه الحقيقة ، إذ ليس من المنصف أن تخضع حياة إنسان
للبحث في أولويات مادية عبثية مهما علا شانها وثمنها وخاصة عندما يتعلق
الأمر بحياة شعب غرس جذور العراق ولا يحصد اليوم إلا مزيدا من الطحن .
وفي هذه المناسبة الجليلة نستذكر شهداء الحرية في كل مكان وبالأخص شهداء
شعبنا وعلينا تمجيد دمهم الزكي الطاهر الذي ارتوت منه ارض العراق مهد
الحضارات الإنسانية البابلية الأشورية ، وستبقى لتعيد هذا المجد لأنه بغير
الإنصاف والعدل لا قائمة لعراق مستقر مميزاته السلم والأمان والديمقراطية ،
فهذه هي سمات تحضر الشعوب والإنسانية وتمدن بشري لا تستقيم الأمور فيه
بوجود مظلوم مغتصب الحق ، فكيف إذا استمرت جريمة التطهير العرقي ، فألف ألف
تحية لشهدائنا الأبرار والخالدين في عيدهم الأغر السابع من أب .
|