كركوك الوان الطيف العراقي الزاهي

 

                                                             حميد الموسوي

                  في مدينة النجف الاشرف محلة ضاربة في القدم ما زالت تحمل اسم "محلة النصارى"، وهناك عشرات العوائل الكلدو آشورية تعيش راغبة متأخية ولم تشعر بأدنى غربة او مضايقة في يوم من الايام. وفي مدينة الصدر حي الاكراد والبو علوان الدليم في الحلة، وآل الجعفري في تكريت وآل السعدون في واسط وشارع النجفي في الموصل، وقضاء الدير في البصرة، ومركز صابئة العالم في الناصرية، والتركمان يشكلون ربع مينة اربيل!. وهذا التنوع تجده في الرمادي وفي كربلاء وفي الديوانية مثلما تجده في ديالى والسماوة والعماره... وكركوك ام لهذه التنوعات الباهية فلماذا كركوك؟!. ومن يقف وراء تحويلها الى قنبلة موقوتة؟! ومن صيرها بركانا يتململ؟!.

لا شك ان هذا التنوع الزاهي الذي لا تخلو منه محافظة عراقية بل قضاء او ربما ناحية من نواحي خارطة العراق المترامية الاطراف، هذا التنوع يدعو جميع العراقيين الى تناسي عقدة الاضطهاد وتداعيات مظلوميات الازمنة الدكتاتورية والاحتكام الى لغة العقل بتبني مشروع وطني عراقي خالص ينظر الى كل شبر في ارض العراق بانه ملكه وان كل العراقيين هم شركاؤه في هذا الشبر اينما كان.

الذي دعانا ومعنا كل الذين تهمهم وحدة العراق وامنه واستقراره الى رفع اصواتنا بمناشدة جميع قادة الحركات السياسية الوطنية والمرجعيات الدينية ومؤسسات المجتمع المدني لبذل اقصى الجهود لتطويق هذه الازمة وحلها توافقيا بجعل مدينة كركوك عراقا مصغرا وهي كذلك منذ تأسيس الدولة العراقية، الذي دعانا لهذا النداء والمناشدة هو ما نراه من تصارع وشد يدور بين الكتل السياسية الممثلة لمكونات العراق باطيافه المتنوعة على خلفية ازمة كركوك التي تثار بين فترة واخرى وخاصة عندما تطرح قوانين انتخابات مجالس المحافظات للنقاش او للتصويت عليها في البرلمان، وكأن مدينة كركوك بمعزل عن محافظات العراق او خارج حدود قوانين الادارة المركزية.

مع ان الاسلوب الامثل لادارتها والذي درجت عليه منذ تأسيس الدولة العراقية ومارسته بحرية وانفتاح بعد سقوط السلطة الرابعة، هو اسلوب الشراكة وفق نسب المكونات التي تشكل التنوع السكاني الطوبوغرافي لهذه المدينة وهذا التصور يتبناه الجميع وحتى على مستوى الدوائر العالمية والعربية والاقليمية وعلى سبيل المثال لا الحصر ما جاء في تصريحات وزير الخارجية الاميريكة الاسبق هنري كيسنجر في معرض  رده وتعريجه على ازمة كركوك "مدينة كركوك لها خصوصية لا يمكن ان تدار من مكون واحد بل على الجميع المشاركة في ادارتها".

وفي هذا التصريح دليل واشارة واضحة على التصور الاميركي لمسالة كركوك، والمثير للاستغراب انهم لا يبذلون مساعياً جادة لحل اشكالية ادارتها، وربما اجلّوا اللعب بها كورقة احتياطية تدخر لساعتها!.

لقد صار موضوع كركوك هاجسا يورق الجميع ويتحسس منه المواطن البسيط قبل المفكر والسياسي والمثقف بما يثيره من تساؤلات وتشكيك في نوايا البعض وبما يتركه من شرخ في العلاقات الاخوية بين مكونات الشعب العراقي وما يفتحه من فوهات قد تكون اخطر من فوهات الاحتراب الطائفي والاثني والتي اخرسها العراقيون حين تنبهوا الى حجم المؤامرة فانتصروا لعراقيتهم واخمدوا نيران تلك الفتنة بما قدموه من تضحيات وبعد ان حصدت ارواح الالوف من شهدائنا وخربت كل شيء جميل في عراقنا واهدرت المليارات من ثرواتنا الوطنية واشاعت الفساد والافساد وزرعت الرعب والدمار في ربوعنا.

لقد ولت تلك الايام السود الى غير رجعة، ولا نريد لها ان تتكرر في خطاب جديد مشبوه عبر شعارات ومسميات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، ادعاءات حق يراد بها باطل!.

نريد كركوك عراقا مصغرا وطنا للعربي والكوردي والتركماني والكلدوآشوري للشيعي والسني والمسيحي الآيزيدي والصابئي. بعيدة عن تشنجات التعصب القومي والتطرف الديني والاثني. وليتذكر الجميع ما جرته سياسات التمييز العنصري والمذهبي الهوجاء من مصائب وويلات وكوارث طالت العراقيين جميعا ايام السلطات الكتاتورية المتعاقبة.

وليعي الجميع انهم في سفينة واحدة ولا يحق لأحد العبث فيها بحجة "انه يثقب مكانه" فالغرق سيشمل الجميع..مدينة كركوك نموذجا للتآخي والسلام فلا تجعلوها طوفانا لا يبقي ولا يذر.

 

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links