إغفر لهم لأنهم لا يعرفون ما يفعلون
حازم زوري
عشية الأول من نيسان كما في كل عام ، إنطلق فحيح الأفاعي من هنا وهناك
داعياً إلى مقاطعة إحتفالات أكيتو ، مهدداً بقطع أرزاق البعض من أبناء
شعبنا ، من الذين ضغطت عليهم ظروف الحياة القاسية ، فلجأ مضطراً إلى
الإرتزاق والإعتياش على موائد من عرضوا أنفسهم وذممهم في أسواق النخاسة
لتشترى بأبخس الأثمان ، من سادة المال والسلطان ، كي يدسوا للفقراء وبسطاء
الناس والمغلوبين على أمرهم العلقم المغلف بالشهد ! ، وليبتزوهم بعد ذلك في
مواقفهم مهددين إياهم بقطع رغيف الخبز عنهم حتى يثنوهم عن المشاركة في هذه
التظاهرة القومية ، ليجسدوا كل " فضيلتهم " في محاولات يائسة لإحباط أمتنا
والتسليم بعجزها وإستسلامها وإلى الأبد ، من خلال قهر وخذلان شرفائها
والتصدي لمحاولات إستنهاض هممها ، وقبر مظاهر وعناوين وجودها وبقائها
وإستمرارها ، ومقارعتها العوادي ، والتي تعتبر واحدة من أبرزها تجلياً
ووضوحاً أعياد أكيتو ومسيرة الأمة الخالدة في فاتحة نيسان الخير ، لتؤكد
للقاصي والداني أن هذه الأمة وجدت لتبقى وإن بقائها يكمن في عزم ذوي العزم
وإصرارهم على التشبث بثوابتها ، والتي يقف في مقدمتها الإصرار على التجذر
في هذه الأرض ، والإمتداد في آفاقها التي فاضت على الإنسانية علماً وأدباً
وفنوناً وشرائع ؛ أما الدعوات المريضة المحرضة ضد هذه المسيرة والداعية إلى
عدم الإشتراك فيها بحجة أن شعبنا يعيش "الحداد" ولابد من الركون إلى الحزن
والدموع بعد مقتل وإستشهاد سيدنا المطران بولص فرج رحــو ، فأنها تنم عن
لؤم وحقد البعض ممن أرقتهم جماهيرية الحركة الديمقراطية الآشورية ، وإلتفاف
غالبية شعبنا من حولها ، أو ينم عن قصر النظر لدى البعض الآخر ممن لا يدرك
أبعاد ومضامين ومدلولات هذا التجمع القومي في هذه المناسبة التاريخية ، وفي
ظل الظروف العصيبة التي يعيشها شعبنا والمحاولات " المستميتة " الرامية إلى
إقتلاعه من أرضه ومحو جذوره منها ، وهو ما لن يتحقق لهم بعون الله ؛ أما
الدعوات التي إنطلقت من بعض رجال الدين الأفاضل " ومع كل تقديرنا وإحترامنا
لسلامة النوايا وللباعث الشريف لمطلقيها بسبب خسارتنا جميعاً لشهيدنا
الكبير والجليل المطران رحو " فإننا نقول لهم : أيها الآباء والمطارنة
الأجلاء ، إن دعواتكم محل تقديرنا وإحترامنا ونتفهم دافعها لكن الرد
الحقيقي على المحاولات الجارية لإقتلاعنا من أرضنا ووطنا لا يكون إلا
بالتأكيد على بقائنا ووجودنا ، وهذا لن يتأتى إلا من خلال مسيرات من هذا
النوع ملئى بالعزيمة والإصرار على التجذر والبقاء . وعلينا أن نتذكر أن
شهيدنا الكبير ورفاقه والشهداء الآخرين من قبلهم قد قدموا حياتهم ثمناً
لمبادئهم وإصرارهم على التمسك بأرضهم ، ورفضهم الدعوات الحاقدة المتعصبة
بالرحيل عن وطننا ؛ ألم يقل ــ رحمه الله ــ في كلمات واضحة قاطعة جازمة :
نحن باقون ومتجذرون في هذه الأرض ولن نغادرها لأنها الأرض التي تقدست
وإرتوت من دماء آبائنا وأجدادنا ، الذين واجهوا القمع والإضطهاد عبر القرون
منذ أن بزغت شمس المسيحية عليها وحتى اليوم ، وأننا جميعاً مشاريع للشهادة
. فما الذي فعله الداعون للمسيرة والمشاركون فيها سوى أنهم جسدوا تلك
المعاني العظيمة ، والمباديء السامية التي وردت على لسان شهيدنا الجليل في
عظته المباركة ، على جمهور المؤمنين في إحدى كنائس الموصل قبل إستشهاده
بأشهر ، تلك العظة التي كانت بمنتهى الشجاعة وجسدت أنبل الخلق حين دعت في
جملة ما دعت إليه إلى التسامح مع مضطهدينا وطلب الغفران لهم والصلاة من
أجلهم ، كي ينير الله قلوبهم ، وختمها بكلمات المسيح " له المجد " وهو على
الصليب مناجياً ربه " أبتاه إغفر لهم لأنهم لا يعرفون ما يفعلون " . ونحن
اليوم نردد على مسامع من أراد أن يثنينا عن هذا العزم في إقامة هذه
التظاهرة القومية الجامعة لكل طوائف ومسميات شعبنا نفس الكلمات التي رددها
الراحل الكبير قبل إستشهاده ونقول " إغفر لهم .... " ؛ أما إذا كان الموضوع
بالنسبة لبعض الأحزاب والتنظيمات والمؤسسات " القومية جدا !! " لا يخرج عن
نطاق معاداة الجهة الداعية والملتزمة لهذه المناسبة القومية ، ومحاولة
إفشال دعوتها والتي تجسد من حيث لا يدرون وجهاً مشرقاً من أوجه الوحدة
القومية التي يتبجحون بحمل لوائها ، فنرد عليهم بالقول : ستتعبون كثيراً
أيها السادة في مساعيكم ، وسوف لن تفلح محاولاتكم في عزل الحركة عن
جماهيرنا ، وستبقى الحركة الديمقراطية الآشورية رقماً صعباً ومستعصياً على
حساباتكم ورهاناتكم الخاسرة دوماً ؛ وستواصل الحركة مسيرة النهوض بهذا
الشعب حتى تنتزع كل حقوقه وتجعله سيداً على أرضه كما كان عبر التاريخ
|