رحم الله امرئ عرف قدر نفسه

 

                                                                  نسم خوشابا يوسف

           لا شك ان انتخابات 2010 التي مرت على العراقيين منذ شهر كانت مختلفة عن كل ما سبق من انتخابات مرت على الشعب العراقي منذ انقضاء ايام النظام البائد وحتى هذا العام. الكثير من الامور بدت واضحة للشعب العراقي ، وبدأ افراد الشعب يتفهمون أموراً كانت في السابق عبارة عن طلاسم مبهمة غير واضحة المعالم بالنسبة للكثيرين منهم . ومن جملة هذه الامور بروز ظاهرة الترشيح للبرلمان ، حيث لاحظنا وبشكل جليّ للعيان ترشح الكثير من افراد شعبنا سواءً تحت أسماء القوائم أو كأعضاء مستقلين حيث مرت على مسامعنا الكثير من الاسماء والكثير هنا تعني ما لا تتحمله الابجدية على سبيل المبالغة لكثرة ما ظهر من أسماء. شهدت فترة الحملة الدعائية صوراً وملصقات بدت وكأنها لا حصر لها، غالبيتهم مدفوعين بالحس النفعي والمصلحة الذاتية، والقلة منهم مدفوع بالحس الوطني الحقيقي الذي يكاد لا يُرى ولا يُسمع وسط هذا الزحام وفي غمرة هذا المولد من الاسماء والصور، ورغم كل هذا التشتيت في ذهن الناخب العراقي ما بين قوائم وأعضاء البعض منها بالكاد معروف اسمه ولا يمتلك سيرة سياسية معروفة وكافية تؤهله لدخول البرلمان ، الا ان نتائج الانتخابات أظهرت أن الشعب العراقي عرف وفهم بالفطرة وأيضاً بالاستناد الى تجاربه الماضية، عرف كيف يوجه صوته باتجاه قوائم معروفة على مستوى العمل الوطني الحقيقي وتمتلك مؤهلات كبيرة تجعلها قادرة على تحمل مسؤولية البرلمان والشعب وقيادة الدولة والوطن نحو مستقبل أفضل. ما نريد قوله في كل هذا ان هذه الانتخابات كشفت لنا عن نوايا الكثيرين من أفراد الشعب ممن قام بترشيح نفسه لدخول البرلمان كان ترشيحه لأسباب كان الشعب العراقي ومتطلباته آخر ما يدور في ذهنه، وكل ما يدفعه هو الاستنفاع بما سيحصل عليه خلال أربعة أعوام واسمه مندرجاً تحت قائمة أعضاء البرلمان سيكون له حقوق (لا بأس بها)  إذا لم نقل جيدة جداً وسبباً لطمع الكثيرين للحصول على هذا المنصب او اللقب. فالبعض كان يرنو من ترشيحه لعضوية البرلمان الأبهة فقط والسمعة أمام المجتمع لا غير حتى وان كان سيخسر ويعلم بخسارته مسبقاً دون ان يهتم بما ستجلبه خسارته عليه من سمعة أسوأ لو علم مقدارها لما فكر مطلقاً بالترشيح أمام المجتمع لعضوية البرلمان، والبعض الآخر دخل الحملة الانتخابية وفي جيبه مبلغاً من المال لا يعرف اين يصرفه وفي أي مجال يودعه فلم يجد مشروعاً أفضل من مشروع البرلمان سيراً على مبدأ التجارة ربح وخسارة، (اذا نجح المشروع خير على خير، وإذا خسر فأنا على الاقل حاولت) لأنه يعرف أن خسارة مبالغه بالحملة الفاشلة ستعود إليه من جديد من (طرق أخرى) ومثلما عرف كيف يحصل على هذه المبالغ سيعرف كيف يجني بدلاً منها مستقبلاً وبسهولة ولا يهمه إن خسر طالما لم يتعب ولم يكد في ما جمعه. والبعض الاخر دخل الحملة الانتخابية ورشح نفسه دون ان يكون له خلفية معرفية مسبقة بما يعنيه البرلمان ، ولسان حاله يقول (الكل ديرشح بقت عليا اني هم أروح أرشح) دخل الحملة الانتخابية وفي ذهنه افكار مغلوطة بشأن البرلمان ولم يحسب حساباً لما يتطلبه هذا المنصب من مسؤوليات كثيرة تلقى على عاتق العضو في البرلمان عندما يكون ممثلاً لفئة معينة أو شريحة من المجتمع وكأن الذهاب الى البرلمان بالنسبة إليه كالذهاب في نزهة الى المروج الخضراء كل ما يفعله يأكل وينام قرير العين (ولا عمل ولا شغل ولا مشغلة بس يقبض).

أما البعض الاخر فقد دفعه حب التسلط والنزعة الاستبدادية الخافية في دواخله نتيجة نقصٍ او سوء في شخصه، متخفياً وراء أقنعة الشعارات الرنانة والعبارات المزوقة التي تداعب الأوتار المتعبة والمقطعة في نفوس افراد الشعب المتعبة والمنهكة بفعل السنين الصعبة الطويلة، وبمبلغ بسيط من المال يشتري الاصوات التي تصبح في عداد الاصوات الضائعة لأنها لم تفيده ولم تفيد أي قائمة أخرى من القوائم التي تستحق فعلاً أن يتم اختيارها لمصلحة هؤلاء المتعبين والمنبوذين من فئات الشعب ممن تتقاذفهم العبارات الرنانة ما بين مرشح وآخر تقودهم أحلامهم البسيطة جداً مقارنة بغيرهم وبما سيحصل عليه مرشحهم هذا. وما نتائج الانتخابات إلا دليل قاطع على كل هذا، حيث ظهر منها أن الكثيرين لم يحصلوا سوى على صوت واحد وآخرين على عدد من الاصوات لا يمكن حتى إدخاله في مقارنةٍ ما مع عدد الاصوات التي من المفروض ان يحصل عليها. كل هذا من جهة، ومن جهة أخرى إن فقط دخول هؤلاء الى الحملة الانتخابية وظهور أسماءهم وصورهم كان سبباً في تشتيت فكر المواطن العراقي فاختلاط الارقام والالتباس في الاسماء الكثيرة والمتشابهة أحياناً ساهم في ضياع الكثير من الاصوات كانت ستؤثر بشكل إيجابي أكثر فيما لو كانت قد وضعت في مكانها الصحيح خصوصاً ان كثيراً من فئات الشعب من كبار السن ممن لم يتسنى لهم لحد الان الحصول على الفهم الكامل للعملية الانتخابية وما تعنيه القوائم وارقامها والأسماء المندرجة تحتها والسيرة السياسية الحقيقية لكل اسم والتي تؤهله لأن يمثلهم أو لا تؤهله.ينبغي فيمن يريد الترشيح للبرلمان ان يمتلك أهم شيء وهو تاريخ سياسي طويل ولن نقول لا بأس به بل نقول سيرة سياسية ممتازة ومعروفة وحقيقية وليس فقط سيرة علمية كما لاحظنا في عدد ونوع الشهادات التي أبرزها المرشحون ، فالشهادات لا تكفي ولا تفي بالغرض بقدر ما يهمنا وما يمكن ان يقدمه تاريخٌ طويل من العمل السياسي وخبرة في خدمة المجتمع والشعب تجعله قادراً على تحمل مسؤولية هذا اللقب. وهذا يحتم وضع شروط أكثر صرامة مما هي عليه الان من أجل الترشيح لعضوية البرلمان لأن المسألة ليست مجرد ضربة حظ، بل المسألة تعني مصير الكثيرين ومصير الشعب بأكمله فإلى متى سيبقى هذا التشتيت. هذه الشروط المفروضة ستكون رادعاً للكثيرين ممن لا يستحقون حتى حق الترشيح وظهور أسماءهم في الحملة الانتخابية، وقبل ان يخطو خطوة باتجاه البرلمان سيفكر جيداً بتاريخ السياسي وما اذا كان يؤهله أم لا، وما ستكون نتائج ترشيحه للبرلمان، وفي نفس الوقت هذا سيكون بمثابة دافع له للعمل المثمر أكثر فأكثر من أجل الشعب والوطن.

وهذه كلمة أخيرة، ان الدخول الى عضوية البرلمان ليس بمثابة مشروع تجاري، وكذلك ليس محفلاً نظهر فيه أنفسها وتفوقنا على غيرنا وليس بالمكان المناسب لنمارس فيه سلطتنا على البسطاء من الناس كما ان الدخول الى البرلمان ليس كالذهاب في نزهة يا إخوان و رحم الله امرئٍ عرف قدر نفسه

 

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links