مجدا لرفيق المسيرة عبد الأحد فرنسو بالذكرى الثالثة
لرحيله

الرفيق عبد الاحد فرنسو
بدران امريا
مناضل
ولد وسط عائلة فلاحية بسيطة وفي قرية كلدوآشورية وصفت بالجنة لمكانتها
المتميزة بين قمم جبلية شامخة تعانق عنان السماء وبجوها الخلاب كانت هذه
القرية محطة استوقفت الكثير من الأدباء والشعراء والفنانين لتفريغ ما في
جعبتهم من ألاغاني والأشعار حيالها، وجوها يبعث في الإنسان مشاعر فياضة
ويوقظ فيه مكامن الحب والغيرة للعمل نحو عالم الإبداع والتفنن، ولد هذا
الشخص ليولد معه شيء آخر ظل هذا الشيء يتغذى معه ويقاسمه شهقة الأنفاس، ألا
وهو الحب الكبير والغيرة المتأججة بين كوامن نفسه لامته الكلدوآشورية ووطنه
الكبير العراق
ظل هذا الحب السرمدي يكبر ويتوسع بين خلجات نفسه حتى فاضت به روحه وسقي
خلاياه من شرايين دمه وعلى مدار الأيام والسنين ليتحول هذا الحب العظيم إلى
قنبلة موقوته تزداد خطورتها بمرور الزمان بسبب واقع أمته المزري من
الانقسام والتشرذم واللاوعي القومي والسياسي والتهميش والإقصاء، ظل يقارن
واقع الأمة بماضيها المجيد وهو يئن تحت وطأة نظام سياسي فردي يحصي أنفاسه
وينكر ابسط مفردات خصوصياته القومية ولم يجد إلا أن يتنفس هامشا من الحرية
المتاحة في المناطق المحررة من قبضة النظام الجاثم على صدور العراقيين
آنذاك ملتحقا بمفارز الحركة الديمقراطية الآشورية "زوعا"، إلا إن الذيول
والأزلام الرخيصة لذلك النظام وصلت لتقبض عليه وتحيله إلى غياهب السجون
ليحكم بالإعدام شنقا حتى الموت، ومن ثم ليخفف حكمه إلى السجن المؤبد، ومن
ثم يقضي اثنى عشر عاما من سني شجرة حياته خلف القضبان الحديدية، ويذوق
خلالها فصول مريرة وطويلة من العذابات النفسية والجسدية لتكون هواجسها
المريرة والقاتلة صديقة حميمة ملازمة لحياته الباقية وطاغية على مفرداتها
بثوانيها ودقائقها وساعاتها وأيامها.
واشتدت تداعيات تلك المحن عليه لتحد من حركته ونشاطه لكن عزة نفسه
الكبيرة وكرامته العالية جعلته يتغاضى عنها ويرميها جانبا ليواصل درب
النضال مع رفاق مسيرته في صفوف زوعا ويعوض أيام السجن والبعد وكأنها ديون
واجبة التسديد على عنقه وبهذا ينسى الآمة المبرحة ويتغاضى عنها عمدا، إلى
أن تشتد حالته ويسقط هذا الفارس الغيور من على صهوة جواده شهيدا ويسجل بدمه
الطاهر صفحة مشرقة مذهبة في سفر أمته وبين أفئدة رفاقه وأحبائه، انه رفيق
الدرب عبد الأحد فرنسو توما من مواليد قرية اسنخ الحدودية بزاخو 1951 متزوج
وأب لستة أفراد وحاصل على شهادة المتوسطة.
انتمى والتحق بصفوف الحركة الديمقراطية الآشورية زوعا عام 1983 بعد
بالالتحاق بالنضال السلبي "الكفاح المسلح " في المناطق المحررة من وطننا
الحبيب، وكانت هذه الفترة مفعمة بالمصاعب والمشقات فضلا عن صعوبة الجبال
والوهاد والسهول والقصف المستمر من قبل القطعات العسكرية والطائرات لمقرات
الأحزاب المعارضة وتجمعاتها، لكن كان الالتحاق بمحض إرادته وأيمانه القوي
بان النضال العسكري والسياسي معا هما السبيل الأوحد لخلاص شعبنا العراقي من
ذلك الكابوس الدموي، فضلا عن أيمانه المتجذر بأهداف ومبادئ الحركة القومية
والوطنية ونهجها الصائب بمشاركتها الفصائل الوطنية خلال مرحلة النضال
السلبي إلى جانب النضال السياسي، وتأسيس الحركة كان بالنسبة له كالبلسم
الشافي لجراح والآم هذه الأمة المكتوية بنار التقسيم والتهميش وإنكار
الحقوق وعدم الاعتراف بها أصلا، وبعد فترة وجيزة من التحاقه هذا القي القبض
عليه في الساعة التاسعة ليلا من يوم الأحد 14 نيسان 1984 أي بعد خمس سنوات
لتأسيس الحركة من قبل مرتزقة "الجحوش" وعناصر الأمن وأثناء قيامه بأداء
واجب بقرية كندالا بمنطقة زاخو وخلالها عاملوه معاملة وحشية واقتيد إلى
مديرية امن زاخو ومكث في وكرها 15 يوماً ذاق خلالها الضرب والصعقات
الكهربائية والفلقة والمحاربة النفسية والجسدية والاهانات الرخيصة
والتجويع، وبعدها حول لمديرية استخبارات زاخو وبنفس الوتيرة من التعذيب
ولمدة شهرين، ثم أحيل هذا المناضل الفذ إلى استخبارات الفيلق الأول لمدة
عشرة أيام وهو تحت التعذيب والتحقيقات المستمرة، ليرسل بعدها إلى مديرية
استخبارات المنطقة الشمالية ببغداد حيث المصير الأسود وبقى هناك مدة أسبوع
وكان حافلا بما لا تشتهي الأنفس والأعين، بعدها اقتيد إلى الشعبة الرابعة
في وزارة الدفاع ومكث هناك أسبوعا ومؤشر تعذيبه يزداد من سوء إلى أسوأ، ومن
ثم إلى مصير أتعس في الشعبة الخامسة للاستخبارات ببغداد، والتي كانت تعرف
بالحوت آنذاك لكونها شبيه بالحوت أو الطاحونة تلتهم وتهرس الأخضر واليابس
معا، ونسبة 30% من سجناء هذه الشعبة يفقدون عقولهم من شدة التعذيب النفسي
والجسدي وقلة وجبات الطعام بحيث كانت حصة السجين خلال 24 ساعة صمونة واحدة
وكوب تمن وثلاثة أكواب ماء، ومكث في هذا الجحيم لمدة شهر ثم اقتيد إلى
المنظومة الشمالية بكركوك وحبس في غرفة بقياس 2متر مربع وبارتفاع اقل من
مترين وبواقع 13 سجيناً وبدون أي مصدر للتهوية، وكانت الحرارة مرتفعة فيها
بحيث أدت في يوم من الأيام لوفاة ثلاثة من نزلائه.
إلى جانب فصول التعذيب المتلاحقة ولمدة ستة أشهر على هذه الحالة المزرية
ثم يحال في 26 -12 -1984 إلى الجناح الخاص بسجن أبو غريب انتظارا للمحاكمة
والتي كانت تسمى بفرق الإعدامات وفي 10-1 - 1985 اقتيد إلى محكمة الثورة
السيئة الصيت ليحكم بحسب المادة 157 وفقا للقانون الجنائي العراقي بالإعدام
شنقا حتى الموت، وخلال جلسات سرية مغلقة والقرارات تصدر بدقائق او ساعات
حيث يحرم المحكومون من حق الاستئناف، وبقى في زنزانة الإعدامات مدة أربعة
أشهر وكانت تضم 380 شخصاً بانتظار تنفيذ حكم الإعدام بهم ومن مختلف أطياف
الشعب العراقي العرب والكرد والكلدوآشوريين والتركمان والمسلمين والمسيحين
واليزيديين والصابئة ومن بينهم المناضل الشيوعي نشأة فرج والسيد حسين
الشهرستاني وزير النفط الحالي وسماحة السيد عمار الحكيم رئيس المجلس الأعلى
الإسلامي امين عام مؤسسة شهيد المحراب ومن رفاق مسيرته ومن بينهم الثالوث
القومي المقدس مؤسسي الحركة الشهداء الأبطال " يوسف - يوبرت - يوخنا " مكث
معهم لمدة شهر ولحد إعدامهم وكان شاهدا حيا على صلابة أيمانهم الفولاذي حيث
كانوا يلقون محاضرات في علم السياسة وشرعية قضيتنا القومية والتي يجب أن
تصل إلى المحافل الدولية والرأي العام العالمي لمناصرتها وبالتالي استحصال
كامل حقوقنا دستوريا وان توحيد شعبنا من الأهداف المقدسة في نهج زوعا وان
تلك الأيام لا تنسى وتمحى من تلافيف الذاكرة لقد كان هؤلاء الأبطال أناساً
خياليين ذاقوا فصولا أسطورية من العذابات المتنوعة ولم يتزحزح أيمانهم قيد
أنملة.
وقال أنهم كانوا يكررون دائما بأنهم سوف يعمدون نهج الحركة بدمائهم
الطاهرة لكي يشرّعون نضالها ويثبتون بالدليل القاطع إن الحركة تنظيم سياسي
دشن نضاله بكوكبة خالدة من الشهداء، كما إن السيد المسيح بذل ذاته على
الصليب من اجل خلاص وفداء البشرية وكانوا أشداء متماسكين فولاذيي الإيمان
لم يهابوا الموت إطلاقا بل كانوا يرددون أنشودة قومية لدى اعتلائهم خشبة
المشنقة ولم يطأطئوا هاماتهم العالية للجلادين الذين ضاقت بهم السبل ويئسوا
في استمالتهم إلى الخضوع والخنوع ونزع الاعتراف منهم، وفي 3 شباط 1985 دخل
الجلادون الزنزانة فقرأ احدهم قائمة بالأسماء المزمع إعدامهم ذلك اليوم
وكان الاسم الأول للشهيد الخالد يوسف توما والثاني يوبرت بنيامين والثالث
يوخنا، وبعد التوديع بالأحضان والقبلات الحارة قال الرفيق عبد الأحد
للشهيد يوسف " يا ليت لو كان اسمي ضمن قائمتكم الحالية لاحظى بهذا الشرف
العالي معكم" فرد عليه يوسف، " كلا يا رفيق عبد الأحد من يعرف بالظروف
والمستجدات السياسية من المحتمل أن تخرج وان تكون شاهدا حيا على شهادتنا
ومواقفنا هذه" وحينها فتح الجلادون باب الزنزانة وقيدوا أيادي الرفاق إلى
الخلف بعد أن ربطوا الأكتاف بحزام إلى الخلف أيضا لعدم إثارة أية حركة سعيا
للتنفس أثناء الإعدام، وحينها قال احد الجلادين من هو يوسف الزيباري؟ فرد
عليه الشهيد البطل أنا هو بكل فخر وتعالٍ، عندها لكمه الجلاد على البطن،
وعلى الحال رد الشهيد بلكمة كتفية على صدر الجلاد، عندها انهال عليه عشرون
شخصا بالضرب واللكم، وقتها قال كلمته المأثورة " ستبقى رؤوسنا فوق مشانقكم
حتى تسقط رؤوسكم تحت أقدامنا" وعلى إثرها صارت ضوضاء من قبل السجناء
وأثنائها ألقى الرفيق الخالد يوبرت قصيدة باللغة السريانية ولم يتسن للرفيق
عبد الأحد التقاطها لشدة الضجيج، وبعدها اقتيدوا ضمن قافلة قوامها 23
سجيناً ونفذ حكم الإعدام بهم، بعد إمضاء أربعة أشهر في هذه الزنزانة خفف
الحكم إلى السجن المؤبد ونقل إلى السجن الخاص بابو غريب، وأمضى رفيقنا اثنى
عشر عاما خلف القضبان ذاق خلالها الآمرين، وفي 23 حزيران من عام 1996 صدر
عفو عام بمرسوم جمهوري.
عاد إلى أهله ورفاق مسيرته على أنغام الطبل الزرنا وبهمة ونشاط لا
يعرفان الكلل أو الملل، ليرتقي إلى عضوية اللجنة المحلية بزاخو ومن بعدها
إلى درجة كادر متقدم ومسؤولا لمحلية زاخو وخلال عملية حرية العراق 2003
شارك بالجهد العسكري للحركة وبفتح مقرات في المناطق المحررة فاستقر به
المقام في قرية تللسقف ليكون مسوؤلا للجنتها المحلية، ومن ثم رقي إلى درجة
مرشح للجنة المركزية ومسوؤلا لفرع سنحاريب في قضاء تلكيف، ومن ثم نقل إلى
مكتب العلاقات العامة ببغداد، ثم أعيد لمسؤولية لجنة زاخو تلبية لرغبة
لرفاق هناك، أرسل إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وسوريا ضمن مهام حزبية
كان هذا لمناضل دمث الأخلاق شهم كريم النفس مبدئي صبور واسع الصدر لم يعر
أي اهتمام بالمال والجاه والسلطة بحث استلم كل زملائه من السجناء السياسيين
من الأحزاب الأخرى أراض وعقارات ومناصب وغيرها من الحقوق بينما هو لم يحض
بتلك الهبة من لدن حكومةالإقليم والحكومة الفدرالية وظل ينتقل بعائلته بين
دور الاستئجار هنا وهناك لكونه فقط ابن الحركة البار ولم يبع قيمه ومبادئه
القومية والوطنية بأثمان بخسة رغم المحاولات المتكررة والبائسة ومن جهات
سياسية وشخصيات متعددة ومتنفذة.
ولم يسلم من التهديدات الكثيرة لثنيه عن عزيمته الفولاذية و ظل راسخ
الإيمان بقضية أمته ووطنه وفيا لمبادئه، كانت حياته داخل السجن وخارجه
حافلة بالمواقف والأحداث الشاقة والنشاطات المتميزة، وفي شهر أيار من عام
2007 وبعد أن اشتد ت عليه وتيرة الأمراض المتعددة نتيجة التعذيب خلال سنين
المعتقل قصد إيران للمعالجة، وهناك خضع لعملية القلب وعلى إثرها سقط هذا
الرفيق المغوار من على حافة قلعة خندقه النضالي شهيدا في 26 ايار2007 ونقل
جثمانه الطاهرة وهو ملحف بالعلم الكلدوآشوري إلى ارض الوطن ليستقبل استقبال
الملوك والأمراء من قبل أهله ورفاقه وعلى رأسهم السيد يونادم كنا السكرتير
العام للحركة الديمقراطية الآشورية وأحبابه وأبناء شعبه ووري الثرى في زاخو
ونقش نسر الحركة على قبره ليكون قريبا من سماء روحه الطاهرة واستقل جناحي
هذا النسر العظيم لينطلق بها إلى حيث سفر الخلود والمجد السرمدي إلى حيث
من فارقوه من على خشبة الإعدامات الرفاق الخالدون " يوسف - يوبرت - يوخنا"
والرفاق روفائيل ننو - نينوس سمير - غسان حنا - فرنسيس يوسف شابو - جميل
متي - شيبا هومي وما أطول هذه القائمة، وليسطر اسمه بمداد من الذهب في
السفر المتعالي للخلود،المجد كل المجد لرفيقنا الخالد عبد الأحد فرنسو يوم
ولد ويوم أن يبعث خالدا مع الأبرار والقديسين وتحية مفعمة بالحب لفلذات
كبده الأحبة " آشور - فريد- وليد- فراس" والذين يسيرون على نهجه القومي
والوطني والمتطبعين بخصاله ودماثة أخلاقه ولكل رفاق مسيرته الأشاوس وستبقى
ذكرى هذا الرفيق الشهم دمعة حزن دائمة على وجنتي من عرفوه وعاشروه عن قرب
وغصة الم كبيرة في قلوبنا جميعا.
|