7 آب ... أبرياء في صراع القوى الكبيرة

                                                                              الجزء الثاني والاخير

                                                         ابو راميل

           وفي 17 تموز خصوصا بعد عودة الملك ياقو من الحدود السورية الى دهوك ليقدم التعهد للحكومة منعا لاعمال الطيش والبطش والعنف قامت الحكومة بمحاولة الالتفاف على القادة المعارضين للحكومة وطلبت من الملك ياقو والملك لوقا الحضور الى الموصل للتوقيع على تعهد خطي وايضا الطلب منهما ليسافرا الى بغداد لاقناع مارشمعون بالتوقيع على تعهد خطي ليعود البطريرك الى الموصل وبعد ان تبين لهما نوايا الحكومة في التخطيط لاحتجازهما ايضا وبدلا من الذهاب الى الموصل وبغداد يتوجهان صوب الاراضي السورية وعبرا نهر دجلة من قرية فيشخابور يوم 17 تموز ويطلبان من ضباط الحدود الفرنسيين اللجوء ومفاتحة بيروت لاستحصال موافقتها على السماح لهما بدخول البلاد السورية وتندفع وراء الملك ياقو مجموعات اخرى تاركين وراءهم عوائلهم من دون حماية او رعاية.

   

واستكمالا للجو الحربي الذي شحنته وحاكته بدقة بشكل يبين ويظهر انه ناتج عن تعند وهو غير موجود اساسا لدى مار شمعون ومن جانب اخر بدأ وزير الدفاع بابان وقائد قوات المنطقة الشمالية بكر صدقي اللذان ينتميان الى الاكراد ومعروفان بكراهيتهما للاشوريين وانتقاما للحوادث التي حصلت بين الاكراد والاشوريين جهزا خططا عسكرية مسبقة وقاما بتحريض بعض الاهالي والعشائر العربية والكردية من اجل استحصال عطفهم ومؤازرتهم ليساهموا في عملية تصفية الاشوريين المسيحيين.

ولاستكمال نوايا الحكومة والملك غازي قامت في الموصل ومن اجل دق الاسفين بين الموالين لمار شمعون وملك ياقو والمعارضيين له والمتمثل بالملك خوشابا ودعتهم جميعا في اجتماع عقد يومي 11 و 12 من تموز 1933 لشرح اسكان الاشوريين وحسب القرارات الدولية مدعين انها قرارات عصبة الامم وكان المطلوب ان يتطرق الاجتماع وبحضور البريطانيين مستر ستافورد متصرف ومفتش اداري ومستر تومسن الخبير بالاسكان ليتفاجأ الجميع بالتعليق على مطالبة مار شمعون بالسلطة الزمنية والاعلان لهم عن رفض الحكومة القاطع لهذا الطلب وكذلك يعلنون ان الحكومة مستعدة لتقديم كافة التسهيلات للذين يعارضون المشروع الحكومي ويريدون مغادرة العراق من اجل اخراجهم من الوطن وتبعهم في ذالك البريطانيان اللذان ايدا اخراج الاشوريين المعارضين الى سوريا.

       

واجاب القادة الاشوريون لدعوة الحكومة بما يلي:

"اننا حين دعينا الى هذا الاجتماع كنا نظن ان هذه الدعوة تتعلق بالاسكان فقط اما الان فنقول بصورة نهائية ان غبطة البطريرك مار شمعون هو وكيلنا واننا لم نسحب منه هذه الوكالة بعد وعليه فليس في امكاننا اعطاء اي قرار ابى ان يحضر غبطته هنا".

ومن جهة ثانية تقوم الحكومة بأثارة حماسة الجماهير باللعب على احاسيسهم الوطنية فادعت ان في هذه الهجرة تهديدا لكيان العراق وانها جزء من المؤامرة تحاك بتأيد من الانكليز والفرنسيين لمهاجمة العراق. واستمرارا لسلوك التصعيد والاثارة قامت بالحشد العسكري في مناطق العبور وكانت قبل ذلك قد شكلت قوة عسكريا اسمتها اسم قوة عماد تدربت على الحروب الجبلية والتي كانت قد انيطت مسبقا الى العقيد بكر صدقي الذي كان متهيأ لفرصته السانحة لشفاء غليل غيظه وانتقامه من الاشوريين. وفي يوم 25 تموز 1933 جرى تحشيد القوى المؤلفة من ثلاثة ارتال من الجيش، مشاة وثلاثة ارتال من الشرطة، السيارة ومرابطة القوة الجوية تحت الانذار. وزاد هذا العمل الاستفزازي من عوامل الخوف والتوتر في المنطقة وحددت اهدافها بنزع السلاح من الاهالي الراغبين بالذهاب الى سوريا وكذلك اوعزت الى قائد القطعات العسكرية باستعمال القوة ضد الذين يرغبون في العودة وابلغت عصبة الامم انهم غير مسؤولين عن ذهاب الاشوريين الى سوريا.

وقد ابرق الملك لحكومته التوقف عن استفزاز الاشوريين وعدم نزع السلاح منهم وان العشائر العربية والكردية تحمل السلاح ايضا وعددها اكبر مما لدى الاشوريين والحكومة معا وسوف تكون عواقبها وخيمة بوجود السلاح لدى طرف وعدم وجوده لدى الطرف الاخر.. عليه ان يعود الى بغداد لتولي زمام الامور لان الاصرار على هذا الاجراء سيجر الى سفك الدماء.

     

ولكن رشيد عالي الكيلاني يصر بفظاظة على سياسته مما اضطر الملك الى ابراق ابنه ونائبه ليقترح على وزير الداخلية ان يصدر امرا سريا للشرطة على الحدود بعدم تجريد العائدين من الاشوريين من الحدود السورية من سلاحهم.. والا فانه سيضطر الى الرجوع.. ومع هذا فقد اصرت الحكومة على موقفها وكانها تريد الاستعجال على سفك الدماء بدل من العمل على تفاديه.

 وليس هذا فحسب بل انها بدأت حملة دعاية اعلامية ورسمية ضخمة ضد الاشوريين وقد نشرت للفترة من الاول وحتى الرابع عشر من تموز اكثر من 80 مقالة رئيسية في الصحف العراقية وكانت جميعها تدعو الى القضاء على الاشوريين وتسميتهم بالمتمردين والعصاة عملاء الاستعمار الامبريالي والمطالبة بابادتهم.. مما اثار الراي العام واضطرار الحكومة الى وجوب الاستمرار في طريق العنف والمواجهة.

ويطلب وزير الداخلية نقل بكر صدقي من الموصل فيرد عليهم الوزير بان بكر صدقي يحيط علما بمنطقته احاطة تامة فليس من السداد نقله. وتوجه الوزارة مذكرة الى القائم بالاعمال الفرنسية يوم 23 تموز تبدي استنكارها بقبول الاشوريين لاجئين لها لانهم لم يقوموا بعمل عسكري ولا باي قتال ولن يكون بمقدور الفرنسيين قبولهم لاجئين.

وقامت السلطات الفرنسية بتجريد الاشوريين الذي عبرو نهر دجلة من معبر فيشخابور من سلاحهم واعلنت انها جردت اكثر من 1300 شخص من السلاح وصادرت 13 الف طلقة بندقية حال عبورهم الى سوريا وابقت على قسم قليل جدا من الذين ارادوا العودة الى ديارهم.. والذين بدأت معهم شرارة القتال في منطقة ديرابون وهم في طريق عودتهم الى العراق وحاملين معهم سلاحهم والذي هو تقليد ليس لدى الكلدان السريان الاشوريين وانما يشمل كل العشائر العربية والكردية واخرى في العراق وخصوصا ان المجتمع الرجعي العشائري كان هو السائد في العراق.

وتصدر الحكومة بيانا في 1 اب 1933 ويعمل البيان على شحن الهمم القومية واسس التخلص من الامبريالية وقامت بمحورة الموضوع في الاشوريين وصورتهم ورثة الانكليز والاستعمار.

نص اجزاء من البيان:

بغداد 1 اب 1933

ملاحظة المطبوعات

ومن جانب اخر يرسل رشيد عالي الكيلاني برقية جوابية لبرقية الملك فيصل الذي طالبه بضرورة قبول العائدين من الاشوريين وبسلاحهم لانهم لا يشكلون خطرا على احد وهم مسالمين ويرد رشيد عالي بالبرقية التالية:

جلالة الملك المعطم:

نظر لما تقتضيه مصلحة البلاد تأسف الوزارة لعدم تمكينها من الرجوع عن قرارها بشأن عدم قبول الاشوريين بسلاحهم. خاصة بعد سوقنا القوة اللازمة لتطبيق هذه الخطة المقررة.

رشيد عالي

ويعود الملك ليرسل برقية سرية في 28 / تموز لنجله الملك غازي المتآمر مع الوزارة من دون علم الملك:

من صاحب الجلالة المعظم الى صاحب السمو الملكي الامير غازي:

"اطلعوا رئيس ديوان الملك على هذه البرقية. اقترح على وزير الداخلية ان يعطي امرا سريا للشرطة على الحدود الا يطلبوا الاسلحة ممن يندم ويرجع فاذا وافقتم على ذلك ابرقوا حالا والا سوف اكون مضطرا ان اتحرك بالطيارة صباح الاحد واكون في بغداد يوم الاربعاء. برقيتي هذه سرية لايطلع عليها احد".

 

 شهداء الحركة القومية الاشورية  - آب 1933

بعد ان قدم الشعب الاشوري على مذبحة الحرية ما يقارب نصف مليون شهيد قبيل واثناء الحرب العالمية الاولى وما اعقبها من ماساة وفواجع مروعة وامراض فتاكة ألمت به بشكل عميق، عاد الدم الاشوري الطاهر مرة اخرى في شهر اب "اغسطس" من عام 1933 ليروي ارض اشور، ارض الاباء والاجداد، بدماء الشهداء الابرياء الذين ذبحوا قربانا لحقهم الشرعي في تقرير مصيرهم القومي والحفاظ على كيانهم التاريخي ضد السياسات الشوفينية والبربرية الهادفة الى محو وجودهم القومي والديني.

وبدون الدخول في تفاصيل الحركة القومية الاشورية لعام 1933، نؤكد بأن مخاوف السلطات العراقية انذاك الوهمية والمبالغة تجاه الاشوريين وتجاه الاهداف السلمية والنبيلة والمشروعة لحركتهم القومية كانت في الحقيقة تنم عن احقاد دفينة في نفوس النخبة الحاكمة التي تشربت بالنزعة العسكرية العثمانية، وتأكيدا على استعداد مسبق للقضاء على الاشوريين وافنائهم واتمام ما عجز عنه اسيادهم العثمانيون.

كما ان الغيرة القاتلة لكبار ضباط الجيش العراقي الهزيل من البطولة والشجاعة الفائقة التي اظهرها الاشوريون في العراق وفي ضمان الاستقرار والامن وحماية حدوده الدولية خاصة الشمالية منها، كانت قد احرقت صدورهم وحركت فيهم نوازعهم الاستعلائية والشوفينية تجاه الاشوريين واخذوا ينتظرون الفرصة السانحة للانقضاض عليهم وابادتهم.

وفعلا، وفي الايام الاولى من شهر اب من عام 1933، جاءت الفرصة المناسبة لتفيذ ما خطط له عندما عجز الجيش العراقي الجيد التسليح والمدعوم من قبل الانكليز عن مجاراة مجموعة صغيرة من الاشوريين المسلحين ببنادق قديمة اثناء الاشتباك المسلح بينهم من جراء المشكلة الحدودية الناجمة عن عودة بعض الاشوريين من سوريا لجلب عوائلهم معهم بعد ان ضمنوا موطن سكن لهم هناك، فانسحب الجيش العراقي بعد ان هزم امام مجموعة من الاشوريين وتعرض الى خسائر في الارواح والمعدات، فزحف الى القرى والقصبات الاشورية في مناطق دهوك وزاخو والعمادية للانتقام من عوائل الاشوريين الذين غادروها الى سوريا، فتم القتل والتنكيل بالنساء والاطفال والشيوخ دون تمييز ورحمة، كما دمرت بعض القرى وأزيل بعضها من الوجود نهائيا باسلوب وحشي بعيدا كل البعد عن ابسط قيم الانسانية والحضارة.

اما بالنسبة للقرى الاشورية الاخرى التي كان فيها بعض الرجال المسلحين بأسلحة خفيفة وقديمة، فقد خشي الجيش العراقي دخولها خوفا من المقاومة التي سيواجهها، ما حدا به الى اللجوء الى الخدع الدنيئة والماكرة. فبعد ان تم التشاور والتباحث مع المستشارين الانكليز في المنطقة لوضع خطة لتجريد الاشوريين من اسلحتهم كان السفاح بكر صدقي قائد القوات العراقية في المنطقة الشمالية في الوقت نفسه يقوم بالتباحث مع مستشاريه العراقيين والانكليز في الموصل لوضع خطة منظمة التدبير وتنفيذ مذبحة ضد الاشوريين وابادتهم. وطبقا للخطة المرسومة قامت الطائرات البريطانية - العراقية بالقاء مناشير من الجو على القرى الاشورية تدعو اهاليها الى تسليم انفسهم واسلحتهم الى السلطات العراقية في بلدة سميل "اكبر التجمعات الاشورية" والتمركز في مقر الشرطة، كما قام مسؤول قوات الشرطة العراقية في البلدة المذكورة باعطاء ضمانات للاشوريين لحمايتهم فاستجاب الاشوريون الى نداء الحكومة بعد تطمين الانكليز لهم وتأكيد سلامة حياتهم، فأخذوا يسلمون اسلحتهم الى مسؤول الشرطة ويتجمعون في ساحة مركز الشرطة.

وبعد ان اطمأنت السلطات العراقية من تجريد الاشوريين اسلحتهم ابلغ ذلك القائد السيء الذكر بكر صدقي وقواته المتمركزة على طريق الموصل - دهوك. ففي الاسبوع الاول من شهر آب عام 1933 تقدمت فرقة المجرم حجي رمضان قائد الفرقة باتجاه الاشوريين العزل المحتشدين في ساحة مركز شرطة سميل وفتحت نيران اسلحتها الرشاشة من قبل المجرم النقيب اسماعيل عباوي، امر فصيل الالية الرشاشة، دون رحمة، فلم يسلم منهم احد ثم اخرجوا بعض الاشوريين المحجوزين في سجن المركز وبقرت بطونهم بالحراب بعد ان مُثل بجثثهم وكان من بينهم مجموعة من القساوسة والشمامسة حيث قطعت صلبانهم ووضعت في افواههم بعد ان عريت اجسادهم ونهبت ملابسهم وممتلكاته ثم قضي عليهم بعد تعذيب شديد بالسكاكين والحراب.

وكانت الحرب المقدسة "الجهاد" ضد الاشوريين "الكفرة" قد اعلنت، وأبلغت الحكومة اوامرها الى الجنود والعشائر البدوية والكردية بمكافأة كل شخص بجنيه واحد مقابل كل اشوري يجلب من قبلهم الى السلطات العراقية حيا كان ام ميتا، كما حللت الحكومة ورجال الدين المسلمين شرعا وقانونا نهب وسلب ممتلكات واراضي الاشوريين، واعتبرت اعمال القتل والاعتداء عليهم اعمالا قانونية ووطنية يعتبر الامتناع عن المشاركة فيها خيانة بحق الدين والوطن، ثم قامت قوات المجرم بكر صدقي بهجوم كاسح وهمجي على القرى الاشورية الامنة والمكتضة بالنساء والاطفال والشيوخ فعملت السيوف في رؤوسهم دون شفقة او رحمة ولم ينج من هذه المذابح حتى الاشوريون المؤيدون لسياسية الحكومة انذاك. فيروي المؤرخون ان "المنحوس الطالع" المنكوب كوريال يونان، الذي كان من اشد المتحمسين لسياسة الحكومة ومن أنصارها في الوقوف ضد اهداف الحركة القومية الاشورية والذي خدم فترة طويلة في الحكومة العراقية، كان قد اعلن بيته ملجأ آمنا للاشوريين المؤيدين للحكومة وطلب منهم الاحتماء واللجوء اليه، واعلن نفسه امينا ضامنا لحياتهم باعتباره مواطنا عراقيا معروفا لدى السلطات العراقية التي تثق به وتأتمنه. غير ان كل هذا لم يغير شيئا من همجية قوات بكر صدقي ومن بربرية بعض العشائر العربية والكردية آنذاك، وحتى العلم العراقي الذي رفعه كوريال يونان الى جانب الراية البيضاء فوق سطح داره العالي لم ينفعه ولم ينقذه، حيث قتل هو وابنه الشاب وليم ووجدا في اليوم الثاني غارقين بدمائهما في دارهما وشهادة الجنسية العراقية الملطخة بدمائهما معلقة على اعناقهما. كما عثر في غرفة واحدة من داره على 81 اشوريا معظمهم من النساء والاطفال والشيوخ سفكت دماؤهم بالسيوف وبنيران الاسلحة الرشاشة.

اما رجال الدين فقد اخرجوا من بين المحتشدين في دار كوريال يونان وصلبوا على صلبان مقلوبة وهم عراة بعد ان مثل بجثثهم. ويروي مؤرخو هذه المأساة بأن النساء الاشوريات اجبرن على تمزيق ملابسهن والتعري امام القائد العسكري العراقي، كما تعرضت فتيات اشوريات في التاسعة من اعمارهن الى الاغتصاب ثم الحرق وهن على قيد الحياة بعد ان مزق الكتاب المقدس ونثر على اجسادهن. كما اجبرت الكثير من النساء على شرب مياه العيون الملوثة بدماء الشهداء الاشوريين الذين القيت جثثهم فيها، وهو الاسلوب الوحشي نفسه الذي مارسه الملك الفارسي شاهبور الثاني في اجبار الاشوريين على شرب دماء شهدائهم اثناء الاضطهاد الاربعيني في منتصف القرن الرابع الميلادي. ثم تواصلت المذابح ضد الاشوريين في جميع قرى العمادية وزاخو ودهوك وشيخان واقضية الموصل بالاسلوب البربري والهمجي نفسه.

وتنفيذا لسياسة المجرم بكر صدقي المجبولة بالجبن لاخفاء جرائمه وهزائم قواته اثناء الاشتباك مع الاشوريين في منطقة ديرابون على الحدود العراقية - السورية، قام بنقل العديد منهم الى تلك المنطقة ليتم ابادتهم ويكون بذلك قد اظهر للعيان كانهم قتلوا في المعركة. كما يذكر المؤرخون بان هذا المجرم قتل بنفسه وبمسدسه الشخصي 12 اشوريا كانوا موقوفين في سجن الموصل لاسباب لا علاقة لها بالحركة الاشورية سوى تعطشه الشديد للدماء الاشورية وجنونه والانتقام منهم.

وهكذا توالت الجرائم والمذابح ضد الاشوريين لعدة ايام بحيث اصبحت جثث شهدائهم مرمية في العراء وفي الطرق العامة لبلدة سميل وازقة القرى الاخرى لمدة تزيد عن خمسة ايام تنهش في لحمها الطيور الجارحة والحيوانات الليلية المفترسة حتى غدت رائحتها بفعل حرارة شهر اب تفوح في كل المنطقة، مما اضطر السلطات المعنية امام خشية انتشار الامراض والاوبئة وخوفا من افتضاح فعلها الشنيع امام الراي العام العالمي، الى دفنها في مقابر جماعية. ويذكر شهود عيان بأن في سميل وحدها تم دفن 400 اشوري في ثلاث مقابر جماعية، وهناك تل صغير قرب سميل يؤكد الشهود بان مئات اخرين دفنوا بجانبه وهو التل نفسه الذي ارتوى بدماء الشهداء الاشوريين في السنوات الغابرة. وفي التقارير البريطانية السرية، يؤكد احد شهود العيان البريطانيين قوله "لقد رأيت وسمعت الكثير من الاحداث المروعة التي وقعت خلال الحرب العالمية الاولى، ولكن الذي رأيته في سميل بعيد عن تصور الانسان".

هكذا، مرة اخرى يفتح التاريخ صفحاته ليسجل مأساة اشورية جديدة ويكتب بدماء اكثر من 4 الاف شهيد اسماء جديدة في فصل جديد من الاستشهاد الاشوري وترخيص الدماء من اجل الحرية والكرامة ومن اجل حقهم الشرعي في تقرير مصيرهم القومي بانفسهم والحفاظ على كيانهم التاريخي المتواصل.

 

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links