مفاهيم جديــــدة بحاجة لمن يفهـمهـــــــا

 

 

 

                                                                                                                           نبيل شانو

            منذ بداية الحضارة الإنسانية وكنتيجة للنشاط البشري في اكتشاف كل ما هو جديد ، ظهرت مفاهيم كثيرة ، الغاية منها كان تحسين حياة الإنسان وتطوير مستواه علمياً و ثقافياً خدمة لحاضره ومستقبله ، ومن المعلوم أن التجمعات البشرية جمعاء وفي مختلف الأزمنة وحسب إمكاناتها المتوفرة ساهمت في تطوير تلك المفاهيم ، وبعض المجتمعات قامت إما بتعديل أو تشذيب تلك المفاهيم لتتلائم مع واقعها الخاص ؛ خلاصة القول أن المفاهيم التي أشرنا إليها أصبحت في عصرنا الحاضر جاهزة للتطبيق وفي أي مجتمع كان شرط توفر الأرضية المناسبة ، بمعنى أنها كقوالب جاهزة لمن يرغب التعاطي بها ولم يتعرف إليها مسبقاً . والعراق كجزء صغير من المجتمع الإنساني الكبير والذي هو موضوع مقالنا هذا وعلاقته ببعض من تلك المفاهيم (الغريبة) عنه ، يحاول أن يتعامل مع تلك المفاهيم ويروضها قدر الإمكان لمصلحته ، بغية اللحاق بركب من سبقه بـ (فراسخ) عديدة في تطبيقها وهضمها ؛ ففي الأعوام القليلة الماضية (بعد عملية التغيير بالتحديد) اقتحمت الواقع العراقي مفاهيم جديدة لم تكن ضمن أجندته المعلنة سابقاً ، ومن أهمها :

1ــ العراق الجديد .. فكلمة الجديد المرادفة للعراق ، تستحق الوقوف عندها قليلاً ؛ فمن المعروف أن الإنسان دائماً ما يغتبط بهذه الكلمة ، كونها تحمل له الأمل والتغيير الإيجابي نحو الأفضل ، ناهيك عما تحمله من معاني القوة والنظافة .. فمن منا لا يفرح ببيت جديد أو بملبس جديد أو بطفل جديد ... الخ ؛ إلا نحن في هذا الوطن ، فقد أصبحنا نتشائم وبطريقة لا شعورية من هذه الكلمة ، كونها تحمل لنا كل مخفي ما (أنزل الله به من سلطان)

!! ؛ ولسنا هنا بصدد تعداد السيئات من الأفعال التي تحدث يومياً ، فالمواطن البسيط أعلم بما يحدث ، بحيث أدى ذلك إلى تراجع ثقتنا بكل ما هو (جديد) ، ومن المعلوم أن عدم الثقة بالمستقبل سبب رئيسي بشكل عام يؤدي بالنتيجة إلى الخوف من المجهول الذي يحمله (الجديد) لنا ، "وهنا لا نريد أن نبريء العهود السابقة ، كون أن بعض أفعالها ساهمت في تراكم مخاوفنا " .. ونتيجة لكل ذلك ، فكثير من المواطنين حالياً أخذوا يبحثون عن وطن (جديد) .

2ــ الديمقراطية .. بعد سقوط الاشتراكية ، تفردت الديمقراطية كمفهوم ووسيلة للحكم الناجح في أرجاء العالم أجمع ، فلم يعد هناك من لا ينادي بها كطريقة للحكم ، بل حتى الأنظمة الشمولية (الدكتاتورية) تتبجح بتطبيق الديمقراطية (على طريقتها الخاصة) ؛ وحالياً في العراق لا ننفك نردد هذه الكلمة على مدار الساعة ، إن عبر الفضاء على شاشات القنوات الفضائية العديدة ، أو عبر الأثير من على المحطات الإذاعية الجديدة ؛ حيث هللنا لهذه الديمقراطية ( التي لا يعلم مزاياها إلا القلة القليلة الصامتة) ، نقول وأخيراً سنشعر بدفء ضيائها ، وتفائلنا باللحاق بركب الحضارة الإنسانية المتقدمة ، ولكن .. كيف لطبيب أن يعالج المرضى ، وهو لم يتلق دروساً في الطب بحياته ؟!! ، فكيف سيتعامل معها (الديمقراطية) من لم يعش في أجواءها ولم يرثها عمن سبقوه .. في وقتنا الحاضر (للأسف) كل فعل خاطئ يعزى للديمقراطية ، إن كان بحسن النية أم بسيئتها ؛ ولنا من الواقع أمثلة كثيرة .. فلو أننا شاهدنا أحدهم يسرق أو يحطم أو يعمل كل ما هو مخالف للقانونين الأرضي والسمائي ، ويـُسأل عن سبب فعلته هذه ، فسيأتي الجواب سريعاً مباشراً .. (ديمقراطية) !!.

3ــ الفيدرالية .. لقد كان العراق (بلاد ما بين النهرين) في الأزمنة السابقة يعلم البشرية جمعاء ؛ كونه مهد الحضارة وبوابتها دون منازع .. وربما لا زال يملك تلك الروحية مخفية في إحدى زوايا رسالته إلى العالم الحديث ؛ وربما نملك متسعاً لتعليم العالم مفاهيم محدثة ومنها (الفيدرالية العراقية) .. تلك الفدرالية التي أخذنا باسمها واختلفنا برسمها ، وليس من الواضح إن كان القادم من الأيام سيحمل حلاً عجائبياً لنوع الفدرالية المرغوبة .. هل هي نفسها المتعارف عليها عالمياً ؟ ، أم هي نوع جديد سيظهر للعلن بعد طول جدل ؟ .. وبمناسبة الجدل ، يقال أن اثنان من الشرطة في عاصمة دولة أوروبية مروا أمام بناية كبيرة في ساعة مبكرة من صباح أحد الأيام قبل شروق الشمس ، فلاحظوا مصباح أحدى الشقق لا زال مضيئاً فقال أحدهم : أن هؤلاء يابانيين ، يعملون على اختراع جديد .... فرد عليه زميله .. كلا إنما هؤلاء عراقيين يتجادلون حول مسألة معينة !! .....                

 

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links