إثنان لا يصلحان للعمل السياسي

رجل الدين .. المثقف...؟

 

 

                                                            نمرود سليمان

             لا يستطيع رجل الدين الدخول اٍلى الساحة السياسية ، وإن فعل ذالك ((وقد فعلها كثيرون)) فإن ذالك يُعدُ احتلالاً أو غزواً بكل المقاييس، لأن هذا الرجل يحاول بكل ما يملك من أدوات القوة بالعودة للوراء، ضارباً انجازات المجتمع السياسية والثقافية والحضارية والاقتصادية عرض الحائط، لأن المرجعية التي يمتلكها رجل الدين تعود إلى الاف السنين، ولا تقبل بأي تغيير لأن عقلها ومنطقها يعتمدان على النصوص الواردة في الكتب الدينية ((السماوية)) وبإعتبارها مقدسة وموقعة من قبل الانبياء، فهي بالتالي صالحة لكل زمان ومكان.

أما الواقع السياسي والاجتماعي فإنه يعيش حالة تغيرية دائمة، وهذه الحالة تؤثر على الفكر وبالتالي يجب أن يتغير الفكر، كي يستطيع ملاقاة التغيير الذي يحدث في المجتمع، ومن هنا نفهم بأن المجتمعات تتغير من مرحلة إلى أخرى، فثقافة القرن الماضي تختلف جذرياً عن ثقافة هذه المرحلة، في بدايات القرن الماضي حدثت الحرب العالمية الأولى، وافرزت معادلات جديدة على الأرض، تعامل معها البشر، ولكن هذه المعادلات شاخت بعد فترة من الزمن، لأن الواقع تغير، لذا تطلب الأمر تغيير المعادلات السابقة التي جاءت بعد الحرب الكونية الأولى، مما أدى في عام 1939 إلى قيام الحرب العالمية الثانية، ووضعت هي الأخرى معادلات جديدة، أخذت دورها في الحياة حتى أوائل التسعينات من القرن الماضي وذلك بانهيار الأتحاد السوفيتي، وظهرت أخرى جديدة، وهكذا دواليك يتغير الواقع طبقاً للمرحلة التي يجتازها.إما المفاهيم والنظريات الدينية لا تعترف بالمتغيرات مهما كان نوعها، وأكثر من ذالك تحارب كل عملية تغيير تقع في المجتمع.

وبما أن السياسية هي القائد والموجه لكل عمليات التغيير الفكري في المجتمع، وتحاول ايجاد الحلول المناسبة للمشاكل العالقة الجديدة والقديمة لملاقاة عمليات التغيير، لذلك نلاحظ بأن الدول المتقدمة والديمقراطية تتطور باستمرار لأنها تساير الواقع المتغير، أما الدول المتخلفة فأنها تقف في مكانها لأنها لا تملك أدوات التغير، ويعود السبب في ذلك لأن دساتير أغلبها تعتمد على الايدلوجيات الدينية التي لا تسمح بالتغيير، إذا كانت المرجعيات الدينية بكل أصنافها تقف ضد كل تغيير، فكيف تكون الساحة السياسية إذا أحتلت من قبل رجال الدين أنفسهم، إذا عدنا إلى التاريخ القديم والجديد فإنه يؤكد وبالملموس بأن حكم الدين ينقل المجتمع إلى عصر الظلمات والجهل ويتربص لكل عمل تحديثي، فيتحول المجتمع إلى مجتمع الغابة، أليس هذا ماحدث لأوربا في العصور الوسطى عندما حكمت الكنيسة، والشيء نفسه في الوطن العربي عندما حكمت الدولة العثمانية باسم الخلاف، والشيء ذاته تكرر مع حكم الطالبان لأفغانستان ... الخ.

إذا يجب حماية المجتمع والسياسة من رجال الدين المحتلين والغاصبين للدول، ومن هنا نفهم معنى فصل الدين عن الدولة. ((أنظروا إلى أوربا بعد فصل الدين عن الدولة)) لقد انتقلت من عصر الظلمات إلى عصر الأنوار في المجالات كافة.

إننا نؤكد بأن هذه المفاهيم لا تمس الدين من أي جوانبه، بل نحترم الدين عندما نقول عليه الابتعاد عن السياسة، لأن دخوله فيها يؤدي للإساءة إليه. لا تستغرب عزيزي القارئ بأن الشيئ نفسه ينطبق على المثقف إذا اقتحم الساحة السياسية ولكن من زوايا مختلفة عن الدين. منذ أيام اثينا حدث انشقاق بل طلاق بين الانسان المثقف والإنسان السياسي؟ الأول يعيش في بيئة قابلة للتغيير في كل زمان ومكان، ويشطح بفكره فوق معادلات الواقع، ولا يقبل بأي شكل من الاشكال بعادات وتقاليد المجتمع، ولا يستطيع جس نبض الشارع، بل يرسم لنفسه شرنقة خيالية بعيدة عن الواقع، ويطلب من المجتمع الالتحاق به في برجه العاجي.

إن هذا لا يقلل من شأن المثقفين، بل هم روح الأمة وغذائها ولولاهم لعاش المجتمع بدون روح، ولكن المشكلة أنهم لا يتعاملون مع الواقع كما هو، بل يخلقون واقعاً جميلاً ولطيفاً ((جمهورية افلاطون)) ويطالبون بتتطبيقها على الأرض. اما السياسي فإنه يتعامل مع الواقع وفقاً لمعادلاته السياسية ويضع جملة من القوانين من أجل تطويرهذا الواقع بحيث يسير إلى الأمام دون أن يسقط، أخذين بعين الاعتبار الفرق الشاسع بين النظام الشمولي ((السياسي)) الذي يسخر الواقع وفقاً لمصلحته، وبين النظام الديمقراطي الذي يسخر الواقع لخدمة مجتمعه.

إن الفرق بين رؤية السياسي ورؤية المثقف مختلفة جداً بالنظرة للمجتمع، لذا نلاحظ بأن الأغلبية الساحقة من المثقفين الحقيقيين يأخذون دور المعارض للسلطة، سواء كانت ديمقراطية أو شمولية، ولا يستطيع المثقف الاندماج في السلطة مهما كان نوعها، لأن المثقف يريد التغير في كل لحظة وساعة، بينما السياسي لا يغير إلا وفقاً لمتطلبات مجتمعه. إذاً لا يحق لرجل الدين والمثقف الدخول إلى الساحة السياسية لانهما لا يملكان أدوات التغيير، ومع هذا يمكن القول بأن لهما دور اساسي في المجتمع من حيث التوجه نحو المفاهيم  الدينية والثقافية التي جاءت لخدمة الأنسان والتعامل مع البشر وفقاً للقانون، إن تحقيق معادلة السياسي، المثقف، رجل الدين، تؤدي إلى خدمة المجتمع

 

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links