العراقيون .... وأتون الصراعات

 

 

                                                           عصام شابا فلفل

                   في خضم الصراعات التي تعيشها منطقة  الشرق الاوسط ، تستوقفنا كثير من الامور العصيبة – [ سياسية كانت ام اجتماعية .. فكرية ام طائفية ] .. تلك الامور التي تجعل شعوبا ، بل ربما امما متعددة في مهب ريح الاهواء الخاصة بهذه الفئة او تلك من الذين يحاولون وبكل جهدهم طرح اجندتهم على الساحة وعن طريق العنف او محاولة السيطرة على مقاليد الامور لتحقيق مبتغى معين سواء كان ذلك المبتغى نشر فكر ما او خلق حالة من عدم الاستقرار في هذا البلد او ذاك ، ومن الطبيعي ان تنطلق تلك الفئات  متسترة بمفاهيم وطروحات تحاكي وتظهر للعيان الواقع المأساوي الذي تعيشه المنطقة ، وقد تكون الفئات احيانا  في حالة غثيان او عدم التبصر في عملها لكونها تتبنى منهاجا معينا او استراتيجية عقيمة لدولة معينة بصورة مباشرة او غير مباشرة .. هذا هو الواقع الذي نلمسه يوميا في منطقة الشرق الاوسط وفي جميع بلدانه تقريبا ، علما بان هناك مناطق اخرى في العالم تعاني من نفس المأزق الذي يعاني منه شرق اوسطنا وربما لنفس الاسباب ..! فقراءة بسيطة لتلك الحالات تضعنا في احدى كفتي ميزان صراع القوى للمتنفذين شئنا ام ابينا وخصوصا اذا كان موقعنا يتوسط كفتي الصراع - بعبارة اخرى ان نكون بين الاثنين - حينها نكتشف ان تلك الحالات ما هي الا استقراءات لمنطقين متناقضين يحاول كل طرف منهما ان يظهر للملأ  بمظهر المظلوم وان غريمه هو الظالم ، ويحاول ان يثبت بتلك الستراتيجية احقيته في القضية المتنازع عليها ، والنزاع هنا قد يتخذ عدة مسارات ، فاما ان يكون صراع فكرين متناقضين ، او اختلاف بين مبدأ واخر ، او .. وهذا هو الاهم ... تصفية حسابات قديمة بين فئة واخرى او دولة واخرى ، تلك الحسابات التي تجاوزعمر بعضها عدة قرون ، وهنا تكمن الكارثة العظمى ، اذ ان هذه التصفية للحسابات لا تقام على اراضيهم وبين ابناء شعبهم بل على اراضي شعوب اخرى لتكتوي تلك الشعوب بنيران  ليس لهم فيها ناقة ولا جمل ، وهنا تتجه تلك الصراعات الى دس سم التفرقة وتفتيت شعب تلك الدولة التي تثار على ارضها ، واحيانا تؤدي الصراعات الى تفتيت اقلية او طائفة معينة والتي ان لم تستمع الى صوت العقل لتلاشت من الوجود في فترة وجيزة .. فالذي يحصل في لبنان والعراق وفلسطين .. الخ  لهو ضرب صحيح لما نقول .. فبين الفينة والاخرى نقرأ ونسمع ونشاهد من خلال وسائل الاعلام ، ان للدولة الفلانية تدخلات سافرة في احد مواقع الصراع ، ( علما بان موقع بعض تلك الدول يبعد عن مكان الصراع الاف من الكيلومترات والبعض الاخر يجاوره   حدوديا ) وبحجة واهية وهي انها ترغب بنشر الفكر الفلاني او لمحاربة العدو العلاني ..! علما بانها اكثر ضراوة وعداءا على ذلك الشعب من العدو نفسه ، وربما اقسى منه على شعوبها ايضا..! وهنا تقوم وسائل الاعلام بنشر ادلة وبراهين لا تقبل الشك تؤكد على تورط  تلك الدولة في ذلك الصراع وتؤكد ( وسائل الاعلام ) كذلك على قيام تلك الدولة باذكاء النزاعات العرقية والطائفية في البلد المبتلى بالنزاع المسلح . اذ ان عدم الاستقرار في المنطقة يجنيها مزيدا من ايرادات وارباح مادية اولا ، وسياسية او فكرية بالمعنى الصحيح من ناحية اخرى .. والغريب في الامر ان تقوم الفئات المتصارعة بتنفيذ اجندة تلك الدول ، واصرار تلك الفئات على تخريب بلدانها وقتل ابناء شعبها دون وازع من ضمير ، بل والاكثر غرابة ان يدعوا بعض من تلك الفئات الى تفتيت اوطانها لتصبح كانتونات ضعيفة هزيلة لا تقوى على النهوض بعد عشرات القرون ،  ولتصبح فريسة سهلة لكل من هب ودب.! كل هذا لقاء حفنة من الاوراق الخضراء تغشى بها عيون وضمائر بعض من ضعيفي النفوس والشخصية الوطنية .. ففي لبنان مثلا .. لا زالت الامور مبهمة ولا ندري هل هناك حقائق موضوعية سوف تظهر وتكسر ذلك الايهام ..؟ ام على العكس من ذلك ستظهر افكار اخرى ستزيد من الوضع ايهاما والامور تعقيدا ..؟ فتدخل الدولي في القرار اللبناني ادى الى توسع الهوة بين الفئات السياسية المكونة للمجتمع اللبناني وعلى ارضه ، فهل يا ترى هل تبغي تلك الدول من تدخلاتها توحيد القرار اللبناني (حسب تقديراتها وادعائاتها) ، ام تقصد تفتيته ووضعه في مأزق لا يحسد عليه .....؟ وفي العراق .. وهنا تظهر الماساة جليا . فعلى ارضه هناك تدخل من تلك الدول ايضا ، فكل يوم نسمع ان دول الجوار لم تقفل حدودها بوجه المسلحين الداخلين الى العراق عبر تلك الحدود . وان الدولة الفلانية تزود المسلحين او المجاميع المسلحة التي تقاتل في العراق بكذا نوع من السلاح .. وان رئيس الدولة الفلانية قد جند كذا عدد من المسلحين للقتال في العراق ... كل ذلك يحصل لغرض واحد فقط وهو قتل المزيد من العراقيين الابرياء وتخريب وطنهم وطمر حضارته التي جاوزت الـ ( 7000) عام .. فهل يا ترى .. هل اجرم الشعب العراقي يوما بحق شعوب المنطقة ليجازى من قبل جيرانه الكرام وخصوصا اشقائه المخلصين بمثل تلك الاعمال ..؟ ام انه الحقد الدفين على ابناء شعبه .. ام كما قلنا انفا انها مسألة تصفية حسابات مع دول اخرى على ارض العراق الجريح ..؟! وهنا لابد من التساؤل .. الم يفكر قادة تلك الدول ان  هذه الحالة قد تنعكس سلبا على شعوبهم واوطانهم يوما ما بعد انهاء مهامها وتدخلاتها في شؤون العراق الداخلية  ..؟  وهذا مؤكد ...   اذ سترجح كفة الميزان لصالح الاخرين وستصبح بلدانهم ساحة اخرى لتصفية الحسابات نفسها .. ام ان نظرتهم للواقع قصيرة جدا لا تتعدى شبرا واحدا .. ام انها حالة تعمد لغاية في نفس يعقوب .. ام ربما هناك امور لا نفهمها بين قادة الدول المتصارعة وربما هناك اتفاقات سرية بينهم لتنفيذ هذا المخطط او ذاك..!! ربما..!! امور متعددة تحتاج الى دراسة وتحليل ومعالجة منطقية .. وفوق كل هذا وذاك ، فان الولوج في معمعة الصراع ( صراع المصالح .. او صراع الافكار ) سمه ما شئت .. يبقى المواطن العراقي متأرجح بين الامل وعدم اليقين بانهاء مأساته التي توارثها منذ عشرات السنين ، وهنا لا بد من الاشارة الى ان الصراع في العراق قد اتخذ طابعا اثنيا ومذهبيا ، وانحدر اخيرا الى الصراع الداخلي في الفئة نفسها ، وربما ان استمر الحال بالتدهور ينسحب الصراع الى العشيرة نفسها ومن ثم يستقر في داخل الاسرة الواحدة .. ولا نستبعد بل  من المؤكد بانه سوف يتحول الى صراع داخلي في نفسية الفرد العراقي وخصوصا الموجود داخل الوطن  .. اذ ان المواطن حين يسير في شارع معين تنتابه الاف من الافكار بسبب كونه فريسة سهلة للأغتيال او الخطف او اي قدر لم يدخل في حساباته  ، وانه سيصبح ضحية انفجار عبوة ناسفة او سيارة مفخخة داخل سوق او عمارة .. او تسقط على منزله قذيفة هاون ، وهذا يعني ان الصراع قد تقوقع داخل الفرد العراقي اضافة الى مجتمعه .. اذن فلا بد من علاج العراقيين باجمعهم نفسيا وانهاء صراعهم الداخلي (النفسي) كي يصحوا من صدمتهم وبعدها ينهوا صراعاتهم مع بعضهم على ارض الوطن وحينها يتفرغون لبناء وطنهم .

 

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links