مَـلكيــــــونْ

 

 

                                                                             نبيل شانو

                ما الذي يجعل بعض المجتمعات الإنسانية تتميز عن غيرها ؟ هل هي الأخلاق أو التمسك بالفضيلة أو القوانين المرعية ، أو السبق في مراحل التطور ؟ أم أنها بسبب كل ذلك ؟ .. هناك في عالم اليوم مجتمعات تجاوزت " أو كادت " الكثير من العقبات التي كانت تكبلها فيما مضى وبالتالي تعيق تقدمها ، فنراها اليوم وهي تجني ثمار إجتهادها وسعيها الدؤوب للوصول إلى ما وصلت إليه ؛ في المقابل ، هناك مجتمعات ارتضت لنفسها البقاء على ما هي عليه من تخلف وبدائية ، على الرغم من الفرص المتاحة أمامها ، وكأنها تقيس وجودها وديمومتها ونجاحها بمدى عزلتها عن حالة التحضر الإنساني .

       فبقدر تعلق الأمر بالنوع الثاني من المجتمعات ، والتي هي غالباً ما تعتمد نظام الحكم الأوتوقراطي كأنجع وسيلة للسيطرة على أفراد مجتمعها ، بحيث يسعى من يتصدون للمسئوليات المهمة في مفاصل الدولة العليا ، إلى إحاطة أنفسهم بأناس يساعدونهم على تمشية مهام الحكم " الجسام " ، وليس من الضرورة أن يكون هؤلاء المرؤوسين من الكوادر الأكاديمية العلمية أو الثقافية المرموقة ، فالمهام التي تناط بهم لا تعد أكثر من جعلهم "بوق" دعائي مدفوع الأجر ، ناهيك عن التمجيد والتفاخر بالقابليات الإستثنائية والفريدة من نوعها لرؤسائهم ، وبذلك تنطبق عليهم المقولة المعروفة " ملكيون أكثر من الملك " . من هنا نستنتج بأن العلاقة بين "الملكيون" و "الملك" ، هي علاقة تبادل مصلحي ، طالما اقتضت مصالح الطرفين ذلك ؛ فمن يتصدى لمواقع المسئولية (الملك) في مثل هذه المجتمعات " الغير متحضرة " يعمل وفق ثقافة وأجندة " تسلطية وشمولية " يهدف بالدرجة الأولى إلى السيطرة على أفراد ذلك المجتمع ، إن بالترغيب أو بالترهيب ، وهو بالتأكيد غير قادر على معاداة كافة أفراد ذلك المجتمع في وقت واحد ، عليه فأنه من ناحية يعتمد على بعض الكوادر العلمية الثقافية لتمشية أمور المؤسسات ضمن الهيكلية الإدارية لذلك المجتمع ، ومن ناحية أخرى فأنه يحتاج لبث أيديولوجيته الفكرية " الثورية " بين الجميع إلى من هم على شاكلة (الملكيون) ، وهؤلاء بدورهم ينفذوا الأوامر دون مناقشة فائدتها أو مضرتها للمجتمع الذين هم جزء منه . أما الملكيون فنستطيع أن نعبر عنهم بأنهم " يتميزون " بصفات تقتصر عليهم وحدهم ، بحيث يمكنهم العيش والمطاولة مع مختلف الأحداث والأزمات ، فهم : في كل عهد يخدمون ، وأبواب الملوك والمسئولين دوماً يطرقون ، وولائهم للذي يدفع أكثر يؤدون !! ؛ وليس من المستغرب أن مثل هؤلاء تكون خدماتهم مطلوبة على الدوام في مجتمعات بعينها ، طالما بقيت حالة التسلط والجهل ومنطق القوة وغياب سلطة القانون ؛ فنحن نرى أمثالهم في كل زمان ، لكن ليس في كل مكان ؛ وهم قادرون على الإساءة إلى الجميع وخصوصاً لأقرب الناس إليهم ، طالما أن ذلك يدخل السرور ويحقق أهداف أولي أمرهم ؛ أما الأخلاق فبالتأكيد هم أبعد ما يكونون عنها ، كون الأخلاق هي خميرة العمل الصالح والفضيلة في أي مجتمع كان ، فبدونها (أي الأخلاق) لن يصبح هناك وزن للقيم السامية من مثل : الصدق والنزاهة والعدالة والشرف .. الخ ؛ أما المال والسلطة ، فهما أحب الأمور إلى أنفسهم ، فأما المال فأنهم يجنونه بمختلف الطرق " مشروعـة وأخلاقيـة كانت أم لا " ، وأما السلطة فهي بعيدة عنهم لأنهم لا يملكون صفة القيادة في شخصيتهم كونهم " أتباعاً فقط " ؛ وبخصوص الثقافة فأنهم يشكلون حالة من التخلف الثقافي والفكري ضمن أي مجموعة بشرية ، ذلك لأنهم دائماً ما يقلبون موازين الحقائق خدمة لمصالحهم ومصالح أسيادهم ، تسيرهم في ذلك صفتي النفاق والتملق التي يتميزون بها وبحرفية عالية ؛ وهم أشبه ما يكونون بالفيروس الذي ينخر في جسد المجتمع محاولاً منعه من إكتشاف الحقيقة ، كون الحقيقة تعني القضاء على أسلوبهم ومنهجهم، وبالتالي القضاء على المسئولين الفاسدين (الملوك) من الذين وضعوا أكثر من خط أحمر على تقدم مجتمعاتهم نحو الحقيقة .

       إن مسئولية إدارة المجتمع ، أي مجتمع كان ، لهي بحق مسئولية تاريخية تقع على كاهل مجموعة قليلة من الأفراد ، حيث تقوم هذه المجموعة برسم السياسة العامة لذلك المجتمع ، والحفاظ على مصالح أفراده ، يساعدها في ذلك هيكل هرمي يبدأ برأس السلطة ، وينتهي بأصغر موظف عمومي ، وهذا الهيكل هو المحرك لوجود وإستمرارية أي مجتمع ، ومن الضروري أن تكون هناك ثقة وعدالة في التعامل بين المؤسسة الرسمية وباقي أفراد المجتمع لتحقيق التقدم ، وإلا فستكون كافة الجهود المبذولة عبثية .. خلاصة القول .. أن الملكيون هم أسوأ من الملوك تأثيراً إلى حد كبير ، فالملك يأتي عليه يوم يترك فيه الحكم " لسبب أو لآخر " ، أما الملكيون فحالما يذهب حكم ويأتي آخر " لا يهم إن كان على نفس الخط السابق أو معارض له " فتراهم وكعادتهم يؤدون يمين الولاء والطاعة ويبايعون " الملوك " الجدد ، ويشيدون بذكاء وحكمة من خلص البلد من الحاكم الجائر السابق ، ولسان حالهم يقول كما البريطانيون : مات الملك ... عاش الملك!! ...     

 

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links