هل عدم الفوز في الانتخابات يبرر المطالبة بالعودة الى التعيينات

 

                                                                                                يوسف شكوانا

                   من أهم اسس الديمقراطية هي انتخاب الشعب لممثليه الشرعيين وفي العراق بعد عهود من الدكتاتورية ونظام التعيينات جاء التغيير في كردستان بأول انتخابات عام 1992 تم فيها تخصيص خمسة مقاعد لشعبنا الكلداني الاشوري السرياني، أما على نطاق العراق فالتغيير عام 2003 جاء بنظام الانتخابات ايضا ولحد الان جرت ثلاثة انتخابات بالاضافة الى انتخابات مجالس المحافظات، وعلى نطاق الوطن تم تخصيص كوتا بخمسة مقاعد لشعبنا في الانتخابات الاخيرة، وكما يعلم الكل ان الباب كان مفتوحا لكل من يرغب بالترشيح للفوز بهذه المقاعد إذا توفرت فيه الشروط التي وضعتها المفوضية العليا للانتخابات ولم تشهد العملية حرمان أحد ممن توفرت فيه الشروط من الترشيح، وهكذا تقدمت خمسة قوائم تمثل كيانات سياسية بالاضافة الى شخصيتين مستقلتين للفوز بهذه المقاعد الخمسة، وكما هو معلوم إن لشعبنا ومنظماتنا أكثر من تسمية قومية واحدة، ولقد تم التعامل معها بكل شفافية من قبل مفوضية الانتخابات والحكومة المركزية وحكومة كردستان، فالباب كان مفتوحا على مصراعيه بصورة متساوية امام الكل بغض النظر عن التسمية ولم يحرم احد من حقه في المشاركة على هذا الاساس كما لم تقدم تسهيلات لاحدهم على حساب الاخر، وهكذا نرى أن القوائم الخمسة تنوعت في أسمائها فثلاثة منها إختارت أسماء تاريخية وحضارية هي : (الرافدين/ أور/ عشتار)، وقائمتان إختارتا اسماء قومية إحداهما اسما جامعا (الكلداني السرياني الاشوري) والثانية إسما إنفراديا (الكلداني)، وعلى صعيد التنظيمات فكل قائمة مثلت تنظيما واحدا باستثناء قائمة عشتار التي ضمت ثلاث تنظيمات، أما عن نظرتها الى الوحدة القومية فثلاثة منها مع الوحدة وقائمتان مع الانقسام وهاتان كانتا خاصتان بالكلدان، هذا كان واقع قوائم شعبنا والتي كانت معروضة أمام الناخب بصورة متساوية دون تمييز وكما نلاحظ أن كل تسمياتنا كانت موجودة أمام الناخب ولم يتم تهميش أي منها. كما ان قوانين الدعاية الانتخابية طبقت على الكل دون تمييز وكل منها عملت بقدر امكانياتها.

أما الناخب فكان له أكثر من هذه الخيارات السبعة فكما ظهر من نتائج الانتخابات أن قسما من شعبنا الكلداني السرياني الاشوري اختار قوائم أخرى غير الكوتا مثل العراقية والكردستانية واتحاد الشعب، وهذا طبعا حقه الطبيعي، اما القسم الاخر فلقد اختار التصويت للكوتا وهذا كان أمامه عدة خيارات متنوعة من تنظيمات وشخصيات وأسماء قومية أو تاريخية للقوائم، واختار كل فرد من اختار بكل حرية وحسب قناعته. ولا يختلف اثنان على توفر الحريتين، حرية الترشيح للكيانات والافراد على السواء وحرية التصويت للناخب، فالمؤمن بوحدتنا وكل تسمياتنا وجد أمامه ما يصوت له والذي يعتبر اسمه كلداني فقط  كقومية مستقلة كان أمامه قائمتين خاصتين بالكلدان فقط في حين لم توجد قائمة تحمل الاسم الاشوري لوحده والشئ نفسه عن الاسم السرياني، فالانقسامي الكلداني كان امامه قائمتين وليس قائمة واحدة تمثلان فكره وهذا لم يكن متوفرا للتعصب الاشوري او السرياني. ومع ذلك اختار شعبنا من يمثله بملء ارادته، فلم نسمع عن اي أعتراض رسمي أو شعبي على حرمان قوائم من المنافسة، وكما نعلم ان الفائز بالانتخابات يعتبر الممثل الشرعي وهذا ينطبق على نطاق البلاد وحكومة كردستان وممثلي شعبنا الخمسة.

ولكن البعض يقبل بالديمقراطية فقط اذا فاز بالانتخابات والا فيعمل على هدم كل اسسها داعيا للعودة الى اسلوب التعيينات بطريقة لا تخلو من التخبط والازدواجية فالبعض ملأ المواقع قبل الانتخابات بأن هذه الانتخابات تقرر مصير القومية الكلدانية وبعد ظهور نتائج الانتخابات مباشرة غير النغمة فاصبحت ان التمثيل هو ديني وليس قومي، وبعد أشهر تغيرت النغمة مرة اخرة فاصبح التمثيل لا ديني ولا قومي فلا نعلم ماذا أصبح اذا، مرة ان تمثيل الفائزين غير شرعي ومرة اخرى تمثيل بدون صلاحيات، ولا نعلم ماذا تكون النغمة القادمة، اننا لو قسمنا شعبنا الواحد الى كلدان وسريان واشوريين على طريقتهم وبالقاء نظرة على نتائج الانتخابات في بلداتنا وقرانا نرى  ان القائمتين الفائزتين حصلتا على معظم أصوات الكلدان وعلى اثرها حققتا الفوز والذي يعتبر فوزا للناخب الكلداني كغيره، وبمثل هذه الدعوات هل أصبح لاصوات عشرات الالاف الذين اختاروا ممثليهم اية قيمة؟ فيطلب من المسؤولين الاخرين الذين جاءوا الى السلطة عن طريق الانتخابات أن يفرغوا محتوى نفس الانتخابات على نطاق شعبنا فيجردوا ممثلينا من صلاحياتهم الشرعية المثبتة في الدستور، اي يطلب من المسؤولين عن تطبيق القانون أن يخالفوه، اليس هذا أغرب طلب نسمع به؟ فالانتخابات حصلت على نطاق القطر فاما أن نعترف بها ككل  أو لا نعترف، فاما أن نعترف بنتائجها للكل بضمنهم ممثلينا أو نلغيها على الكل. فلقد سمعنا بطريقة الانتخابات وسمعنا أيضا بطريقة التعيينات فاما هذه أو تلك أما أن نطبق طريقة الانتخابات على قسم والتعيينات على قسم اخر فهذا ما لم نسمع به من قبل. نعم نسمع بانتقاد طريقة اجراء الانتخابات أو قوانينها والعراقيل وما الى ذلك، إلا أننا لم نسمع بمن يجرد الفائزين من صلاحياتهم المستمدة من الدستور ويمنحها الى اخرين حسب ذوقه خاصة عندما كان لهذا الذوق كل الحرية كما لغيره ومارسها كغيره ولكنه فشل بعكس غيره ولم يكن أي باب موصد بوجهه فالمفوضية وقوانينها فتحت كل الابواب أمامه ودخلها بكل حرية وأستخدم كل قدراته ولكن شعبنا عبر عن ارادته وقال كلمته فاختار غيره لتمثيله رسميا، فهل من المنطق أن نعترف بشرعية وصلاحيات 325 عضو برلمان فازوا بالانتخابات وننكرها على الاعضاء الخمسة الذين اختارهم شعبنا لتمثيله في نفس الانتخابات؟  

وهل من الأنصاف أن نحترم ارادة كل العراقيين ونهمش إرادة ابناء وبنات شعبنا الذين اختاروا ممثليهم اسوة بكل العراقيين؟ فهل يعلم الذي يدعي بأن للكلدان ممثلين جاهزين هم الكنيسة والتنظيمات انه يقع في تناقضين؟ التناقض الاول اننا لن نسمع من تنظيم أو شخص كلداني قال قبل الانتخابات اننا لسنا بحاجة للانتخابات لأن لنا ممثلين جاهزين لا بل على العكس ان كل التنظيمات الكلدانية دخلت الانتخابات بكل قواها سواء في القائمتين أم في دعمهما، الم يكن هدف القائمتين الفوز بعضوية البرلمان لممارسة صلاحيات عضوية البرلمان كما يقرها الدستور؟ فلو يملكون هذه الصلاحيات من غير انتخابات فلماذا شاركوا بها اذا، والمأزق الثاني ألا يعلم أن لكل فئات الشعب العراقي مرجعيات منها من تستطيع أن تحرك الشارع بكلمة واحدة أما تنظيمات الثلاثين عضوا ففي العراق المئات منها كما انه بامكان العراقيين تشكيل نصف مليون منظمة من هذا النوع، فهل يبقى أي مبرر لاجراء الانتخابات؟ فكما أن لكل من المرجعيات والمنظمات المختلفة نظامها وقوانينها ومجالاتها وهكذا لعضوية البرلمان صلاحياتها ومدتها وشروطها التي تأتي في مقدمتها الفوز بالانتخابات. من المعقول ان نسمع بالمعارضين وهذا امر طبيعي وصحي وضروري ويكونون عادة الذين لم يفوزوا بالانتخابات ويعتبرون اقلية وان كان الفرق بينهم وبين الاكثرية صوتا واحدا، ولكن من غير المعقول أن ينفون أن يمثلهم الفائزون أو يطالبوا بتجريدهم من صلاحياتهم.

أنه مهما قيل فالاحتفالات التي شاهدتها بلداتنا وشاركت بها الجماهير الواسعة معبرة عن فرحتها بفوز ارادتها المتمثلة في الذين منحتهم اصواتها لهي خير دليل على ان شعبنا ينظر الى عملية الانتخابات نظرة حضارية ولقد مارس حقه هذا وعبر عن ارادته وهي التي تؤخذ بنظر الاعتبار وليس اصحاب المطاليب الغريبة. فالذي ينجح بالامتحانات النهائية في السنة الاخيرة يتم تعيينه ويمارس صلاحيات وظيفته أما الذي يرسب فلا يعترض على صلاحيات المتعينين وانما يعيد السنة ويجتهد أكثر واذا تكرر رسوبه لعدة سنوات فيلجأ الى عمل اخر غير الدراسة ربما يتوفق به.

أنني بهذا لا أقصد جهة دون اخرى سواء التي شاركت في الانتخابات ولم تحقق النجاح أم التي لم تشارك أصلا، كما انني لا اعترض على أية جهة تدافع عن حقوق شعبنا باخلاص، ولكنني اصر على أن التمثيل الرسمي والشرعي لشعبنا في البرلمان يبقى من صلاحية الاعضاء الخمسة الذين انتخبهم شعبنا الكلداني السرياني الاشوري وكل الادعاءات الاخرى لا تصل باب البرلمان. فهل من واجب الحريصين على مصلحة هذا الشعب وضع العراقيل في طريق من اختارهم الشعب قبل أن يباشزوا بعملهم أم أن يكونوا سندا لهم كي يحققوا الحد الاقصى في فترة خدمتهم.  

في الختام أقول: متى نضع خاتمة لتفضيل المصالح الحزبية والتسمية على مصلحة شعبنا في الوطن الذي يمر بمرحلة وصفها أحد المطارنة بأنها مرحلة البقاء أو الانقراض، فبقائه يعني بقاء كل تنظيماتنا وتسمياتنا وأما انقراضه من ارض الاباء والاجداد (لا سامح الله) فيعني انقراض كل تنظيماتنا وتسمياتنا فهل نعي خطورة المرحلة ونضع خاتمة لهذا الانشقاق والتناحر الذي وصل الى درجة مطالبة بالاخرين تجريد ممثلينا الشرعيين من صلاحياتهم؟ وهل نفتخر لأننا الوحيدين الذين وصلنا الى هذه الدرجة؟

 

 

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links