بمناسبة عيد ميلاده الثمانين
الميمون ...
الزنبقة
تحاور غبطة أبينا البطريرك
مار عمانوئيل الثالث دلي (الكلي الطوبى)
بطريرك بابل على الكلدان
أجرى اللقاء الخورأسقف بيوس
قاشا _ رئيس التحرير
كتابة / م. آن سامي مطلوب _ نائب رئيس
التحرير
رأسٌ،
وأبٌ،
وراعٍ ..
ثلاث
كلماتٌ
لدرجةٍ
واحدة ..
إنها
ثالوث
في
واحد ..
تليق
بغبطة
أبينا
البطريرك
مار
عمانوئيل
الثالث
دلي
بطريرك
بابل
على
الكلدان
الكلي
الطوبى ..
شيخٌ
يقترب
من
الثمانين
من
عمره،
بل
هو
على
عتبته،
وقد
حملته
نعمة
الرب ..
بصمتٍ
يكلّم
الله ..
ثم
يرفع
الشكر
في
الصلاة
بكل
هدوءٍ ..
خدم
كاهناً
وخورأسقفاً
وأسقفاً
وبطريركاً
لأبرشية
بغــداد ..
أعطى
الكثير
الكثير ..
فهو
يملك
كل
شيء
بالمسيح
ولا
يملك
شيئاً ..
أعطى
في
شبابه
خدمة
كهنوتية ..
وجمع
في
أسقفيته
أبناءه
بكل
حنان
في
الشدة
كما
في
الضيق ..
زرع
فيهم
فرحاً
بل
رجاءً
بنظرة
إلى
السماء ..
ولما
إعتلى
كرسي
الأبوّة
كرأسٍ
للكنيسة
الكلدانية _
بل
العراقية _
سلّم
كل
أبناءها
تحت
رعاية
أمّ
المعونة ..
وهل
أجمل
عون
من
العذراء ..
إنها
معونة
ولا
أجمل
بل
ولا
اسمى.
هذا الشيخ الجليل أعطى لنا من وقته .. وبدأتُ أُهيئ لساعة لقائه .. ولما
كان اللقاء صباح الاثنين 24 أيلول 2..7 وفي تمام التاسعة، شعرتُ أن الحنان
يلفّ أجواء الكلام .. وأحسستُ أن العَظَمَة في التواضع .. كان متواضعاً إلى
حدٍّ كنتُ خجولاً لكي أسأله .. بل كان يحثّني على مواصلة مسيرة الكلام بكل
شجاعة قائلاً:"كم أنتَ عزيزٌ يا إبني .. كم هم أعزّاءٌ كهنتي وشعبي". مع
هذا الشيخ الجليل .. بطريرك بابل على الكلدان .. أردتُ أن أضع علاماتٍ على
اسئلة تراود شعبنا المسيحي الجريح .. بل شعبنا المسلم .. بل شعبنا العراقي
أيضاً .. أردتُ أن أقول له:"إن المؤمنين ينتظرونكم، وإنهم يرونكم بعيدين
عنهم" .. فكان الجواب:"إنما أنا في خدمة الجميع" .. والحقيقة تقال، ولكن
مَن يقول الحق ربما يرجموه!!! .. نعم .. إستقبلني أنا ونائبة رئيس التحرير
المهندسة آن سامي مطلوب بكل رحابة .. بل بكل حب .. بل بكل شوق .. وكأنّ
الحياة في صمته أعطت ثماراً في تلك الساعة .. وكانت الثمار هذا اللقاء.
إليكم يا قرّاءنا الأعزاء .. الرأس والأب والراعي .. غبطة أبينا البطريرك
مار عمانوئيل الثالث دلي يكلّمكم من على صفحات الإنترنيت ومجلة الزنبقة..
ويحدّثكم عن واقع الإيمان وواقع الكنيسة، بل والمسيحية في هذا الزمن الصعب
.. والكل مليءٌ بالرجاء. لم أتبع تسلسل الأسئلة كما جرت العادة .. ولكن كان
مفتاح مقابلتنا _ الصلاة .. فهي التي توحّد القلوب وتجمع بين أبناء الأرض،
وأبناء العلى، تحت حماية رب السماء في كلمة واقعة أكيدة .. بل هي الحقيقة
.. إنها كلمة الحياة .. إنها الصلاة .. في هذه المقابلة تبدو علامات الرجاء
مضيئة وآفاقها رحبة لتنطلق بنا نحو المستقبل .. مستقبل بناء الحياة.
رئيس التحرير
الخورأسقف بيوس قاشا
نصّ المقابلة ...
الزنبقــــة:
الصلاة مفتاح باب الله .. وهي لقاء معه .. ماذا تقولون لمؤمني هذا البلد
الجريح؟ .. وهل يمكن إطلاق مبادرة صلاة في كنائس العراق؟.
غبطة البطريرك:
كما تعلمون ايها الأب الفاضل إني أقدّر غاية التقدير مجلتكم الزنبقة التي
هي بالحقيقة إسم على مسمّى، تقودنا نحو الصفاء، نحو القداسة، نحو بياض
القلب أمام الله. أشكر إدارة هذه المجلة التي تحمل أخبار العراقيين جميعاً
وبنوعٍ خاص المسيحيين منهم إلى إخوتهم ليس فقط داخل العراق وإنما في المهجر
وعلى قدر الإمكان وحسب الظروف الراهنة. شكراً لكم ولإهتمامكم، وشكري
للمعاونين الذين هم الساعد الأيمن لكم في نشر هذه المجلة الجميلة العائلية
التي تحمل كلام الرب إلى أبناء العائلة كلها.
كما تعلم كنا في هذه الأيام في الرياضة الروحية مع كافة كهنة بغداد من
السريان والكلدان، وكانت اياماً جميلة قضيناها مع الله وفي الرجوع إلى الله
ووضع أنفسنا أمام الله، وأحد هذه الأيام كان مخصص للصلاة التي هي ملاقاة
الإنسان مع الله، الوقوف أمام الرب حتى بالسكوت. سكوتنا هو صلاة كما يقول
خوري آرس:"أنظر إليه وهو ينظر إليّ، وهذه صلاتي". في الصلاة نعرض كل ما نحن
بحاجة إليه إنْ إستجاب الله لنا فوراً أم لا فهو يعلم ما هو لصالحنا في
الوقت المناسب. نحن أنانيون نريد كل شيء وفوراً، ولكن الله الذي يحبنا وهو
الأب يمنح الطعام في حينه ويمنح ما هو صالح لحياتنا. فالصلاة غذاء النفس
كما الطعام غذاء الجسد. والصلاة _ كما يقول بعض القديسين _ هي كالماء لحياة
السمك. فحياتنا بدون صلاة هي مائتة، فنحن بحاجة إلى الرجوع إلى الله في كل
حين وهذه هي سعادتنا.
سنة 1950 عمل البابا بيوس الثاني عشر نداءً في العالم كله لإقامة الصلاة
في العائلة، حيث تجتمع العائلة مع الأطفال مساء كل يوم قبل ذهابها إلى
النوم ويركعون أمام صورة العذراء ويتلون صلاة المسبحة الوردية. إن صلاة
الوردية تذكّرنا بحياة المسيح كلها وحياة العذراء مريم، وتجعلنا أن نحيا
حياةً حسب إراداته تعالى، فالأفكار التي تراودنا عندما نتلو "السلام عليكِ"
ترفع أفكارنا إليه تعالى. والباباوات كلهم طلبوا تلاوة السبحة وخاصة البابا
يوحنا بولس الثاني الذي كان دائماً يصلّي المسبحة، والبابا الحالي بندكتس
السادس عشر أيضاً كرّر إرادة أسلافه ليتلو شعب الله هذه الصلاة التي
تذكّرنا بحياة المسيح والعذراء وبأسرار ديانتنا منذ ولادة المسيح وحتى موته.
فعلينا، وخلال شهر الوردية المقدسة، أن نحثّ أبناءنا جميعاً وعائلاتنا أن
يتلو كل يوم صلاة المسبحة وهم راكعون أمام صورة العذراء (كما قلتُ سابقاًً
بناءً على طلب البابا بيوس الثاني عشر)، رافعين أيديهم جميعاً لتحلّ عليهم
نِعَم الربّ وبركاته، ولكي يُبعد الرب هذه الأيام العصيبة .. فكل أيام
حياتنا يجب أن تكون صلاة. علينا أن نخصص يومياً مدة ثلث أو نصف ساعة من
وقتنا لنقف أمام صورة العذراء ونصلّي سبحة الوردية وخاصة في شهر تشرين
الأول _ شهر الوردية المقدسة _ حيث تتلى هذه الصلاة جماعية في كنائسنا
ومعابدنا ومزارات العذراء كلها.
الزنبقـــة:
المسيحيون .. منهم مهاجرون ومنهم لاجئون ومنهم لا حول لهم ولا قوة .. الخوف
جعلهم يهجرون البلد ولا يُقبلون إلى الكنائس ... ماذا يقول أبينا البطريرك؟
.. أو ماذا تقول الكنيسة .. وكيف تتصرف مع هؤلاء؟ .. وما الذي قدّمته
الكنيسة لهم؟.
غبطة البطريرك:
حالة المسيحيين في عراقنا العزيز هي حالة الجميع، فالخوف يعمّ الجميع ليس
فقط المسيحيين ولكن المسلمين أيضاً، ويجب أن لا يكون الخوف بالنسبة
للمسيحيين بقطع الرجاء، بل أن يكون لنا رجاء بقوتنا يسوع المسيح وأمّه
العذراء مريم. فإذا كنّا مهاجرين أو لاجئين أو مضطَهَدين علينا أن نكون
دوماً مستعدين لواجباتنا الروحية، ونرفع افكارنا إلى العلى ونردد من أعماق
قلوبنا:"لتكن مشيئتكَ يارب، كما في السماء كذلك على الأرض". وهذا الخوف
يشاطرنا به المسيح والعذراء التي خافت وهربت به إلى مصر ولكنها كانت واثقة
بحفظ الله .. فلتكن لنا الثقة به.
الزنبقـــة:
كنيسة العراق، بإمكاني أن أسمّيها هذه الأيام الكنيسة الشاهدة والشهيدة ..
شاهدة لإيمانها وشهيدة لأجل إيمانها. ماذا يقول غبطة البطريرك عن الشاهد
والشهيد .. عن الإيمان والمؤمن .. عن المسيحي والمسيحية؟ .. وهل يجوز إفراغ
البلد من المسيحيين من أجل حياة الرفاهية لأننا نملك مال الحياة؟.
غبطة
البطريرك:
إن البلد لن يفرغ من المسيحيين، فهذا هو بلدنا، وهذا هو وطننا، وهذه هي
أرضنا، وعلينا أن نتّكل على الله فهو قوتنا وعوننا. أما كنيستنا فهي كنيسة
الشهداء _ كما كتبتُ في رسالتي الراعوية الأخيرة التي تمّ طبعها وسوف تُنشر
قريباً _ فنحن منذ البدء قدّمنا شهداء، وآباؤنا وأجدادنا سفكوا دماءهم من
أجل إيمانهم. فلنقتدِ بهم ونسير على خطاهم، فإن كنا شهداء أو شهود فنحن على
مسيرتهم، ولتكن مشيئته تعالى.
الزنبقـــة:
المطارنة هم معاونو غبطة البطريرك، والبطريرك هو الرأس والأب والراعي ..
ما نسمعه اليوم يُقلقنا نحن المسيحيون البسطاء: خلاف بين البطريرك وبعض من
المطارنة .. أليس هذا شكوك؟ .. وحتى متى يبقى الشرقيون لا يتفقون؟ .. هل
المَثَل قيل كوننا عرب نحن أيضاً "إتفق العرب على أن لا يتفقوا" .. "إتفق
أبناء الكنيسة على أن لايتفقوا"!؟.
غبطة
البطريرك:
إن سيدنا يسوع المسيح صلّى من أجل الوحدة ومن أجل المحبة بين بعضنا البعض
والصلاة من أجل بعضنا البعض. الإختلاف في الآراء ليس إختلاف في المبدأ، فكلٌّ
لديه رأيه. فلخير الكنيسة ولمصلحة أبناء الله، فالخلاف الكائن لا يجب أن
يؤثر على إيماننا ومحبتنا وخدمتنا. كلّنا إخوة، أبناء عائلة واحدة وأبناء
يسوع، وأمّنا العذراء مريم، وكلٌّ له رايه وشخصيته، ولكن الخلاف يزول عندما
ننظر إلى مصلحة الجميع وخدمتهم. ولذا، أنا لا اقول مطلقاً بأن الكهنة
مختلفين مع بعضهم، كلا ثم كلا، كلنا واحد مع يسوع المسيح، وكلٌّ له شخصيته
وأفكاره ويتصور نفسه أنه هو الأحسن. ولكن لكي نكون أبناء الله، وللمصلحة
العامة، علينا أن نتنازل قليلاً ونضع المحبة والتسامح بيننا. كلنا واحد،
وعلينا نحن أن نعطي المثال الصالح لأبناء الله لكي نكمل صلاة المسيح الذي
صلّى من أجلنا "لكي يكونوا واحداً" في خدمة الله والكنيسة، أما كل واحد منا
فعزيزة أفكاره عليه، عزيزٌ إسمه عليه، ولكن علينا أن نتنازل كلنا معاً
ونتماسك يداً واحدة في خدمة الرب.
الزنبقـــة:
عينكاوه .. موقع مسيحي ينقل الأخبار من الجهات الأربعة، ويخلط الطيب بالمرّ،
والرقص بالصلاة. وهناك مقالات جارحة لأشخاص لهم حرمتهم ومكانتهم في الكنيسة.
كما إنه يعرض صوراً غير مقبولة بل مرفوضة .. فالموقع يتصفّحه المسيحي وغير
المسيحي .. ما رأيكم يا غبطة أبينا البطريرك .. وما هي توجيهاتكم السديدة؟.
غبطة البطريرك:
أقولها للتاريخ، لقد إتّصلتُ مرات عديدة بمؤسس موقع عينكاوة وقلتُ له أن لا
ينشر الأخبار كيفما تأتيه، بل عليه أن يتحقق من الخبر قبل نشره، وأن يسأل
المسؤولين عن صحة الخبر لأنه يضرّ بالغير. ولكن هؤلاء، مع الأسف، الذين لهم
مكسب مادي يريدون سبق الخبر سواء أكان كاذباً أم صحيحاً، أو لغاية خاصة
لناشره، يقوم بنشر ما يريد وكأنه سبق صحفي. ومع هذا فقد وعدني مسؤول الموقع
بذلك ولكنه _ مع الأسف _ يعمل ما
يشاء،
يمكن حبّاً بالمال أو سبق خبر .. لا أعلم.
الزنبقـــة:
السياسة لرجال السياسة والدين لرجال الدين .. هل الكاهن رجل دين أم رجل
سياسة؟ .. وكيف يتعامل الكاهن مع السياسة، وخاصة هناك أمور إنسانية يجب أن
يدافع عنها: حقوق الإنسان، حق ممارسة الأديان، حقّ العيش، حقّ الحياة،
واجبات المواطن المسيحي؟ .. ماذا تقول الكنيسة .. وماذا يقول غبطة أبينا ..
وإلى مَ ترشدنا؟.
غبطة البطريرك:
تمام، رجل الدين يجب أن يكون رجل دين وليس رجل سياسة، ولكن عليه أن ينتبه
على أبنائه وعلى ما يُنشر حتى يوجّه الغير إلى الطريق المستقيم المؤدي إلى
الله وإلى المصلحة العامة .. وهذه ليست سياسة. يجب على رجل الدين أن لا
يتدخل في السياسة ولكن أن يوجّهها إلى الطريق الصحيح، وهذا ما تطلبه
الكنيسة. لأن السياسة هي حبّ المصلحة الذاتية، لكن رجل الدين عليه أن يوجّه
السياسة إلى الحياة الأبد والدفاع عن حقوق الإنسان، وهذا واجب على كل رجل
دين.
الزنبقـــة:
مجلس أساقفة العراق .. اين محلّه من الإعراب في خضمّ الأحداث التي يمرّ بها
البلد _ سياسية كانت أم إنسانية؟ .. هل إجتمع مجلس الأساقفة لدراسة مشكلة
المسيحيين اللاجئين، ممارسة الدين؟ .. وهل ستبقى كنائسنا في الدورة وأماكن
أخرى مغلقة .. وحتى متى؟ .. وهل سيبقى صليب الكنيسة منزَّلاً من على مائدة
المذبح والمجرسة؟ .. كيف ومتى ستعود الأيام التي بها نحيا أحراراً كما هو
شأن المسيحيين في البلدان الأخرى؟.
غبطة
البطريرك:
إن شاء الله سوف ترجع الأمور كما كانت، وتُعطى الحرية للمسيحيين والإسلام
بكافة طوائفهم لكي يقوموا بشعائرهم الدينية. فإذا رجعت حرية الدين فكل شيء
يأخذ محلّه ونعيش كما عشنا مدة 14 جيل مع بعضنا البعض.
بخصوص دور مجلس الكنائس، فقد طلبتُ من أمين سرّ المجلس أن يخبّر السادة
الأساقفة لكي نجتمع وندرس الحالة ونجد الحلول التي يمكن أن تُجرى، في
الواقع ولحدّ الآن لم أستلم الجواب. وقد علمتُ أن بعض الأساقفة يريدون
الإجتماع حيث أبرشياتهم وآخرون خارج العراق والبعض منهم يريدون داخل العراق
ليعيشوا واقع الحياة، وهكذا سنرى إلى أين سنصل في هذا المجال ... كلّفتُ
أمين السرّ أن يكتب لكافة المطارنة الكاثوليك، وكذلك لمجلس أساقفة العراق
ولحد الآن لم نستلم الجواب، لماذا؟ لا نعلم.
مع كل ذلك، نحن لا زلنا نتابع هذه المسألة يومياً، وبعد المقابلة في نيّتي
أن أتكلم مع أمين سر مجلس الأساقفة الكاثوليك من أجل لقاء الأساقفة لدراسة
حالة المؤمنين والحالة الراهنة وحالة الكهنة في حياتهم اليومية وعلاقاتهم
مع المؤمنين.
أما بخصوص فتح كنائسنا في الدورة فهذا الأمر ليس بيدي ولا بيد أي أحد منا،
فحالما يحلّ الأمن والسلام ونتمكن من الوصول إلى كنائسنا سوف نذهب ونفتح
ابوابها ونقيم فيها الصلوات طالبين فيها الرحمة من الرب ومقدّمين الشكر له
تعالى.
الزنبقـــة:
الحوار الإسلامي _ المسيحي ضروري وواجب، بل دعوة، من أجل عيش مشترك ..
وسيادتكم ترددون دوماً عبارة "الدين لله والوطن للجميع" .. ألا نحتاج إلى
بدء مثل هذه اللقاءات في بلدنا من أجل أن نتعلّم كيف نقبل الآخر بما هو
عليه ونعيش ونبني وطننا الجريح؟.
غبطة
البطريرك:
إن هذا الحوار كان في الواقع حقيقة. فقبل سنوات عديدة كنا نعيشه في الواقع،
ومصالح كثيرة كانت تجمع بين المسيحيين والإسلام معاً. وكنا نتعايش مع بعضنا
البعض دون اللجوء إلى الحوار الكلامي الذي لا يطابق الواقع. كنا نعيش حالة
الأخوّة والتفاهم حتى سنواتٍ خلت. والآن بإمكاننا أن نجتمع، ولكن أين ومتى؟
فالإجتماعات في هذه الأيام صعبة جداً. ولكن حالما تعود الأمور إلى طبيعتها
نعيش مع إخوتنا عيشة محبة وتعاون وتماسك وتعاضد، فالمسيحيون يريدون أن
يكونوا في عيش المحبة مع الإسلام وكذلك الإسلام، ولكن الظروف الراهنة التي
يمرّ بها الوطن اليوم لا تسمح بالإجتماعات أقلّه في الوقت الحاضر. لا بل
بالواقع يجب أن تكون لنا الرغبة والشوق للحوار الأخوي لحلّ الصعوبات التي
لا تحلّها القوة ولا يحلّها السلاح لا بل إن السلاح يزيد البغض عكس المحبة
والأخوّة والتسامح التي تجعل الأخوة يعيشوا معاً داخل عائلة واحدة، ولو
أحياناً _ وفي العائلة الواحدة _ الأخوة لا يقاسمون بعضهم البعض ولكن
جميعهم يعملون لخدمة العائلة والمصلحة العامة.
الزنبقـــة:
كهنتنا الجدد ... بعينٍ واحدة يتطلّعون عبر البحار والمحيطات، والعين
الأخرى تنظر إلى وضع العراق الجريح .. ماذا تقولون لهم؟ .. وماذا تتمنّون؟.
غبطة البطريرك:
بالحقيقة لستُ موافقاً على هذه الجملة، فالكهنة كباقي البشر، طبيعتهم
البشرية تجعلهم يخافون عندما يرون الخطر، حتى الدودة عندما يقترب منها
الإنسان تخاف وتنكمش على نفسها. والكهنة بشر ولهذا يخافون، ولكن أن يتركوا
شعبهم وكنيستهم فهذا ليس مقبولاً، فشعبهم هم إخوتهم، ووطنهم هو أمّهم التي
ربّتهم وعليهم أن يحبّوها.
إن أراد الرب أن نكون شهداء فلتكن مشيئته، كما نصلّي في صلاة الأبانا، لا
أن نقبل الأمور الجيدة ونرفض غيرها. علينا أن نمكث ونخدم لكي ينعم الرب
علينا بمواهبه ويُجزل بركاته. أنا لي ثقة أن جميع الكهنة سيرجعون إلى
كنائسهم حينما يستقر الأمن، فهم يحبّون أبناءهم، وهذه هي رغبتنا.
أنا لم أترك واسطة إلا واستعملتُها، ولم أترك باباً إلا وطرقتُه لكي
يعمّ الأمن والسلام، ولكن ليس بوسعي أن أقول بابَ مَن طرقتُ وإلى مَن ذهبتُ.
فالجميع _ إسلام ومسيحيون _ بيّنوا إستعدادهم في رجوع الأمان والإستقرار
والمصالحة.
الزنبقـــة:
إنني أعرف عنكم الكثير من الصفات الأبوية والراعوية والكهنوتية، فأنا
اسمّيكم رجل صلاة. والبابا أمس في إستقباله للمطارنة الجدد قال
للأساقفة:"أريد منكم أن تكونوا رجال صلاة" .. هل البطريرك يصلّي؟ .. كيف
يصلّي؟ .. متى يصلّي؟ .. من أجل مَن يصلّي؟ .. لماذا يصلّي؟.
غبطة البطريرك:
بالحقيقة كل صلواتي مرفوعة إليه تعالى. فصباحاً ومن الساعة 6:30 وحتى
الساعة 7:30 أي قبل القداس الإلهي أصلّي صلاة الفرض وأقدّمها من أجل شعبي
وكنيستي وعلى نية السلام والإستقرار وخاصة في هذه السنوات الأخيرة لكي يكون
الرب في عوننا ويحفظنا، وألتجئ بنوع خاص في صلاتي إلى أمّ المعونة الدائمة
_ والتي جعلتُها شفيعة بطريركيتي _ فلي الثقة بأنها هي دوماً في عوني وهي
التي تدير كنيستي، ولستُ أنا إلاّ آلة بيدها.
الزنبقـــة:
ألا تحتاج الكنيسة الكاثوليكية أو الكنيسة عامة في العراق موقعاً واحداً
ناطقاً باسم الكنائس المسيحية؟ .. أليست هذه علامة مسكونية في هذا البلد
الذي أضاع كل شيء حتى مفتاح الصلاة لأجل وحدة المسيحيين؟ .. يأتي الأسبوع
ويمرّ مروراً، ليس فقط مرور الكرام وإنما مرور النسيان وعدم الذكرى.
غبطة
البطريرك:
بخصوص الإنترنيت قلنا في إجتماع مجلس أساقفة بغداد أن سيدنا آفاك أسادوريان
سكرتير مجلس الأساقفة يكون الناطق بإسم رئاسة مجلس بغداد، وهو رجل طيب
ومتّزن. أما أن يكون لدينا إنترنيت فليس لديّ أي مانع. فنحن مستعدون لنكون
واحداً، وربما الإنترنيت يكون سبب وحدتنا.
مداخلة
من سيادته: الحالة الآنية لا تُحَلّ إلا بالصلاة. فلا القوة ولا بوش ولا أي
حاكم ولا أنا إلا الله تعالى. فلنلجأ إليه بصلوات متواضعة وإيمانٍ وثقة
وبإلحاح مثل الكنعانية والمرأة النازفة والعشّار.
الزنبقـــة:
مجلة الزنبقة .. إدارتها تكنّ لكم الإحترام الكامل والخضوع الدائم، وهي
تفتخر دائماً بأبوّتكم وحنانكم وعطفكم. والآن ألحقت إصداراً جديداً للأطفال
إسمه "الزنبقة الصغيرة" .. ماذا تقولون لإدارتها وللعاملين فيها؟.
غبطة
البطريرك:
نصيحتي قبل كل شيء أن نزرع المحبة بين بعضنا البعض، وأن يزرع الآباء
والأمهات المحبة والأمور الروحية والفضيلة المسيحية بين أبنائهم ليقوم جيل
مسيحي تقي مخلص أمين لله وللوطن .. هذه هي نصيحتي للجميع وبنوع خاص
للمسيحيين منهم. والذي يساعد الآباء والأمهات والأخوة والأخوات على هذا هي
المجلات التي تصدر في الرعايا والكنائس في الوقت الحاضر ومنها مجلة الزنبقة
التي تحمل إلى العائلة الأفكار الصالحة، وتُدخل الله إلى قلوب أبنائها لكي
يسيروا حسب إرادة ومشيئة الله تعالى.
أتمنى لمجلة الزنبقة وللعاملين فيها كل الخير وفيض النِعَم وغزير البركات
لكي تداوم هذا العمل الذي أراده الرب منها ويريده من كل واحد منا، أن
نستجيب على متطلبات الفضيلة وإيماننا المسيحي الذي تعلّمنا إياه الكنيسة
الكاثوليكية المقدسة.
أتمنى للجميع النجاح والتقدم والإزدهار في كافة المجالات الصالحة وبنوع
خاص أن نعطي نحن المسيحيين المَثَل الصالح لإخوتنا الذين نحبهم ونعيش معهم
جنباً إلى جنب منذ أجيال وأجيال، فنكون يداً واحدة وقلباً واحداً في خدمة
بعضنا البعض، ونقدم الخدمة لله بواسطة صلواتنا اليومية وبشفاعة أمّنا
العذراء مريم.
الزنبقـــة:
شكراً غبطة أبينا مار عمانوئيل الثالث دلي بطريرك بابل على الكلدان
لتفضّلكم ومنحكم لنا من وقتكم لتكونوا معنا في كلمة وفكرة من رجاء أكيد عبر
الحياة القاسية وعبر أسطر الزمن الذي نحياه.
شكراً على الكلمات الإيمانية التي بها رسمتَ مسيرة حياة كل مسيحي .. شكراً
على محبتكَ للمؤمنين والكهنة .. شكراً على الأبوّة الحنونة التي تتَّسمون
بها.
وهكذا إنتهت المقابلة والزمن ينتظرنا للنطلق نحو الرجاء .. فلا حياة بدون
رجاء.
غبطة
أبينا البطريرك:
شكراً أبونا الخوري بيوس، وشكرا يا إبنتي المهندسة آن .. ويسرني أن أهدي
لكما هدية صغيرة بهذه المناسبة.
الزنبقـــة:
شكراً يا غبطة أبينا .. أدامكم الله ذخراً لكنيسة العراق. وكل عيد ميلاد
وأنتم بخير.
وهكذا، بعد أن إرتشفنا قدح الشاي بحضرة غبطة أبينا، كان السلام آخر
الكلام.

|