في لقاء خاص
         السيد سامي العسكري مستشار رئيس الوزراء
                   الاقليم لا يستطيع الدفاع عن نفسه لوحده ما لم يكن جزءاً حقيقياً من العراق
                                         الموقف الكردي ساعد على حلحلة الازمة

 حاورته: مارلين اويشا
 

             تتجه الانظار الآن بمزيد من الاهتمام الى اجواء التهدئة التي يقال انها بدأت تلوح في الافق لمعالجة الازمة الامنية على الحدود العراقية التركية، رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان قال وهو في العاصمة الايطالية روما انه يمكن تجنب العمل العسكري ضد مسلحي حزب العمال الكردستاني، على الصعيد نفسه اكد رئيس اقليم كردستان العراق مسعود البارزاني ان الاقليم لن يكون مصدر قلق لجيرانه وخاصة تركيا، من جانبه اكد الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية علي الدباغ ان الحكومة اتخذت اجراءات رادعة لانهاء وجود حزب العمال الكردستاني التركي على الاراضي العراقية..ومع كل ذلك فأن شبح قيام تركيا بعملية عسكرية واسعة في الاراضي العراقية لم يختف كلياً. إذ ان الامور ليست على الطريق الواضح من اجل تسوية سلمية، والواقع تتجاذبه عدة خيارات، من هنا يسر بهرا ان تلتقي الاستاذ سامي العسكري مستشار رئيس الوزراء وهو من المتابعين لهذا الموضوع ..


* اهلا بك استاذ سامي في هذا الحوار مع جريدة بهرا
- اهلا وسهلا بكم


* نسألك اولا عن آخر المستجدات في هذا الشأن؟
- بسم الله الرحمن الرحيم..الجو السائد الان يختلف كثيراً عن الأجواء قبل عدة اسابيع حين بدأت الازمة حيث كان الجميع يتحدث عن اجتياح تركي عسكري للاراضي العراقية وفقاً لمجموعة اجراءات اتخذها الجانب التركي بدءاًً من تصويت مجلس النواب لصالح السماح للجيش للدخول الى الاراضي العراقية مروراً بالتصريحات التي اطلقتها الحكومة التركية ومن ثم الحشد العسكري الذي بدأ يتواصل وينمو بشكل مضطرد خلال تلك الفترة، بعد مؤتمر دول الجوار الذي عقد في اسطنبول الاسبوع الماضي وبعد الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء التركي الى واشنطن ولقائه مع المسؤولين الامريكيين وفي مقدمتهم الرئيس بوش بدا ان الازمة في طريقها الى الحل الذي جاء نتيجة اجراءات بذلتها الحكومة العراقية المركزية بالتعاون مع حكومة اقليم كردستان العراق من اجل نزع فتيل الازمة وتطمين الجانب التركي بأن وجود حزب العمال الكردستاني على الاراضي العراقية لم يعد مقبولا وهناك جدية في محاصرة هذا الحزب ومطاردته وطرده من الاراضي العراقية التزاماً من الحكومة العراقية والعراقيين بشكل عام بالدستور الذي يحضر وجود مجموعات مسلحة او مجموعات لحكومات المنطقة ويرفض استخدام الاراضي العراقية منطلقاً لشن هجمات على هذه الدول، في تصوري - مع ان الجانب التركي لم يعلن عن هذا الامر حتى هذه الساعة لكن اتوقع- ان خيار الحل العسكري بات هو الابعد وان الجهود الدبلوماسة العراقية اتت بثمارها وان الاتراك الان اقرب الى التفاهم والتعاون مع الحكومة العراقية من اجل مواجهة هذا الخطر .


* كيف تقرؤون واقع الاتصالات الان بين انقرة وبغداد بعد نتائج اجتماعات وزراء خارجية دول الجوار العراقي في اسطنبول وهل هناك احتمالات بارسال وفد سياسي وامني جديد الى تركيا او استقبال وفد تركي في المدى المنظور؟
- الازمة نشّطت الدبلوماسية العراقية بشكل جيد فالكثير من اللقاءات والاتصالات اجريت ووفد رسمي ذهب الى انقرة فضلا عن الحوارات التي جرت اثناء انعقاد مؤتمر دول الجوار واتصالات هاتفية جرت مع السيد رئيس الوزارء، ومن الجانب التركي ايضاً حيث ان وزير الخارجية التركي زار بغداد واجرى العديد من الحوارات، اعتقد ما مطلوب الان هو مواصلة توكيد الاتفاقات.. الحكومة العراقية وعدت بمحاصرة حزب العمال الكردستاني. حكومة اقليم كردستان العراق انسجاماً مع موقف الحكومة المركزية اعلنت من جانبها غلق مكاتب محسوبة على حزب العمال الكردستاني ووجهت تحذيرات لعلها لاول مرة بضرورة ايقاف حزب العمال الكردستاني عملياته العسكرية والقاء السلاح..هذه الالتزامات والوعود المعلنة من قبل الحكومة العراقية وجب تنفذيها وان يتحقق تعاون بين الحكومة العراقية والتركية فضلا عن بعض حكومات دول المنطقة وخاصة ايران لمواجهة حزب العمال الكردستاني والاتفاق على آليات لمحاصرة هذا الحزب وطرده من الاراضي العراقية ، وهذا بطبيعة الحال يحتاج الى مواصلة الاتصالات وحقيقة ليست لدي معلومات عما اذا كان هناك وفد سيزور تركيا ولكن الاتصالات الهاتفية وارسال المبعوثين الخاصين بين البلدين عملية مستمرة ومتواصلة.


* رئيس وزراء حكومة اقليم كردستان العراق نيجرفان البارزاني اعلن عن اجراءات صارمة ضد حزب العمال الكردستاني منها منع سفرهم عبر مطارات الاقليم وزيادة الرقابة على مخيم مخمور وتشديد الاجراءات على النقاط التفتيشية لمنع وصول الامدادت اليهم، برأيك هذه الاجراءات هل ستساهم في تقويض نشاط الحزب المذكور ودفعه الى خارج الحدود العراقية؟
- هذا الموقف من قبل السيد نيجرفان وحكومة الاقليم بشكل عام هو موقف ايجابي ساعد الحكومة العراقية على ان تعطي صورة ايجابية الى الجانب التركي على انها حكومة قادرة على ان تعد وتفي بالتزامتها، وهو في تصوري تطور في الموقف الكردي عما كان عليه في بداية الازمة، من شأن هذه الاجراءات حرمان حزب العمال من التسهيلات التي كان يحصل عليها خلال تواجده في اقليم كردستان العراق، صحيح ان التواجد العسكري محصور داخل منطقة جبلية وعرة ولكن بحسب معلومات المخابرات التركية مطارات اقليم كردستان العراق استخدمت من قبل هذا الحزب لتوفير الامدادت والتواصل العملي بين قياداته في الخارج والمجموعات المسلحة داخل الاراضي العراقية، هكذا اجراءات بالتأكيد من شأنها محاصرة هذا الحزب وهي ذات بعدين الاول رسالة سياسية واضحة للجانب التركي تطمئنه بجدية الموقف العراقي والجانب الاخر رسالة الى حزب العمال الكردستاني مفادها انه لا سبيل امامه الا اللجوء الى الجانب السلمي والكف عن العمليات العسكرية التي يقوم بها ضد القوات التركية والا فأنه سيواجه حصارا حقيقيا من قبل حتى اصدقائه وحلفائه باعتبار ان مصلحة العراق والاقليم لها الاولوية على اية مصالح اخرى ومن الواضح ان الاستمرار في دعم حزب العمال الكردستاني او التغاضي عن نشاطاته يضر كثيراً بمصلحة العراق والاقليم .


* ما هو حجم التنسيق بين حكومة اقليم كردستان العراق والحكومة المركزية، وهل هناك تباين بين الموقفين في طريقة التعامل مع مسلحي حزب العمال الكردستاني التركي؟
- اعتقد في بداية الازمة كان هناك تباين في اطلاق التسميات والمواقف، في الوقت الذي سمت فيه الحكومة العراقية صراحة حزب العمال الكردستاني بانه منظمة ارهابية لم يتفق الاخوة الكرد مع هذه التسمية ولاحظنا ان هذا الخلاف ليس فقط على المستوى الحكومي وانما على المستوى البرلماني ايضاً، اتذكر في بعض النقاشات في مجلس النواب كانت بعض الشخصيات الكردية البارزة تقف عند حد وصف حزب العمال يقوم بنشاطات غير مشروعة لا يتعدى هذا الوصف اكثر من ذلك بل الكثير منهم يعتقد ان حزب العمال الكردستاني حزب مناضل ويدافع عن حقوق الاكراد في تركيا، بخلاف موقف الائتلاف او غيره من القوى السياسية العربية التي تنظر الى حزب العمال الكردستاني على انه حزب ارهابي، وهنا اشير الى انه في البيان الختامي بعد الزيارة الاخيرة لرئيس الوزارء نوري المالكي الى تركيا التي جرت قبل عدة اشهر كان من المفروض ان يشار الى حزب العمال الكردستاني بانه منظمة ارهابية لكن وزير الخارجية هوشيار زيباري قال ان هذا سيخلق مشكلة مع السيد مسعود البارزاني لان قيادة اقليم كردستان لا تعتقد ان حزب العمال الكردستاني هو حزب ارهابي، وهذا الخلاف كاد ان ينعكس بشكل سلبي على الزيارة كان من الممكن ان لا يوقع اي اتفاق وان لا يصدر بيان ختامي وان لا يعقد مؤتمر مشترك بين رؤساء وزارء العراق وتركيا، وحلت بعد جهود مضنية بالاشارة الى اعمال ارهابية يقوم بها الحزب المذكور كحل وسط دون ان يوصف الحزب بهذه التسمية، هذه الاجواء سادت في بداية الازمة حيث كان هناك تباين في المواقف اولهم كان هناك انكار من الجانب الكردي عن وجود حزب العمال الكردستاني او استخدامه لاراضي الاقليم والاستفادة من امكاناته وتسهيلاته، في حين ان الجانب الرسمي العراقي يعتقد ان حزب العمال الكردستاني لديه واجهات في الاقليم كاحزاب واذاعات، وحسب معلومات المخابرات التركية التي اوصلتها الى الحكومة العراقية ان قيادات حزب العمال الكردستاني كانت تستخدم موانئ اقليم كردستان، فكان هناك تباين.


* ما الذي ادى الى تغير الموقف الكردي؟
- اعتقد ان احساس القيادة الكردية بأن هذا الموقف سيكلف العراق والاقليم بالذات اثمانا باهضة لا تتناسب مع حجم حزب العمال الكردستاني وقيمة ما يدعو اليه، الكل شعر سواء في اقليم كردستان او في باقي اجزاء العراق ان سيادة العراق مهددة بأن تنتهك، واكثر من ذلك اعتقد ان الاخوة في اقليم كردستان شعروا ان التجربة كلها مهددة وان الاخوة الاكراد يدركون ان الحشد العسكري التركي الذي وصل الى مئة الف جندي لا يتناسب مع مواجهة منظمة يقال ان لديها ثلاثة او اربعة الآف عنصر، انما قد يخفي هذا الحشد ما هو ابعد من ذلك، ومما يخشى منه هو القضاء على التجربة الفيدرالية وتجربة اقليم كردستان بالكامل، ولا ننسى ان قيادات سياسية تركية في الحكومة وخارجها كانت تتهم وللاسف قيادات كردية على مستوى عال، البعض كان يتهم حتى السيد مسعود البارزاني بأنه يوجه تهديدات غير مسؤولة، كل هذه الاجواء دفعت الاخوة الكرد الى اعادة تقدير الموقف والانسجام مع موقف الحكومة المركزية من ان القضية هي العراق اولا وحفظ ما انجز في اقليم كردستان.اعتقد ان هذا التطور في الموقف الكردي ساعد كثيرا على حلحلة الازمة وقوى موقف الحكومة المركزية واشعر العراقيين جميعاً لاول مرة منذ بضع سنوات انهم جسد واحد حقيقة ومهددين بشكل مشترك وعليهم ان يعملوا معاً وان الاقليم لا يستطيع ان ينهض بالدفاع عن نفسه لوحده ما لم يكن جزءا حقيقيا من العراق.


* هل تتوقعون اضراراً اقتصادية معينة اذا لا سمح الله قام الجيش التركي بشن عملية عسكرية شمال العراق، وما هي اجراءات الحكومة العراقية لمواجهة هذا الاحتمال في الجانب الاقتصادي علماً ان العلاقات الاقتصادية بين العراق وتركيا واسعة والتجار الاتراك يغطون الكثير من حاجات السوق العراقية؟
- واحد من الجوانب الضارة لهذه الازمة فيما لو تطورت هو الجانب الاقتصادي، العراق يرتبط مع تركيا بعلاقات اقتصادية واسعة منذ سنوات طويلة وهناك شركات تركية كثيرة تعمل في العراق وخاصة في الاقليم، وجزء كبير من الاستيراد العراقي يعتمد على الممرات التركية فضلا عن خط الانابيب الذي ينقل نفط كركوك يمر عبر الاراضي التركية، اقليم كردستان العراق سيكون اول المتضررين وتعويض الخسارة لن يكون سهلا والحكومة العراقية اشارت الى هذه المسألة ووزير التجارة صرح بشكل واضح بأن مواد البطاقة التموينية ستتأثر كثيراً في حال اغلقت الحدود بين العراق وتركيا، نعم تركيا ايضاً ستخسر منافع اقتصادية كثيرة لكن اعتقد ان الوضع التركي الاقتصادي قادر على استيعاب هذه الخسارة والتعويض عنها.


* هل من تأثيرات للوضع الامني المتوتر على الحدود مع تركيا على العملية السياسية الجارية في العراق وما هي حدود ضغط هذه الازمة على توجهات الحكومة في معالجة عدد من القضايا بينها موضوع التعديل الوزاري، والعلاقة مع اقليم كردستان وقضية كركوك وغيرها من القضايا؟
- رب ضارة نافعة،انا اعتقد ان الموقف العراقي بكل مكوناته اصبح اكثر تماسكاً وتقارباً في ظل هذه الازمة، كل العراقيين شعروا بضرورة اتحاد الموقف لمواجهتها، ويدعون الى حل الازمة سلمياً وتجنب الحرب، والاهم من ذلك في تصوري التقارب الحاصل بين حكومة اقليم كردستان والحكومة المركزية، للوهلة الاولى قبل بضعة اشهر كان هناك تصور بأن الاخوة في اقليم كردستان قد استغنوا عن المركز ولم يعد لديهم حاجة لشيء اسمه العراق، الان تغير الامر والاخوة في الاقليم شعروا ان كل ما حققوه يمكن ان يخسروه وممكن ان يعرض للضياع فيما لو انفصلوا او تباين موقفهم عن الموقف المركزي، هذا التقارب يتوضح من خلال التصريحات الاخيرة الكردية بدءاً من السيد مسعود البارزاني ورئيس الوزراء نيجرفان البارزاني وحتى رئيس الجمهورية جلال الطالباني، كلها توحي بهذا المعنى ، نحن جميعاً عراقيون همنا الاساسي حماية العراق وحماية تجربتنا الديمقراطية وما انجز في هذه المنطقة المهمة والعزيزة على كل العراقيين، وعدم الدخول في مواقف قد تثير دول المنطقة او تعطي انطباعات خاطئة وبالنتيجة نحن الذين سندفع الثمن فيما لو حصل عمل عسكري.


* باي صورة تقرؤون تأثيرات هذه الازمة الامنية على علاقات العراق الاقليمية وما هي مواقف دول الجوار العراقي منها؟
- اعتقد ان دول الجوار وخاصة في مؤتمر اسطنبول الاخير كانت واضحة في تشديدها على دعم الحكومة العراقية ورفضها للارهاب وعزمها على مواجهته، وموقف الحكومة يحظى بتأييد دول الجوار خاصة ايران وسوريا وغيرها من الدول لانه لابد للحكومة العراقية ان تكون حازمة في مواجهتها لحزب العمال الكردستاني باعتباره منظمة ارهابية، وكان هنالك موقفا ايجابيا لدفع الحكومة التركية لاعادة النظر في موقفها والتعاون مع الحكومة العراقية من اجل نزع فتيل الازمة وفقاً لاستعداد الحكومة العراقية والتركية للتعاون في مجال مطاردة ومحاصرة حزب العمال الكردستاني .


* الاستاذ سامي العسكري مستشار رئيس الوزارء نشكر لكم هذا اللقاء
- شكراً لجريدة بهرا.

 

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links